لا يجب ان تختزل العلاقات بين مصر وأمريكا في قضية التمويل الأجنبي, لأنها أكبر واعمق من أن تختزل في مسألة منظمات تعمل خارج القانون, وعلينا أن نتخطي المرحلة الحالية العارضة وأن نتعلم مما حدث لنبني علاقات علي أسس صحية فيها التوافق والاختلاف دون أن تهدد العلاقات في أصولها أو جذورها.. هذه الكلمات القليلة لم تكن عفوية أو ارتجالية, بل خرجت علي لسان وزير الخارجية محمد عمرو في لقاء بالجامعة الأمريكية ضم سفراء أجانب ونخبة من الأكاديميين والساسة والدبلوماسيين المصريين, الأمر الذي يعني ان كل كلمة تقال بحساب لان التراجع عنها أو نفيها صعب في ظل التواجد الدبلوماسي في اللقاء الذي اداره السفير نبيل فهمي عميد كلية الشئون الدولية والسياسة في الجامعة الأمريكية الأسبوع الماضي. وعندما يتحدث الدبلوماسي فلا مجال للتأويل او البحث في معني مزدوج, لان الكلمة هنا لا تعني سوي معناها. وقد نخرج باعتقاد بعد مناقشة الأمر برمته من خلال حوار وزير الخارجية, بان العلاقات المصرية الأمريكية لا تختلف عن بقية العلاقات بين اي دولتين, ولكن للأسف الأمر الذي قد يعيبها هو مسألة المعونات. وهنا يؤكد محمد عمرو علي نقاط عدة حتي تستقيم هذه العلاقات حتي لاتخضع لموازين القوة الاقتصادية او إبداء القوة بكافة أشكالها, وتتلخص النقاط في الآتي حسبما أجملها وزير الخارجية: مصر ترفض الضغوط الأمريكية رغم انه أحيانا لايمكن تحكيم العقل في مشكلة مثل التمويل الأجنبي, ومن حق المصريين التعبير بعواطف في غضبهم واستيائهم من السماح بخروج الأمريكيين. ضرورة وضع خطة منهجية لوضع نهاية لمرحلة المعونات الأمريكية لمصر المعونات يجب أن تكون مرحلية وليست أبدية واليوم الذي تقوم فيه العلاقات علي غير المعونات سوف تكون صحيحة وسليمة, لان المعونات تشوه العلاقات بين مصر وأمريكا. العلاقات المصرية الأمريكية إستراتيجية علي مدي طويل, وأنها كانت قائمة في اطار معاهدة كامب ديفيد والتزام مصر بالسلام مع إسرائيل, ولكن يجب العلم بان الزمن تخطي هذه المرحلة, ويجب أن تقوم العلاقات علي اسس جديدة تنطلق من معطيات ثورة25 يناير.. فمصر تتجه لإقامة نظام ديمقراطي سوف يكون نموذجا ومثالا لدول المنطقة. لابد أن تكون النظرة الأمريكية لمصر, أن من مصلحتها كدولة عظمي أن تكون لها علاقات سليمة قوية مع دولة كبيرة في المنطقة. حديث وزير الخارجية الذي حدد خلاله سبل إقامة علاقات سوية بين طرفين حتي وإن كانا ليس بنفس القوة, اعترف بضعف مصر خلال الفترة الماضية فقدت مصر دورها القيادي ولم تكن رائدة في فترة الثمانينات عندما ظهرت مسميات جديدة مثل الاستقرار والاعتدال, و كان في معناهما الحقيقي الركود. ولكن الوزير لم ينس وهو يتحدث عن الضعف, الإشارة الي فترات القوة التي يأمل ان تعود قريبا مصر كانت دائما ولادة للأفكار وتدفع المنطقة للأمام ولم تكن مصر أبدا دولة تابعة.. وحتي بعد انكسار67, فقد قامت مصر من الرماد ووصلت لأكتوبر73.. والمهم بعد كل هذا الطرح, هو بوصلة مصر الجديدة التي ستتجه أسهمها الي بقاع المعمورة جنوبا وشرقا وغربا, بعدما توقفت اسهم تلك البوصلة في الفترة الماضية علي النظر شمالا أوروبيا وأمريكيا حسب قول وزير الخارجية. من المؤكد ان العلاقات بين مصر وأمريكا تمر بحالة من الجفاء, ويري البعض ان واشنطن نجحت في لعبة عض الأصابع, مما استدعي السفير نبيل فهمي وفي لقاء سابق له في دار الأوبرا وهو يتحدث عن مستقبل العلاقات ان يشير الي نقطة غاية في الأهمية. و تتلخص في ضرورة ان تكون لمصر أدوات ضغط علي الحكومة الأمريكية حتي تحافظ علي مصالحها من خلال الريادة الفكرية والثقافية التي تتمتع بها مصر في المنطقة العربية. فهمي وإن كان لم يحدد تلك الأدوات, إلا انه أشار ضمنا الي ان من مصلحة الولاياتالمتحدة توثيق العلاقة مع مصر لعدة أسباب.. لماذا؟.. قد يكون أهم سبب الحفاظ علي اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل وضمان عدم وجود دول معادية لأمريكا في الشرق الأوسط.