مروي محمد إبراهيم في عالم السياسة, إذا أردت لشئ أن يقال فاستعن برجل..أما إذا أردت تنفيذه فلتستعن بامرأة بهذه الكلمات أكدت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت ثاتشر ثقتها في قدرة المرأة علي القيادة. وهو ما نجحت أيضا في إثباته علي أرض الواقع علي مدي عقود من رئاسة الوزراء لواحدة من أهم وأكبر دول العالم. فعلي مدي العصور, تحدت المرأة المعايير الذكورية التي طالما سيطرت علي السلطة بغض النظر عن المكان أو الزمان. فمنذ عهد الفراعنة اقتنصت المرأة السلطة لفترات وجيزة متباعدة-ربما بالمصادفة- ولكنها نجحت في كل مرة في إثبات قدراتها الكامنة في الحكم بعقلانية وقيادة البلاد إلي بر الأمان. فقد كانت حتشبسوت من أبرز الملكات اللاتي حكمن مصر لأكثر من عشرين عاما, أما كليوباترا السابعة الملكة البطلمية فقد سجل لها التاريخ والأدب العالمي فترة حكم فيصلية في تاريخ مصر وروما. وقد أثبتت الملكة شجرة الدر قدرة المرأة وحكمتها في إدارة شئون البلاد وصد العدوان الصليبي حتي وإن لم تحكم أكثر من ثلاثة أشهر. أما علي البر الغربي, فلا يمكن أن ننكر ذكاء وحنكة الملكة إليزابيث الأولي ملكة بريطانيا و خليفتها الملكة فيكتوريا. ولم تكن المرأة المعاصرة أقل حنكة أو قدرة علي القيادة, بل إنها لم تترك الأمر للمصادفة كما كان يحدث في الماضي, لكنها سعت وبكل قوة لاقتناص الحكم, ولم تكتف المرأة في العصر الحديث باقتحام السلطة ولكنها حكمت بقبضة من حديد بغض النظر عن طريقها للحكم سواء كان مفروشا بالديمقراطية أو ملبدا بالديكتاتورية أو حتي بالتوريث غير المباشر. انتفاضة المرأة اللاتينية بمراجعة سريعة للتاريخ سنكتشف أن لكل منطقة في العالم طابعها الخاص الذي يؤثر بشكل واضح بمسيرتها السياسية, وبالتالي أثر علي اختياراتها لقادتها ورؤسائها في العصور الحديثة. فقد عانت أمريكا اللاتينية من عقود من الديكتاتورية والقمع تحت الحكم العسكري, وما أعقبه من رؤساء فشلوا في وضعها علي الطريق الصحيح للتقدم سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو حتي الاجتماعي. وهو ما دفع الشعوب اللاتينية إلي التمسك بحكامهم الذين أثبتوا قدرتهم علي القيادة بذكاء وحكمة, ولم يتخلوا عنهم حتي بعد وفاتهم أو انتهاء فترات ولاياتهم الدستورية.. وهو ما ظهر من خلال انتخاب زوجاتهم أو نوابهم للحكم من بعدهم. فعلي الرغم من أن الأرجنتينية إيزابيل بيرون تعد أول رئيسة في الشطر الغربي من الكرة الأرضية, حيث شغلت منصب الرئاسة في الفترة ما بين عام1974 وحتي عام1976 بعد وفاة زوجها, إلا أن الفضل يعود لزوجها خوان بيرون مؤسس الحركة البيرونية في الأرجنتين في صعودها لمقعد السلطة, حيث استفادت من نضاله علي مدي سنوات طويلة سواء أكان قضاها في المنفي أو المعتقل ناهيك عن إنجازاته الاقتصادية خلال فترة رئاسته الأولي. وعلي الرغم من الاضطرابات التي شابت فترة حكمه إلا أن شعبه ظل يتوسم فيه وفي أسرته الأمل للخروج من المحنة, ولكن رئاستها لم ترق لكفاءة وثقة الناس في زوجها ولذلك لم يتم انتخابها لفترة أخري. ويبدو أن الأرجنتين لم تبخل علي عالم السياسة بسيداتها. ففي عام2007 أصبحت أرملة الرئيس السابق نيستور كريشنر, كريستينا فيرنانديز كريشنر أول رئيسة منتخبة في الأرجنتين ولفترتين متواليتين. وعلي الرغم من تاريخها السياسي المبشر كعضوة في البرلمان إلا أنه لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه