إنه مجرد خلاف بين أفراد الأسرة الأمريكية - الإسرائيلية .. ولكننا سنتجاوزه". بهذه الكلمات البسيطة، قدم بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى وصفا دقيقا لمدى الترابط فى العلاقات بين البلدين خلال زيارته للولايات المتحدة، والتى وصفت بأنها حملته الانتخابية الحقيقية، حيث ألقى خلالها كلمة أمام المؤتمر السنوى للجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" فى واشنطن، وكلمة أخرى أمام الكونجرس. وهذه الزيارة التى جاءت فى قلب حملته الانتخابية، خاصة وأنها تمت قبل أقل من شهر من انطلاق الانتخابات العامة فى إسرائيل، والتى يواجه فيها "بيبي" موقفا حرجا، كان هدفها التأثير على الناخب الإسرائيلى عبر البوابة الأمريكية. ولم تكن كلماته فى أمريكا موجهة للرأى العام الأمريكى بقدر ما كانت موجهة إلى الإسرائيليين أنفسهم، وكأنه يخاطبهم قائلا : "ها أنا ذا أطلب ما أريد من الراعى الأمريكي". ولعل هذا هو ما دفع المحللين الأمريكيين والإسرائيليين معا إلى القول إن نيتانياهو نجح خلال زيارته لأمريكا فى جعل تصفيق أعضاء الكونجرس له وقوفا أبرز دفعة تلقاها فى حملته الانتخابية، خاصة بعد أن لقنهم درسا فى كيفية استخدام ورقة إيران والخوف من تهديداتها النووية، وهو أحد أبرز الملفات الانتخابية الإسرائيلية هذه المرة بطبيعة الحال. أحد المحللين السياسيين الإسرائيليين فى واشنطن علق على مدى تأثير خطاب نيتانياهو أمام الكونجرس والجدل الذى ثار حول انتخابات الكنيست بقوله إنه "من الغريب رصد مدى التشابك فى الحياة السياسية بين البلدين"، وفى ذلك تأكيد على أن الخطاب أمام الكونجرس كان موجها إلى الداخل الإسرائيلى وهدفه تقوية صورة نيتانياهو أمام ناخبيه. أما من الناحية الأمريكية، فوضح أن نيتانياهو - على النقيض من أسلافه - لم يحاول الحفاظ على علاقات طيبة ووثيقة بالبيت الأبيض والحزبين الجمهورى والديمقراطى بشكل عام، ولكنه كان حريصا على إعلان دعمه وتفضيله للمعسكر الجمهورى حتى ولو كان على حساب البيت الأبيض الذى يخضع بدوره لسيطرة الديمقراطين، وهم المؤيدون التقليديون لإسرائيليون. ووفقا لرصد صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، فإن هذه ليست المرة الأولى التى يصر فيها نتانياهو على إغضاب الديمقراطيين. فقد سبق أن أعلن فى 2012 دعمه الكامل لميت رومنى المرشح الجمهورى للرئاسة آنذاك، كما ظهر واضحا حرصه على أن يحقق هدفه الأهم فى إلقاء خطابه أمام الكونجرس مهما كانت خلافاته مع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أو مع البيت الأبيض، ولهذا، لم يتردد فى قبول دعوة جون بوينر رئيس مجلس النواب "الجمهوري" متجاهلا البيت الأبيض وأوباما، وغير مبال برفض أوباما لقائه خلال زيارته للولايات المتحدة، وفى هذا تأكيد أيضا على أهمية خطاب نيتانياهو فى حملته الانتخابية للداخل الإسرائيلي، أكثر من حرصه على الاحتفاظ بعلاقاته مع القادة الأمريكيين، فضلا عما هو واضح من أن "بيبي" يراهن على أن أوباما لن يكون له تأثير يذكر على السياسة الأمريكية فى العام الأخير