مثلما احترقت البنات بنار رومانسيته ، كان اصدقاؤه شهود عيان على خفة ظله التلقائية ، وغرامه بالمداعبات والافيهات التى وقفت حائط صد امام طوفان المآسى وموجات الحرمان التى عرفها عبر محطات حياته المختلفة ، عاش حياته رغم قصرها ممزوجا بالضحك ومخلوطا بالجد ومعجونا بالحب . فكان في ضحكته جبار وفي رقته جبار وفي قسوته جبار وهذا ما دفعني لتخصيص فصل كامل خاص بالوجه الآخر لعبدالحليم حافظ في كتابي « إفيهات المشاهير ومقالب النجوم – الوجه الآخر لرموز مصرية « لنستمتع معا ببعض تفاصيله المثيرة ربما توصلنا لسر ابتسامته وعذوبة احساسه الممزوج بطمي النيل ، انه حقا «العندليب الأسمر « كما أطلق عليه الكاتب والناقد «جليل البنداري» وكان من أحب الألقاب الى قلب «حليم « وإليكم أيام من عمره :• في إحدي بروفات قصيدة «قارئة الفنجان» والتي كانت تجري في شقته.. وأثناء إجراء البروفة فجأة توقف عبدالحليم عن البروفة وقال وهو ثائر: خلاص يا جماعة.. بلاش بروفة النهارده.
فسأله أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الموسيقية في دهشة: ليه يا حليم.. فيه إيه؟ فرد عبدالحليم حافظ: لأن فيه عازف ناقص في الفرقة. ورد أحمد فؤاد حسن في دهشة أكثر قائلا: مفيش حد ناقص يا حليم.. كل الفرقة موجودة. فعاد عبدالحليم يقول:
الأستاذ.. اللي بيتكلم في التليفون. فترك العازف سماعة التليفون وانضم إلي أفراد الفرقة الموسيقية وبدأ يستأنف البروفات.. وبعد عدة دقائق.. أحس عبدالحليم أنه قام بإحراج العازف.. فأراد أن يعتذر له أمام أفراد الفرقة الموسيقية. فقال له مازحا: فيه حد يقعد يحب في التليفون ساعتين. فأحس العازف بأن عبدالحليم يحاول الاعتذار له.. فضحك العازف بارتياح وقال ل «عبدالحليم حافظ».. حب إيه يا حليم.. أنا بأكلم الحاجة في البيت. فضحك عبدالحليم قائلا: ليه.. هو أنت مش بتحب الحاجة.. والله لأقول لها.. وضحك الجميع واستؤنفت البروفة • ذات مرة واثناء بروفات أغنية «سواح» بدأ العمل متأخرا.. أي قبل موعد الحفل بعشرة أيام فقط.. حيث كان من المقرر أن يقدم عبدالحليم حافظ في الحفل.. إحدي أغنيات أفلامه.. قبل العثور علي أغنية «سواح».. وبعد البروفة الأولي.. طلب بليغ حمدي «ملحن الأغنية» من عبدالحليم حافظ إضافة بعض الإيقاعات إلي جانب الإيقاعات الأساسية للفرقة الماسية.. ونظرا لضيق الوقت.. قرر عبدالحليم حافظ توقيع غرامة مالية علي العازف الذي يأتي إلي البروفة متأخرا عن الموعد المحدد.. ووافق قائد الفرقة الماسية علي هذا الاقتراح.. والطريف أن أول من دفع غرامة مالية بعد هذا القرار هو عبدالحليم حافظ نفسه.. والسبب أنه أثناء صعوده إلي النادي الماسي في المصعد.. انقطع التيار الكهربائي لمدة ربع ساعة.. ظل عبدالحليم خلالها داخل المصعد.. ولدي دخوله إلي النادي الماسي.. قام بإخراج خمسة جنيهات من جيبه.. قيمة الغرامة المتفق عليها.. وأعطاها لقائد الفرقة الماسية.. ثم نظر عبدالحليم حافظ إلي أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية وقال له «ضاحكا».. تلاقيك انت يا فؤاد اللي قطعت التيار الكهربائي عن الاسانسير.. لأنك كنت «مزنوق» في خمسة جنيهات . • وإذا لم يكن حليم هو صانع البهجة ومفجر القفشة، فهو على الأقل يتجاوب معها للغاية! وفى هذا السياق يروى الكاتب الكبير أنيس منصور تلك الواقعة قائلاً: كنا نشجع عبدالحليم حافظ فننشر له صوراً وأخباراً. ولا أذكر أن عبدالحليم حافظ غنى لنا مرة واحدة. وإنما نحن الذين نغنى وهو – يا ولداه – مضطر أن يستمع إلينا ويقول: الله.. الله! وأول مرة سمعنا عبدالحليم حافظ (على قد الشوق) – موسى صبرى وعبدالحميد يونس وكامل الشناوى وحمدى فؤاد وكمال الملاخ وسعيد سنبل – كنا فى أحد الكباريهات. وكان يغنيها مطرب ليس معروفاً الآن إسمه محمد المصرى؟ والأغنية من تلحين الموسيقار كمال الطويل. وقد كنا نرددها قبل أن يغنيها عبدالحليم فى أعياد ثورة 1952. وكانت هذه الأغنية هى الصاروخ الذى رفع عبدالحليم حافظ إلى مدار فوق.. فوق. وكانت هذه الأغنية إعلاناً رسمياً بأنه مطرب جميل الصوت والأداء.. لقد رحل العندليب والحب عليه هو المكتوب ، رحل دون أن يخبرنا كيف لا نشتاق إليه وكيف نقص جذور هواه من الأعماق ، وعلى قد الشوق اللي في قلوبنا يا حليم ..سلم .