تذكر الأصدقاء من المثقفين والكتاب والقراء في العالم العربي كله الكاتب والروائي السوداني الطيب صالح, في ذكري وفاته الأولي في شهر فبراير الماضي. فأقاموا الندوات ونظمت المحاضرات ونشرت المقالات في معظم الصحف العربية, تتحدث عن الطيب صالح الأديب والإنسان والمفكر والفيلسوف, كل من وجهة نظر مختلفة ومن زاوية لم يعرفها آخر; ولكن أجمع كل من تكلم أو كتب عن الطيب علي شيء واحد وهو الأثر العميق الذي تركه الأديب السوداني العالمي في نفس كل من صادقه أو أقترب منه أو قرأه. وكما شارك كل شخص بطريقته في تذكر الصديق الصدوق, قام الأستاذ محمود صالح, راعي ورئيس مجلس إدارة مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان, والذي ائتمنه الكاتب الكبير قبل وفاته علي بروفات أعماله, باصدار أعمال الطيب صالح الأدبية, كاملة في كتاب, بعد أن حصل المركز علي عقد من عائلة الطيب يصبح بمقتضاه هو الجهة الوحيدة المخول لها نشر أعمال الكاتب كاملة. ولقد صدر الكتاب الذي يضم روايات وقصص الطيب صالح, باستثناء سلسلة المختارات, مع ذكري رحيل الكاتب الكبير, وقدمها الدكتور إبراهيم القرشي, أستاذ اللغة العربية وآدابها, والمحاضر في جامعات الخرطوم والملك سعود والرباط, ووصفها بأنها أعمال حلقت في فضاءات الانسانية الرحبة وقرأها العالم بأكثر من عشرين لغة ترجمت إليها. ولقد حلقت أعمال الطيب صالح في آفاق الانسانية لأنها كتبت بعفوية شديدة, نفس العفوية والتواضع الذي عرف عن الطيب طيلة حياته في معاملاته مع أقرانه ومع الحياة عامة. فلم يكن الكاتب الكبير يري الشر أو يتوقعه مع الآخرين, ومهما لاقي من البعض كان يجد لهم المبرر ويردد بقناعة شديدة ولكنه رجل طيب, وكأن اسمه الطيب صالح انساب في عروقه بكل مايحمل من معان جميلة, ألم يكن المنسي أحد تلك الأمثلة؟ هذا الرجل الذي يراه الجميع محتالا عالميا, بينما يراه الطيب إنسانا نادرا علي طريقته. استهل محمود صالح الكتاب برواية الطيب موسم الهجرة إلي الشمال تلك الرواية التي أدرجت من بين مائة عمل روائي عالمي منذ أن عرف الناس الرواية إلي زماننا هذا ليأخذنا بعد ذلك في رحلة عبر الأعمال الروائية الطويلة والقصيرة بدون ترتيب زمني, فلم تكن موسم الهجرة أول أعماله الأدبية, فقد سبقتها محاولاته الأولي في القصة القصيرة مع نخلة علي جدول والتي ضمها مع مجموعة قصص أخري تحت عنوان دومة ود حامد, ثم جاءت بعدها أولي رواياته الطويلة عرس الزين ثم بعدها جاءت موسم الهجرة, وتوالت بعدها الروايات, من بندر شاه ضو البيت إلي بندر شاه مريود, والجزء الثالث منهما الذي لم يظهر أبدا. ومع المضي في الرحلة إلي عالم الطيب, والتحليق في آفاق أفكاره, مجتمعة كلها في مجلد واحد نكتشف سر عالمية هذا الكاتب السوداني, الذي غاص في المحلية; سواء المحلية الجغرافية أو البشرية; لينطلق منها إلي العالمية, فقد برزت القرية في رواية دومة ود حامد, لتفرز كل أعمال الطيب بعد ذلك وتظل كما يقول الدكتور القرشي في مقدمة الكتاب مسرحا دائما ومتجددا لأحداث قصصه ورواياته عدا قصتي الراجل القبرصي ويوم مبارك علي شاطئ; كما غاص الطيب بعفوية يصف بصدق رعميق شخصيات رواياته البسطاء, لنجد في القرية وشخصياتها محاكاة للبشرية عامة, في كل مكان وزمان. وذلك هو سر إبداع الطيب صالح. الكتاب صادر عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي.