شهدت الحياة السياسية الإسرائيلية العديد من المتغيرات منذ قرار رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ومن ثم حل الكنيست الإسرائيلى نفسه فى الثامن من ديسمبر الماضي، مما انعكس بدوره على شكل الخريطة الحزبية المتوقعة للكنيست ال20، والتى من أبرز ملامحها ما يلى : - انحسار المنافسة على مقاعد الكنيست المقبل ما بين 11 قائمة حزبية تقريبا من أصل 26 قائمة تقدمت إلى لجنة الانتخابات المركزية مع نهاية الموعد المحدد فى 31 يناير الماضي، من أجل كسب أصوات 5 ملايين و881 ألفا و696 صوتا لهم حق الاقتراع . هذا الوضع يشابه إلى حد كبير شكل المنافسة فى انتخابات 22 يناير 2013 ، التى شهدت نجاح 12 قائمة فقط من إجمالى 32 قائمة فى الحصول على مقاعد الكنيست ال120، بعد تجاوزها نسبة 2٪ المقررة من عدد الناخبين، وهى النسبة الدنيا التى تم رفعها إلى 3،25٪ فى الانتخابات هذه المرة. - استمرار تصدر قوى اليمين "مجتمعة" للمشهد السياسي، رغم ما تشير إليه استطلاعات الرأى من تراجع عدد مقاعدها المتوقع "منفردة"، بل وما يزيد من فرصها على ضمان الأغلبية فى الكنيست المقبل هو دخولها مدعومة هذه المرة بالوافدين الجديدين إلى الحياة السياسية الإسرائيلية، وهما حزبا "معا" برئاسة إيلى إيشاى زعيم حزب "شاس" السابق، و"كلنا" بزعامة موشيه كحلون العضو البارز فى حزب الليكود ووزير الاتصالات الأسبق فى عام 2009. وبحسب استطلاعات الرأى الأخيرة، فإنه من المتوقع أن يحصد حزب الليكود بزعامة نيتانياهو 22مقعدا فى الكنيست المقبل، فى حين سيحصل حزب "البيت اليهودي" على 12مقعدا، وحزب "إسرائيل بيتنا" على 7 مقاعد، كذلك حزب "يهوديت هتوراه"، وحركة "شاس" 6 مقاعد، فيما سيحصل حزب "كلنا" على 8 مقاعد، و"معا" على 4 مقاعد، متجاوزا نسبة الحسم بنسبة بسيطة جدا، وهو ما يعنى زيادة حصة قوى اليمين فى الكنيست المقبل إلى 66 مقعدا، أى بزيادة خمسة مقاعد عن انتخابات الكنيست الماضية "الكنيست ال19"، والتى نجح خلالها المعسكر اليمينى بجناحيه القومى والدينى فى حصد 61 مقعدا جاء توزيعها كالتالى : تحالف ليكود بيتنا 31 مقعدا، البيت اليهودى 12مقعدا، شاس 11مقعدا، يهوديت هاتوراه 7 مقاعد. - تضاؤل فرص نيتانياهو فى تشكيل الحكومة المقبلة رغم تفوق قوى اليمين، لاسيما مع ظهور الليكود وحيدا فى المشهد الانتخابى الحالي، فى ظل فشل إمكانية إجراء أى تحالفات، وهو ربما ما سهم فى تراجع الليكود إلى المرتبة الثانية فى استطلاعات الرأى الأخيرة، فى سابقة هى الأولى منذ انشقاق آرييل شارون عن الحزب فى نوفمبر 2005 وتشكيله حزب كاديما. - وفى ظل الخلافات التى شهدها الائتلاف الحكومى بقيادة نيتانياهو، تبدو الإشكالية الرئيسية أمامه هذه المرة متمثلة فى محدودية خيارات تشكيل تحالفات جديدة سواء داخل معسكر اليمين أو خارجه، خاصة بعد رفض كل من ليبرمان وكحلون اللذين ينسقان مواقفهما، الدخول فى ائتلاف حكومى معه، أضف إلى ذلك خسارة نيتانياهو تحالفه مع نفتالى بينيت رئيس حزب البيت اليهودى فى الحكومة الماضية، بل وتضاؤل فرص تكرار مثل هذا التحالف بعد الانتقادات اللاذعة التى وجهها بينيت لنيتانياهو بسبب الحرب الأخيرة على غزة، أيضا الخلاف مع تسيبى ليفنى ويائير لابيد ممثلى تيار الوسط. ويأتى اتفاق نيتانياهو مع قادة حزبى شاس ويهوديت هاتوراه على أن يدعماه من حيث المبدأ فى تشكيل الحكومة المقبلة عديم الجدوي، لا سيما أن مجموع المقاعد التى قد تحصل عليها الأحزاب الثلاثة مجتمعة لن تتعدى 32 إلى 35 مقعدا، إلا أنه ورغم ذلك تبقى حظوظ نيتانياهو قائمة، ليس فقط انتظارا لما يمكن أن تفرضه النتائج من متغيرات على مواقف أى من أحزاب اليمين أو غيرها، بل أيضا امتلاك "بيبي" الكاريزما - نسبيا - أمام منافسيه الآخرين، خاصة بعدما أظهرت استطلاعات للرأى ارتفاع شعبيته بعد كلمته فى الكونجرس الأمريكى. - ظهور تيار اليسار بثوب جديد ممثلا فى حزب العمل بقيادة إسحاق هيرتزوج، الذى أعلن عن تحالفه مع حزب الحركة بزعامة تسيبى ليفنى تحت مسمى "المعسكر الصهيوني"، طمعا فى العودة إلى السلطة من جديد بعد غياب أكثر من 14 عاما. وبحسب استطلاعات الرأى الأخيرة فإنه من المتوقع أن يحصد المعسكر الصهيونى ما بين 22 إلى 24مقعدا، إلى جانب حفاظ "ميريتس" على مقاعده الستة فى الكنيست المنحل، مقابل زيادة مقعد واحد فقط لقائمة الأحزاب العربية الموحدة، وحصولها على 12مقعدا بدلا من 11. إلا أنه ورغم ذلك فإن المعسكر ما زال يبدو بعيدا عن تشكيل الحكومة المقبلة خلافا للتوقعات، لا سيما فى ظل حاجته إلى الدخول فى تحالفات جديدة ما بعد الانتخابات من أجل ضمان الأغلبية، وهنا تبدو الإشكالية فى ظل عدم توقع مشاركة ميريتس فى أى حكومة مقبلة تحت رئاسة هيرتزوج. خلاصة القول، إن الخريطة السياسية الإسرائيلية لانتخابات الكنيست تبدو قابلة للتغيير وفقا لنتائج الانتخابات، خاصة فى ظل دخول لاعبين جدد إلى الساحة وضعف التحالفات داخل التيارات الواحدة، كذلك التقارب الواضح فى الفرص ما بين القوائم المختلفة المتنافسة، وهو ما يعنى إمكانية حدوث العديد من التحولات فى توجهات الناخبين وقت التصويت، أيضا فى مواقف الأحزاب، مع الشروع فى تشكيل الائتلاف الحكومى الجديد، مما يفتح باب الاحتمالات أمام أى جديد.