العدالة الاجتماعية ليست مقصورة على عدالة توزيع الدخل وتكافؤ إتاحة فرص العمل طبقا للكفاءة وإتقان العمل فقط ولكنها تنسحب إلى مجال أرحب يتمثل فى تكافؤ الفرص للحصول على ضرورات الحياة من مسكن وغذاء وتعليم وعلاج بجودة تليق بالإنسان.. تعالوا نركز على التعليم والعلاج فى مصر باعتبارهما من أهم مقومات العدالة الاجتماعية. أولا التعليم: فى مصر تتعدد أنماط ورؤى التعليم من حكومى وتجريبى وخاص إلى دولي، وهو ما أدى وفقا لعلماء التربية والاجتماع إلى حدوث انقسام مجتمعى حاد فى الهوية الوطنية، مما انعكس سلبا على الشعور بالانتماء لمصر. وبالرغم من أن الدستور ينص على مجانية التعليم وجودته وفقا للمعاييرالدولية، فإنه فى الواقع هناك تعليم مواز من خلال الدروس الخصوصية التى تستنزف مليارات الجنيهات سنويا من ميزانية الأسر، وذلك بسبب تدنى مستوى التعليم المجاني، والأدهى ما كشفت عنه الدراسة التى أعدها أخيرا (مجلس السكان الدولي) حول قضية مجانية التعليم ومدى تطبيقها على أرض الواقع من منظور العدالة أى الالتحاق بالجامعات بين طبقات المجتمع إذ بينت مايلى: { على مدار الأعوام العشرين الماضية كان التعليم الجامعى مصفاة أو فلترا اجتماعيا لايحوى سوى أبناء الأغنياء والطبقات العليا من الشرائح المتوسطة، فالأغنياء (لاتتعدى نسبتهم 20% من المجتمع) تصل نسبة التحاق أبنائهم بالجامعات الحكومية إلى 80% من عدد الطلاب، أى أن فرصة الأغنياء للالتحاق بالجامعات الحكومية تساوى سبعة أضعاف فرصة الفقراء. { هناك نسبة كبيرة من الطلاب لايستطيعون الالتحاق بما تسمى بكليات القمة (الطب والصيدلة والهندسة) برغم حصولهم على المجاميع المؤهلة للالتحاق بها مع أن المصروفات الرسمية لهذه الكليات لاتتعدى مائتى جنيه سنويا، لكن المصروفات الإضافية وما ينفق على الدروس الخصوصية والمستلزمات والمعامل تشكل حجر عثرة وحاجزا يحول بين هؤلاء الطلاب والالتحاق بهذه الكليات. { إن خريجى الجامعات الحكومية الآن ينضمون لطابور المتعطلين، بينما يستأثر أبناء القادرين الذين تلقوا تعليمهم بالجامعات الخاصة على الوظائف المرموقة بمرتباتها العالية، وهم أقل كفاءة من نظرائهم غير القادرين الذين التحقوا بالجامعات الحكومية ولاشك أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب إتاحة التعليم الجيد لكل الأكفاء بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية وليس هناك تعليم جيد وتعليم غير جيد لأن التعليم كله يجب أن يكون جيدا. ثمة آراء تنادى بترشيد مجانية التعليم بحيث تكون مقصورة على التعليم الإلزامى ثم يدفع الطالب نفقات تعليمه فى مرحلة التعليم الجامعى والدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) مع إعطاء منح مجانية للدراسة للطلاب المتميزين علميا وغير القادرين ماليا ويستند أصحاب هذه الآراء إلى المفارقة الصارخة التى تتمثل فى دفع آلاف الجنيهات (وأحيانا الدولارات) فى مراحل التعليم الأولى بما فيها رياض الأطفال بالمدارس الخاصة أو الدولية ثم يدفع نفس هؤلاء الطلاب بضعة جنيهات عند التحاقهم بالجامعات الحكومية. بيد أن هناك من علماء التربية من يعارضون فكرة ترشيد مجانية التعليم، ويؤكدون عدم وجود علاقة بين مجانية التعليم وتدنى مستواه وأن جوهر الأزمة يكمن فى المعلم نفسه الذى لم يعد على المستوى المطلوب فنيا. ثانيا العلاج: { لايختلف اثنان على أنه لايوجد علاج جيد بالمجان فى مصر.. انظر إلى المستشفيات الحكومية وتلك التى يطلق عليها استثمارية للتأكد من أن الفارق شاسع بين هذه وتلك من منظور الجودة. أما عن العيادات الخاصة لكبار الأطباء فحدث ولاحرج فقد أصبح من الشائع دفع مئات الجنيهات (تصل إلى خمسمائة جنيه) قيمة الكشف لدى بعض الأطباء الذين حولوا الطب من مهنة إنسانية إلى بيزنس وبامتياز يدر عليهم الملايين، وللإقبال على عياداتهم نظرا لتدنى مستوى العلاج فى المستشفيات الحكومية فإن هؤلاء الأطباء يستمرون فى مناظرة المرضى حتى الساعات الأولى من الصباح، وغالبا فإن المريض لايحظى من الطبيب إلا بدقائق معدودة وكلمات محدودة. الأنكى أن هؤلاء الاطباء يرفضون رفضا قاطعا إعطاء المرضى فواتير بقيمة إجراء العمليات الجراحية فى المستشفيات الاستثمارية التى يعملون بها، والتى تقدر بآلاف الجنيهات لكل عملية وذلك للتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم. { أما فى معظم دول العالم يكون العلاج متاحا للجميع وبنفس المستوى من الجودة وبالمجان من خلال نظام تأمين صحى شامل. وكم نحن فى مصر فى حاجة إلى مثل هذا النظام لكى يشعر المرء بإنسانيته، فلا يبيع البعض أثاث منزله بل إحدى كليتيه لكى يدفع أتعاب طبيب يجرى عملية جراحية لأحد أبنائه أو أقربائه. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الاسكندرية دليل التفوق!
قرأت رسالة بعنوان »الكليات الكلاسيكية« للدكتور بهاء حسب الله تناول فيها التحاق طلاب المرحلة الثالثة لتنسيق القبول بالكليات الجامعية بمجاميع تزيد قليلا على 50% من المجموع الكلى فى الثانوية العامة وتعليقا عليا أتساءل: هل نأخذ نتيجة إمتحان الثانوية العامة مقياسا لمستوى الطالب العلمى ثم نبنى أساسه كيفية القبول فى الجامعات سواء بالمجموع أو باختيار القدرات ومعهد فإذا إتفقنا على أن درجات شهادة الثانوية العامة ليست مقياسا لمستوى الطالب العلمى عندئذ يجب أن نعالج طريقة قياس المستوى العلمى للطلاب الذى على أساسه يتم تصنيفهم إلى متفوقين ومتوسطى المستوى قبل أن نبحث فى اصلاح التعليم الجامعى وأتساءل أيضا: هل لفظ متوسطى وضعاف المستوى مقياسا فى التحصيل العلمى وتدنى مجموع الدرجات فيه إساءة للطالب أم أنها قد تكون إشارة ودليلا على أن هذا الإنسان نابغة ومبدع فى العمل الفنى أو اليدوى أو فى الأعمال الحرة. وأرى عدم تكرار خطأ الأخذ بنتيجة الثانوية العامة الحالية مقياسا لمستوى الطالب العلمى الذى يؤهله لدخول كليات جامعية بعينها دون الأخري. حسن شميس مهندس بالمعاش