دعم زوجها لها في الانتخابات خاصة في ظل الإنجازات الاقتصادية التي تحسب له. كما أن كريستينا نجحت فيما بعد في الفوز بثقة شعبها بعد أن اشتهرت بدعمها لحقوق الإنسان وسياساتها الاقتصادية والخارجية المعتدلة. ولم تكن جارتها البرازيل أقل شأنا, فقد انتخب البرازيليون العام الماضي ديلما روسيف لتكون أول سيدة ترأس البلاد. ولكن لا يمكن أن ننكر فضل الرئيس السابق لولا داسيلفا علي روسيف, فمنذ توليه السلطة آمن بقدراتها فولاها منصب وزير الطاقة, ثم أعطاها الفرصة لتكون أول سيدة تشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة.وبالطبع لعب نضالها الطويل ضد الديكتاتورية العسكرية دورا بارزا في دعم فرصها للرئاسة, كما أنها استفادت أيضا من إنجازات داسيلفا الاقتصادية والسياسية, فعندما ساندها في الانتخابات الرئاسية كانت ثقة الشعب فيه كفيلة في ضمان فوز روسيف بمقعد السلطة. في أوروبا الديمقراطية أولا أما في أوروبا, فالديمقراطية هي السبيل الوحيد للصعود للسلطة. وهو ربما ما ساعد علي ظهور أبرز وأفضل نموذج للمرأة الرئيسة في العصر الحديث, ألا وهي المرأة الحديدية أو مارجريت ثاتشر أول رئيسة وزراء للمملكة المتحدة والأطول في المنصب منذ عام1979 وحتي.199 فهي أول سيدة تتزعم حزب المحافظين البريطاني, وأول رئيس وزراء في المملكة المتحدة يفوز بثلاث ولايات متتالية. وقد اشتهرت بسياساتها الصارمة والحاسمة سواء علي الصعيد الاقتصادي أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية, خاصة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق وهي السياسات التي أطلق عليها الثاتشرية. كما قادت البلاد للنصر في حرب فوكلاند عام1982 والتي أسهمت في زيادة شعبيتها, مما دعم فرصها للفوز بفترة ولاية جديدة في العام التالي. ولكن المرأة الفرنسية لم تكن بنفس القوة والحنكة, فإديث كريسون تعتبر السيدة الوحيدة التي شغلت منصب رئيس الوزراء الفرنسي. لكنها وصلت إلي هذا المنصب الرفيع بالتعيين وليس بالانتخاب في عهد الرئيس السابق فرانسوا ميتران عام1991 ولمدة لم تتجاوز العام وسرعان ما انهارت شعبيتها بسبب سياساتها الاقتصادية, كما اتهمت بالعنصرية بعد وصفها لليابانيين بالنمل الأصفر الذي يسعي للسيطرة علي العالم. ويبدو أن أيرلندا كانت الأكثر تميزا في هذا المجال, فهي الدولة الوحيدة التي حظت بسيدتين في موقع الرئاسة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وحتي.2011 فقد تم انتخاب ماري روبنسون كأول رئيسة لأيرلندا في1990 وحتي عام1997, ولعبت دورا مهما في تحويل أيرلندا إلي دولة محورية في أوروبا والعالم. واستقالت من منصبها في1997 لتشغل منصب مفوضية حقوق الإنسان في الأممالمتحدة لتخلفها ماري ماكليس والتي شغلت هذا المنصب حتي عام.2011 وكانت مجلة فوربس الأمريكية قد اختارتها واحدة من أقوي سيدات العالم في.2008 أما أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية الحالية, فهي من أبرز الأوروبيات اللاتي نجحن في إثبات قدرة المرأة علي اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية حكيمة, وقيادة البلاد وربما الاتحاد الأوروبي بذكاء في أوقات الأزمات خاصة خلال الأزمة المالية العالمية التي هزت العالم قبل أعوام قليلة. وهناك سيدات مثل رئيسة الوزراء التركية السابقة تانسو تشيلر, وكيم كامبل رئيسة الوزراء الكندية السابقة, نجحن في أن يكن أول