"مفيش ميه للشرب..ولا للزراعة..مفيش دخل..ومفيش تعليم صح..ولا أكل عيش..احنا ناس مهملة.." جمل تتردد على ألسنة الكثير من أهالى مركز نخل فى وسط سيناء. يبدون بأعدادهم القليلة وحياتهم البدائية وسط الصحراء الشاسعة وكأنهم يخرجون من بين صفحات أحد كتب التاريخ قبل أن تتطورالحياة وتزحف العصرية باشكالها وألوانها المختلفة. ولولا جهازالمحمول الذى يحمله بعضهم وبعض الأطباق (الدش ) فوق بيوتهم البسيطة لتأكد زائر المكان أن سكانه يعيشون خارج نطاق الزمن. وذلك على الرغم من أهمية موقعهم وعلى الرغم من توجيهات الرئيس السيسى بمحاربة الارهاب من خلال مكافحة الفقر والارهاب وتوصياته بتنمية سيناء، إلا أن حوالى 12 ألف نسمة يعيشون فى مركز نخل يبدون خارج خريطة الوطن..من حيث غياب الاهتمام و الخدمات الأساسية.نفيلة فراج وابنتها علية نايف 17 سنة تقفان وسط الصحراء أمام بوابة الوحدة الصحية الوحيدة منذ الصباح الباكر بمجرد سماعهما خبر قدوم قافلة طبية تطوعية آتية من القاهرة لتقديم رعاية صحية لأهالى نخل بها أطباء من مختلف التخصصات وكمان طبيبات..ولسان حالهما أخيرا.حدث ينتظره أهالى المركز والقرى المجاورة فى منطقة تكاد تكون منعدمة الخدمات. وتتكرر وتتشابه الشكاوى على ألسنة المرضى من سكان سيناء أو من الوافدين للعمل ومقيمين بها منذ عدة سنوات: هنا وحدة صحية خالية تقريبا من الأطباء معظم الوقت خاصة فى المساء..وحتى اذا وجدنا من يقوم بالكشف علينا، فعلينا شراء الدواء. وتتساءل نفيلة من وراء نقابها الذى يغطى معظم ملامح وجهها...ما فائدة أن يصف لى الطيبب دواء لا أمتلك ثمنه. ورغم تحفظ بدو سيناء من الحديث بسهولة مع الغرباء..الا أن السيدتين بدتا وكأنهما وجدتا طوق نجاة يتمكنان من خلاله من التعبير عن همومهما فى المدينة المهمشة رغم أهميتها. نخل مركز يقع فى الجزء الأوسط الجنوبى من سيناء ويعتبر حلقة الوصل بين شمال سيناء و جنوبها.. يبعد عن العريش حوالى 160 كيلو وعن نوبيع 208 كيلو مترات. كانت اهم محطة على طريق الحج المصرى القديم وكانت تقوم بتمويل الحجاج بالمؤن وتوفير سبل الراحة والامن. وقيل انها سميت نخل لنعومة رمالها والتى تبدو وكانها نخلت بمنخل. وتتضمن عدة قرى من بينها رأس النقب، الكونتيلا، سدر الحيطان، بئر جريد، السلام، عين طوبية وأخرى. قامت الأهرام بزيارتها فى رفقة قافلة طبية نظمتها مؤسسة صناع الحياة بالتنسيق مع مديرية الصحة بسيناء وذلك فى اطار مبادرة تبنتها لتنمية سيناء. قافلة تدفق عليها أهالى المدينة و القرى المجاورة المحرومون من الرعاية الصحية. وكانت نفيلة وابنتها من أوائل المرضى. يسترسل الأهالى فى شكواهم ليس فقط من المرض الذى يعانون للعلاج منه فى ظل تدنى مستوى الخدمة الصحية لكن أيضا من نقص لأهم مقومات الحياة الأساسية. وتتتسرب الكلمات من خلف نقاب علية : «معندناش دخل..نعمل فى لم الخردة وبيعها..اخدت محو الامية لكننى لم اتعلم شيئا..