«يجب توسيع التبادلات الثقافية بين الصين والدول الأجنبية، وتعزيز بناء قدرة النشر الدولي». هذه الكلمات جاءت ضمن تقرير عمل الحكومة الصينية وخطتها لعام 2015، الذى قرأه «لى كى تشيانج»، رئيس مجلس الدولة (الوزراء) الصيني، أمام الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطنى لنواب الشعب، أعلى سلطة تشريعية فى الصين، لتؤكد اتجاه الصين نحو انتهاج ما يمكن تسميته ب«الدبلوماسية الثقافية» لزيادة تأثيرها حول العالم، واحتلال مكانتها كدولة كبري. هذه الكلمات لم تكن الأولى فى هذا المجال، فقبل افتتاح المجلس التشريعى بيومين كان افتتاح أعمال الدورة الثالثة للمجلس الوطنى ال12 للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصيني، الذى يعد أعلى هيئة استشارية سياسية للبلاد، وخلال الافتتاح تحدث »يو تشنج شنج«، رئيس المجلس، عن علاقات الصين مع دول العالم، وعن خطط المجلس لعام 2015، وجاء على رأسها ضرورة التخطيط لتوسيع قوة تأثير الصين فى المجتمع الدولي. و تؤكد تصريحات العديد من المسئولين الصينيين على هامش جلسات المجلسين الاستشارى والتشريعي، التى جرت أخيرا بالعاصمة بكين، أن توجه الصين نحو انفتاح اقتصادى أكبر على دول العالم، ومحاولتها فتح أسواق جديدة، ومجالات عمل للشركات الصينية فى مناطق مختلفة من العالم،وفى مقدمتها دول قارتى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ضمن تنفيذ استراتيجية التوجه الصينى نحو الخارج، أنهم يدركون أهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه الثقافة فى تسهيل عمل الكيانات الاقتصادية، وربط شعوب العالم بالثقافة الصينية، وهو ما يفسر الدعم الصينى الكبير لإنشاء المراكز الثقافية الصينية فى الدول الإفريقية، بمنح وقروض ميسرة. فخلال مؤتمره الصحفى على هامش الجلسات أكد وزير الخارجية الصينى «وانج ييي» أن العلاقات الصينية مع دول افريقيا لا تتوقف عن الاقتصاد، وان الصين كانت سباقة فى المساعدة للقضاء على وباء ايبولا، وقدمت الأطقم الطبية والمساعدات المالية للدول المنكوبة. كما توضح سرعة وتيرة إنشاء المراكز الثقافية الصينية حول العالم اهتمام الصين بالاستفادة من الثقافة فى توسيع مدى تأثيرها، حيث تشهد هذه المراكز تزايدا كبيرا فى عدد الراغبين بدراسة اللغة الصينية حول العالم، بشكل أقلق بعض الدول ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى تشهد زيادة كبيرة فى المراكز الثقافية ومراكز الأبحاث التى تمولها الصين، وهو ما تعتبره أمريكا تهديدا لها وتناميا لما يطلق عليه «اللوبى الصيني» فى أمريكا. استراتيجية «الدبلوماسية الثقافية» التى تنتهجها الصين لدعم تواجدها ونشر ثقافتها حول العالم لا تتوقف عند المراكز الثقافية التى يتم إنشاؤها بالدول المختلفة، بل تشمل أيضا أعمال عدد كبير من المنظمات غير الحكومية، التى تعمل بدعم ومساندة الحكومة الصينية، وتقوم بتنفيذ برامج تبادل ثقافية بين الصين والدول المختلفة. ومن هذه المؤسسات الجمعية الصينية للدبلوماسية العامة، التى تأسست قبل عامين تقريبا وتستضيف عددا من الصحفيين والإعلاميين الأفارقة فى برنامج تعليمى وتدريبى شامل للتعرف على الثقافة والحضارة، وتعلم اللغة الصينية، والتعرف عن قرب على المجتمع الصيني. وعن سبب إنشاء مثل هذه المؤسسة يقول السفير »جونج جيانزونج«، نائب رئيس جمعية الدبلوماسية العامة بالصين، إنها تهدف إلى تنمية الدبلوماسية الشعبية، التى أصبحت مهمة جدا فى ظل الانفتاح الاقتصادى وسهولة التنقل بين الدول، والتغيرات التى تشهدها الساحة الدولية. فالصينيون يسافرون إلى كل مكان الآن للعمل والاستثمار، وخلال العام الماضى سافر أكثر من 100 مليون صينى للسياحة حول العالم، ورغم هذا هناك الكثير الذى لا تعرفه الشعوب المختلفة عن الصين. ويضيف نائب رئيس جمعية الدبلوماسية العامة بالصين: «بلادنا لها إسهام كبير فى الحضارة الإنسانية، فقد حافظت على هويتها ولغتها لآلاف السنين، ونطمح أن يعرف جميع سكان العالم المزيد عن الصين وتاريخها وحضارتها، لكن بعيونهم الخاصة، وليس عبر أفلام السينما، أو عدسات الفضائيات، وأن تكون رؤيتهم عن الصين من نظرتهم الخاصة، ولا تكون مستوحاة من الإعلام الغربي، الذى لا يهتم سوى بموضوعات تخدم أهدافه الخاصة». الصين تفخر دائما بأن علاقاتها مع الدول الأخرى تقوم على أساس من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وقد أعلن وزير الخارجية الصينى أن هناك محورين أساسيين ستعمل عليهما الدبلوماسية الصينية فى 2015، هما السلام والتنمية، مشيرا إلى أن علاقات الصين الخارجية تتميز بالشراكة بدلا من التحالف، انطلاقا من اهتمامها ببناء علاقات دولية من طراز جديد يتخذ التعاون والفوز المشترك جوهرا له. لكن السؤال الذى يفرض نفسه هو هل تتقبل الدول الأخرى سعى الصين لنشر ثقافتها والتعريف بها بصدر رحب، أم أن ذلك يمكن أن يؤدى إلى مشكلات جديدة ويثير القلق، على غرار القلق الأمريكى من تزايد أعداد المراكز الثقافية الصينية فى الولاياتالمتحدة ؟.