لا نتجاوز كثيرا فى وصف حال نقابة الصحفيين المصريين بحلول موعد انعقاد جمعيتها العمومية وانتخابات نقيبها ونصف أعضاء مجلسها مع مارس 2015 بأننا إزاء أزمة ملامح الأزمة ومفارقاتها تتجسد فى هذا الانخفاض غير المسبوق فى عدد حضور جمعية الانتخابات (1009 أعضاء يمثلون نحو 12فى المائة من إجمالى الاعضاء المشتغلين الذين يحق لهم التصويت). وهى بحق أدنى نسبة فى تاريخ النقابة منذ بدء تطبيق قانونها 76 لسنة 1970.وهذا مع ان الجمعية العمومية تضاعف عدد أعضائها خلال خمسة عشر عاما فقط بين 2001 والعام الحالى (من 4045 الى نحو 8090). و أضيف لعضويتها نحو ألفين بين جمعيتى مارس 2013 و2015. وقبلها اضيف ألف آخر بين جمعيتى أكتوبر 2011 ومارس 2013. وهكذا يمكن افتراض ان أعدادا كبيرة من شباب الصحفيين انضمت الى الجمعية العمومية فى السنوات القليلة السابقة. كما تفيد قوائم أعضاء الجمعية المشتغلين أن أغلبية الصحفيين العاملين فى مؤسسات الدولة المسماة بالصحف القومية آخذة فى الانخفاض وإن لم تنحسر تماما .وهى الآن نحو 58 فى المائة مقابل نحو 15 فى المائة للزملاء بصحف خاصة مما يزيد عدد المشتغلين فى أى منها عن الخمسين صحفيا . والنمو الملحوظ فى عضوية الصحفيين من كبريات الصحف الخاصة يطرح على جمعيتهم العمومية ظاهرة الفصل والتحكم التعسفيين لأصحابها رجال الأعمال المحاسيب . وكما استمعت من شباب هذه الصحف فإن تولى أعضاء من مجلس النقابة مناصب قيادية فى تلك الصحف واشتغالهم بتقديم برامج فى القنوات الخاصة لرجال الأعمال هؤلاء يفتح الباب أمام تضارب المصالح .وبالتالى افساد العمل النقابى افسادا لايقل عما تنبهت اليه قرارات الجمعية العمومية للنقابة منذ عام 1979 بشأن الجمع بين المناصب القيادية فى الصحافة القومية وبين المواقع النقابية. هذه التحولات فى حجم الجمعية العمومية ومكوناتها كانت تتطلب وعيا بأهمية ابتداع اساليب للممارسة والمشاركة الديموقراطية فى كيان يتضخم وتتعدد مشكلاته. ومنذ نحو عشرين عاما كانت هناك أفكار مطروحة مثل اقامة لجان لأعضاء النقابة بهيئات قيادية منتخبة داخل كل مؤسسة تناقش وتطرح الحلول وتضغط على الإدارة لحل المشكلات وتحقيق المطالب العادلة. وتكون بمثابة قنوات وصل بين الصحفيين فى مواقع عملهم والنقابة. وبالطبع فإن رموز الاقطاع الصحفى السياسى التى سيطرت لعقود على إدارة المؤسسات القومية والنقابة معا لم يكن من مصلحتها إيقاظ الجمعية العمومية وانعاشها بمثل هذه الآليات. هذا عن ترهل الجمعية العمومية . لكن الأخطر كان وظل هو تغييبها عن عمد .وليس مجرد غيابها. بدأ الأمر بآثار القانون الاستبدادى رقم 100 للنقابات المهنية بالفصل منذ منتصف التسعينيات بين جمعية الانتخابات والجمعية العادية التى تحاسب المجلس وتناقش تقريره وميزانية النقابة .و لما عادت النقابة الى قانونها والجمع بين الجمعيتين تعمد مجلس النقابة فى جمعية مارس 2013 منع اعضاء الجمعية من ممارسة ولو حق الكلام ، وتم اهدار صلاحيات الجمعية فى النقاش والمحاسبة و وسن القرارات . وفى كل هذا عدوان جسيم على قانون النقابة وجمعيتها العمومية .والأخطر انه فوت الفرصة على الأجيال الشباب كى تعلم وتتعلم وتمارس حقوق جمعيتها العمومية . قبل سنوات خلت كان بامكاننا الحديث عن كتلتين ترجحان انعقاد جمعية الانتخابات: الأولى تأتى بأوامر من رؤساء مجالس وتحرير الصحف القومية لانتخاب رموز الإقطاع الصحفى السياسى وممثليهم و بحافز دعم من يرفع البدل الحكومى ويبذل وعود الخدمات. وقد تآكلت هذه الكتلة نتيجة عوامل عدة لم يعد ذكرها أولوية فى هذا المقال. أما الكتلة التصويتية الثانية فهى تنتسب الى مايسمى بتيار الاستقلال. وهو باختصار مصطلح كان المقصود منه الاستقلال عن إدارات الصحف و قياداتها والحكومة وحزبها . ولقد نجح هذا التيار فى الوصول الى منصب النقيب بين عامى 2003 و 2007 . ولكنه ارتكب أخطاء اسهمت فى غياب وتغييب الجمعية العمومية. لم يعمل على ملفات الفساد الإدراى والمهنى والنقابى . بل وراهن أكثر على بناء رأس جسر مع السلطة السياسية زمن مبارك (عبر السيد صفوت الشريف) بدلا من خوض نضال نقابى حقيقى لانجاز لائحة أجور جديدة للصحفيين تحرر اصواتهم ولضمان موارد مالية تنجز استقلال النقابة. وزاد الطين بلة عندما انتقلت بعض رموز هذا التيار من بناء الجسور الى الاقتران بالسلطة. وأصبحت لاحقا مسئولة فى نظر قطاع من الصحفيين عن مواقف مخالفة للحريات العامة و النقابية وعن تعيينات فى مناصب قيادية بالصحافة القومية قيل إنها تتسم باللاشفافية و الشللية واهدار المعايير الموضوعية والتنكر لمبادئ كثيرا ما نادى بها هذا التيار مثل حظر الجمع بين منصبى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير. وبالطبع لا يمكن فهم حال نقابة الصحفيين 2015 من دون الوعى بدخول الطبقة الوسطى فى حلقة جديدة من أزمتها مع السياسية وفى الاقتصاد والعمل العام. وقد تناولت قبل سنوات بالتحليل مسار النقابة وعلاقته بهذه الأزمة وبسلطة الدولة منذ عقد السبعينيات فى كتابين عن الصحافة . ولعل فى كل ماسبق ما يدعو ألا نتعجب عندما لا يأتى الناس للانتخاب ويتخلف الشباب عن نقابة الصحفيين . لكن لاحل إلا فى حضور الجمعية العمومية كى تناقش وتحاسب وتغير. لمزيد من مقالات كارم يحيى