أخى مات لأنه لم يجد من يسعفه».. هنا كما يشرح الكثيرون لا توجد مصادر للرزق أو التشغيل للشباب.. لا مشروعات يدوية أو مياه لاستصلاح الارض وزراعتها. فى جولة بين المنازل والعمائر القليلة المتناثرة هنا وهناك وسط الصحراء..تبدو مشاهد التهميش والاهمال واضحة. داخل منزلها البسيط حدثتنا مريم سلامة عن معاناتهم اليومية للوصول لجراكن المياه وتخزينها. مياه من محطة التحلية تقوم بحفظها فى الخزانات لكنها ملوثة غير صالحة للشرب. أما الوسيلة الاخرى فهى جلب مياه أفضل حالا من السويس محمولة فى جراكن..أو نضطر لشراء المياه المعدنية كما تقول مريم، هنا المياه الملوثة سبب فى الكثير من الأمراض اهمها الكلى والنزلات المعوية. وعلى الرغم من أن الأراضى فى منطقة الوسط منبسطة وصالحة للزراعة لكن تقف مشكلة المياه مرة أخرى عائقا للتنمية. فتكلفة حفر واستغلال الآبار لا يمكن مقارنتها بمستوى معيشة ودخول اهالى المنطقة. «محتاجين ميه الناس تزرع..ويستثمروا الصحراء»..جملة تتردد على ألسنة الكثيرين من ٍسكان المركز الذى يقع فى قلب بوابة مصر الشرقية . نقص مياه وعدم وجود صرف..مستوى تعليم متدن ودروس خصوصية أو بطالة وركود..عن أى من كل هذه المشكلات تريدون أن نحدثكم. كلمات تدفقت على لسان نادية التى قدمت منذ سنوات مع اسرتها من البحيرة لتعمل هنا هى وزوجها مؤكدة قسوة الحياة فى ظل انعدام الكثير من الخدمات خاصة الصرف الصحى الذى يضطرون لاستخدام «الطرنشات» للتعامل معه.. هنا الناس حقوقها مهدرة..ولا يجدون اسبابا للبقاء ولا سبلا للحياة الكريمة..تقول عزيزة حسين التى قدمت من الشرقية منذ 16 سنة لكنها مضطرة للبقاء لارتباط بناتها بالدراسة فى العريش. مدارس بلا شبابيك أوتعليم ويتوالى سيل الشكاوى من أهالى تبدو على ملامحهم آثار المعاناة التى لم يسلم منها حتى الصغار..نورهان فى ابتدائى و سلوى فى الرابعة يذهبون الى مدرسة ليس بها شبابيك ولا تعليم أو حمامات آدمية. تشرح سلوى أن الدراسة تبدأ فى التاسعة او العاشرة صباحا و تنتهى فى الثانية عشرة «.. والسبب انتظار أتوبيس المدرسة الذى يأتى بالمدرسين من العريش. فالمشوار مابين نخل والعريش قد يستغرق ساعتين او ثلاثة بسبب ظروف الحرب على الارهاب والتفتيش فى الكمائن. وهو ما يتسبب أحيانا فى موت بعض المرضى الصغار ممن لا يتحملون مشقة الطريق، أملا فى مستوى افضل من الرعاية فى مستشفاها. المرأة الأكثر تهميشا ولأن المرأة دائما ما تتحمل العبء الأكبر من مشكلات المجتمع فهى أكثر من يعانى فى المدينة المهمشة. كما تقول غانمة سالم رئيس جمعية تنمية المرأة بوسط سيناء مشيرة إلى الكثير من حقوقها المهدرة. رغم بساطتها وتواضع تعليمها، تطلق من فمها جملا قوية تعبر عن عقل راجح و تفكير متوازن: أم لخمسة أبناء وزوج معاق. تزرع البرسيم وتربى الغنم..