من يشغل هذا المنصب من النساء في بلادهن وإن لم تتكرر التجربة في هذه البلاد مرة أخري. القبلية والعائلة في آسيا ولكن في آسيا, الوضع مختلف إلي حد كبير, فبالإضافة إلي الانتخابات أخذ صعود المرأة إلي رئاسة الوزراء أو حتي الرئاسة الطابع العائلي. فالعائلات السياسية تسيطر علي سير الأمور, فهو نوع غير مباشر من التوريث بحيث يعمل الزوج والزوجة والأولاد في السياسة ويتنقلون بين المناصب. ومع ذلك, تبقي سري لانكا هي صاحبة أول رئيسة وزراء في العالم وهي سيريمافو باندرنايكا والتي شغلت هذا المنصب لثلاث فترات,(1960-1965) و(1970-1977) و(1994-2000). وسيريمافو هي أرملة رئيس الوزراء السري لانكي الأسبق سولومون باندرنايكا الذي انتخب عام1956 واغتيل بعد هذا التاريخ بثلاثة أعوام لتقتحم أرملته عالم السياسة وتتولي هذا المنصب عاما بعد الآخر, معتمدة في ذلك علي وعد باستكمال مسيرة زوجها. وبالطبع ساعدت هذه العائلة السياسية البارزة في صعود ابنتها شاندريكا كوماراتونجا لتصبح أول رئيسة لسري لانكا من1994 وحتي2005, والطريف أن كوماراتونجا عينت والدتها رئيسة للوزراء بمجرد توليها الرئاسة في واقعة سياسية نادرة عبر التاريخ. أما الهندية أنديرا غاندي فيمكن اعتبارها رئيسة الوزراء الأبرز علي الإطلاق في الهند, فبغض النظر عن كونها أول سيدة هندية تشغل هذا المنصب فجذورها السياسية خارج المنافسة, فهي ابنة الزعيم جواهر لال نهرو وزوجة فيروز غاندي الذي ينتمي لعائلة الزعيم ألماهتما غاندي. وقد انتخبت لهذا المنصب لأربع ولايات بدءا من عام1966 وحتي اغتيالها عام.1984 وقد شغل نجلها راجيف غاندي ومن بعده زوجته سونيا غاندي المنصب لفترات طويلة فيما بعد. وفي الجارة الشقيقة باكستان, كانت بينظير بوتو نجمة سياسية فهي ابنة رئيسة الوزراء الراحل علي بوتو مؤسس حزب الشعب الباكستاني, وشغلت منصب رئيس الوزراء لفترتين غير متتاليتين بين عامي1988 وحتي.1993 وبالرغم من اتهامات الفساد التي لاحقتها هي وزوجها آصف علي يازدي ودفعتها للهروب إلي لندن إلا أن شعبيتها ظلت قوية في بلادها إلي ان تم اغتيالها عام.2007 وفي الفلبين, كانت كورازون أكينو أرملة زعيم المعارضة بنينو أكينو أول سيدة تحتل منصب الرئاسة في الفترة ما بين1986 وحتي يونيو.1992 وبالرغم من أنها اعتبرت نفسها ربة منزل لا أكثر قبل زواجها من أكينو, إلا انها رأست حزب قوة الشعب الثوري والذي كان له الفضل في الإطاحة بالديكتاتور فيردناند ماركوس عام1986 واختارتها مجلة تايم سيدة العام بفضل انجازها الثوري. أما ثاني سيدة ترأس الفلبين فهي جلوريا ماكباجال أرويو ابنة رئيس الوزراء السابق ديوسدادو ماكباجال, وشغلت هذا المنصب من عام2001 وحتي.2010 ولا يمكن تجاهل رئيسة إندونيسيا ميجاواتي سوكارنوبتري ابنة سوكارنو أول رئيس لإندونيسيا, واحتلت المنصب لمدة3 أعوام من2001 وحتي.200 وفي بنجلاديش لعبت السيدتان حسينة واجد وخالدة ضياء دورا كبيرا في مواقع القيادة ولكن أيضا لأسباب قبلية وعائلية والزعامات التاريخية للبلاد. هؤلاء السيدات مجرد نماذج لحشد من نساء في العالم نجحن في الكشف عن قدراتهن علي القيادة, ربما بشكل أكفأ من الرجال لأن الطريق للسلطة لم يكن مفروشا بالنسبة لهن بالزهور ولكن كان عليهن تجاوز أهم وأكبر عقبة وهي حقيقة أنهن سيدات, قبل أن يواجهن المكائد والأزمات السياسية التي قد تواجه أي رجل والكفيلة باسقاطه من أهم المناصب مهما كانت كفاءته.