من رئاسته، وأن المستقبل الآن للجمهوريين، فينبغى من الآن مغازلتهم وكسب رضاهم، وهى رسالة يدركها الناخب الإسرائيلى جيدا بكل تأكيد. ولا يمكن تجاهل حجم المعارك والإحراج المتبادل بين نيتانياهو وأوباما منذ صعود الأخير للسلطة عام 2008، وحتى هذه اللحظة. فقد بدأت هذه المعارك بانتهاك رئيس الوزراء الإسرائيلى لاتفاق وقف بناء المستوطنات الذى دعمه الرئيس الأمريكى فى 2009 ، فى إطار الدفع بعملية السلام فى الشرق الأوسط، وما تلاه من تسريبات لانتقادات الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى لنيتانياهو خلال لقائه مع أوباما على هامش قمة مجموعة العشرين فى باريس فى 2011، حيث وصفه ساركوزى ب"الكاذب"، فى حين أكد أوباما أنه "مجبر على التعامل معه". كما أن حملة نيتانياهو المعارضة لأى اتفاق محتمل بين الغرب وإيران بدعم أمريكى تعد جزءا أساسيا من معركته الانتخابية ضد منافسه الشرس إسحاق هرتزوج زعيم حزب العمال الإسرائيلي، والذى أعلن من قبل دعمه الكامل للاتفاق النووى الذى يسعى أوباما جاهدا لإبرامه مع إيران، فى إطار مسعى لترويض عدوه الأول وعدو إسرائيل فى الشرق الأوسط. وفى الوقت الذى تؤكد فيه استطلاعات الرأى الإسرائيلية سيطرة هرتزوج على الأصوات اليسارية، الأضعف انتخابيا فى معظم الأحيان، فإن نيتانياهو يسعى حاليا لاستقطاب المعسكر اليمينى المحافظ، أو المتطرف، وهو ما يتناسب مع دعمه وتقربه من المعسكر الجمهورى فى واشنطن على حساب الديمقراطيين، ولهذا فإن لغة التخويف من إيران تناسب هذا التيار كثيرا. إذن، فالتأثير الأمريكى على مجريات الساحة السياسية الإسرائيلية واضح قبل الانتخابات، فأمريكا أوصلت للإسرائيليين رسالة واضحة، وهى أنها منقسمة تجاه المرشحين، فالجمهوريون يفضلون نتانياهو هذه المرة، والديمقراطيون لا يحبذونه، ولكن الفكرة هنا أن الإسرائيليين أنفسهم يراهنون على الجمهوريين بكل ثقلهم، سواء بسبب سيطرتهم الحالية على الكونجرس، أو فى ضوء احتمالات وصولهم إلى البيت الأبيض بعد أوباما. ووفقا للتقارير التى أوردتها شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية، فإن الانتخابات الإسرائيلية تحولت إلى شأن أمريكى بحت هذه المرة أكثر من أى انتخابات ماضية، حيث بدأ خبراء الحملات الانتخابية للجمهوريين والديمقراطيين فى تقديم استشاراتهم للاعبين الأساسيين فى تل أبيب، وتدفقت الأموال من الحزبين الرئيسيين فى واشنطن على الحملات الانتخابية الإسرائيلية. ومع كل هذا، وبغض النظر عن الصورة الخارجية للمشهد الإسرائيلى – الأمريكى وما يحمله من صراعات وخلافات وانقسامات، فإن الأمر فى النهاية لا يؤثر كثيرا على عمق العلاقات والترابط بين واشنطن وتل أبيب، وبخاصة فى ظل أهدفهما المشتركة فى منطقة الشرق الأوسط، ولهذا، يبدو الأمر وكأنه مجرد خلاف داخل أسرة واحدة. وفى كل الأحوال، ستتعامل أمريكا مع من يتم انتخابه فى إسرائيل، فإذا فاز نيتانياهو، وجد تعاونا من الكونجرس، وإذا خسر، وجد غريمه بيتا أبيض مطيعا، وفى كل الأحوال، إسرائيل فائزة، وأمريكا ملتزمة بما تقوله إسرائيل.