فقيرة لكن تتحايل على الفقر، وتروى لصغارها قصصا تلهيهم أثناء مرور سيارة بيع الخضر. ترى أن هناك اهدارا لحقوق المرأة فى مصر لكن لسيناء الحظ الأكبر منه. وتؤكد أن النساء لا يهينهن الا اللئيم و لا يكرمهن الا الكريم . وتبدومثقفة وواثقة من نفسها حين تتساءل لماذا نحرم المرأة من المشاركة فى الحياة العامة وأمهات المؤمنين كن يشاركن فى الكثير من أمور الدين والدنيا. تفيض كلماتها بحماس فى فضفضة تحمل الكثير قائلة «جوايا الكثير». « هنا الولد يسمحون له بالتعليم لكن الفتيات يحرمن منه..وفى مسابقات الوظائف تكون الاولوية للرجال من دون النساء. حتى الحكومة لا تهتم بنا.. وتروى قصة صراعها مع الحياة لانتزاع حقوقها قائلة: أهلى حرمونى من التعليم لكنى صممت على الحصول على محو الامية بمساندة أبنائى الكبار واليوم أنا من اساعد الصغار فى مذاكرتهم. غانمة لا تساعد اسرتها فقط لكن كل من يطلب منها المساعدة من فتيات وسيدات نخل. تحاول اقناع الرجال ان العنف تجاه المراة يولد الجفاء..ومساعدة النساء للحصول على حقوقهن فى التعليم والعمل. ودائما ما ترد على اتهام الرجال لها بأنها تقلب عليهم نساؤهم قائلة: بل انا أوعيهن. فهى تسعى لايجاد عمل للنساء المحرومات والمعيلات. لكن التحديات والمعوقات كثيرة: هنا فى نخل ينقصنا الكثير..نحتاج لحفر آبار للزراعة والى مشروعات لتشغيل الاهالى.. استعين ببعض المؤسسات الخيرية مثل صناع الحياة ومصر الخير لكن العبء كبير. وبحماستها المتدفقة تؤكد أنها لم تترك بابا الا طرقته بهدف المساهمة فى تنمية مجتمعها وخاصة المرأة.» احاول ارسال فاكس الى المجلس القومى للمرأة لمساعدتى واتمنى أن يجيبونى. مشكلات كثيرة يعانى منها أهالى نخل وتعطش للحياة والخدمات والعمل المستقر خاصة ان معظمهم أرزقية. أما الوافدون فيعانون من مشكلات المواصلات ونقص المياه كما يقول أحمد عبد الحكيم وكيل مدرسة نخل الابتدائية. فى نهاية اليوم قام متطوعو القافلة بعلاج 350 حالة ..حتى ان بعض الاهالى أبدوا دهشتهم لتمكنهم من الكشف وأيضا الحصول على العلاج. حق يتمنى أهالى نخل الحصول عليه بشكل دائم. فى حين تطالب النساء بضرورة وجود طبية نساء وتوليد فى الوحدة الصحية بدلا من قطع مسافات طويلة حتى مستشفى العريش. فتوفير رعاية صحية وتعليمية ومياه للزراعة وفرص للعمل هى أولى خطوات التنمية التى تحتاجها سيناء، بوابة مصر الشرقية التى يبلغ عدد سكانها حوالى 500 الف نسمة، من بينهم سكان نخل. والبداية من خلال التواصل و تقديم الخدمات كما يقول صالح عبد الله مدير مشروع تنمية سيناء فى صناع الحياة. لكنه دور لا مجال لتركه للمؤسسات المجتمعية فقط . فليس بخاف اليوم على احد أن نمو الارهاب مرتبط بالفقر أحيانا ونقص الوعى والجهل أحيانا أخرى وعدم استغلال طاقة الشباب ايجابيا فأين إذن دور الدولة فى منطقة هامة بقلب سيناء منعدمة الخدمات..وأين توصيات الرئيس بمواجهة التطرف من خلال التنمية؟ فهل نترك أهالى نخل مرتعا خصبا وسهل المنال للإرهاب فى ظل ما يعانونه من اهمال وتهميش؟ أم أنه آن الأوان أن يتحرك قطار التنمية ويقف فى أحدى المحطات الحيوية..فى قلب بوابة مصر الشرقية.