منذ أن انتخب رئيس جمهورية فرنسا الأسبق جيسكار ديستان يوم11 ديسمبر2003 ليشغل المقعد السادس عشر بالأكاديمية الفرنسية, قرر أن يخطط لمستقبله الأدبي, وكان الأدب حلما يراوده منذ زمن بعيد. فقبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام1974 أعلن أن طموحه الحقيقي هو أن يصبح أديبا علي غرار الكاتبين الفرنسيين موباسان وفلوبير, وعندما تخلص رئيس فرنسا الأسبق من هموم الحكم نشر عام2009 كتابا بعنوان الأميرة والرئيس أثار ضجة إعلامية كبيرة, حيث تصور القراء أن تلك الرواية تحكي عن علاقة بين ديستان وأميرة القلوب ديانا, إلي أن قام ديستان بتكذيب هذا الإيحاء, حتي لا يعكر العلاقات بين فرنسا وبريطانيا, وكان جيسكار ديستان مؤمنا بأن السلطة لا تدوم, وبأنه مازال يسكن قلوب الفرنسيين, فأقدم علي كتابة عمل آخر بعنوان النصر الكبير وتناول في تلك الرواية تجربة جيش نابليون خلال غزو روسيا وأطلق خياله لفكرة أن السلام يولد من الحرب. واليوم يتهافت الفرنسيون علي قراءة روايته الجديدة ماتيلدا التي يهديها للقارة الإفريقية, تلك التي يقول عنها إنها القارة الأم بالنسبة للفرنسيين, ولاشك أن رئيس فرنسا الأسبق جيسكار ديستان, الذي انتخب ليحتل بالأكاديمية الفرنسية العريقة مقعد ليوبولد سنجور- رئيس جمهورية السنغال الأسبق والشاعر المرموق الذي كان موضوع شعره الهوية الزنجية- أراد أن يوصل للجمهور الفرنسي والإفريقي أنه يستحق الجلوس علي مقعد سنجور, وأنه يفخر بذلك, فأصبح بدوره حريصا علي الكتابة عن الهوية الزنجية, وعن إفريقيا, مستوحيا ما قاله سنجور في أغاني الظل: إننا رجال يعرفون الرقص.. وأقدامنا تتعافي وتزداد قوة عندما نخبطها علي الأرض الصلبة. ولقد نجح الرئيس الأسبق- الذي يؤمن بأنه لابد من مغادرة السلطة في الوقت المناسب- في دمج الأدب الفرنسي بالأدب الإفريقي حتي إذا كانت روايته ماتيلدا تتخذ ناميبيا الألمانية ثم ناميبيا الجنوب إفريقية في منتصف القرن العشرين مسرحا لأحداثها. وتتميز هذه الرواية بالكلاسيكية وبوصف خاص للقارة الإفريقية وللتواؤم بين المرأة البيضاء والرجل الأسود. في نفس التوقيت في باريس كتاب حوارات مع نفسي لنيلسون مانديللا بالفرنسية, الذي يضم خطابات وتعليقات وملاحظات حول حياة مانديللا في سجن روبين آيلاند, حيث كان السجناء يحاولون التخفيف عن أنفسهم خلال ممارسة الأعمال الشاقة بالغناء. كما يشرح مانديللا في كتابه كيف كان يقاوم الجوع الذي كان يشعر به في أول يوم ثم بدأ يتعود عليه في اليوم الثاني, مشيرا إلي أن جسم الإنسان يتمتع بقدرة عظيمة علي التكيف. ويبوح الزعيم الإفريقي بأن حراسه كانوا يتمتعون بالطيبة, وأن بعضهم ظلوا أصدقاء له منذ ذلك الحين, وتكشف السيرة الذاتية لمانديللا كيف انه كان يريد دائما أن يري الجانب الطيب للإنسان. وعندما تم القبض علي زوجته كتب مانديللا لبناته.. سوف تعشن بدون بيت حقيقي مثل الأيتام, بدون والدين وبدون الحب الطبيعي والعاطفة, وسوف تحرمن من أعياد الميلاد وحفلات الكريسماس. ويصف مانديللا في مذكراته روتين السجن, مشيرا إلي أن السجن هو المكان الأفضل لمعرفة النفس, ويسرد ذكرياته عن التفرقة العنصرية, حيث كانت الأقلية البيضاء, وهم15% من السكان, تسيطر علي الأغلبية السوداء, ويشرح الكتاب كيف تحول مانديللا ببطء من اللاعنف إلي النضال المسلح.