طفل اليوم هو رجل الغد... لديه قدرات متنوعة ووجهة النظر الخاصة به, وأدب الطفل هو أحد المفاتيح الهامة التي تجعله قادرا علي اكتشاف العالم من حوله وإدراك معني وقيمة ما لديه من قدرات عبر فن الكلمة والرسم . هكذا بدأت الرسامة والمترجمة الفرنسية ماتيلد شيفر باحثة أدب الأطفال في العالم العربي حديثها بابتسامة مشرقة وحضور طفولي, لندخل معها عالمها الخاص من خلال الحوار حول أدب الطفل العربي الذي عشقته ليصبح جزءا لا يتجزأ من عالمها... ما السر وراء اهتمامك بدراسة اللغة العربية ؟ ومتي كانت البداية؟ أعتقد أن البذور الأساسية لعشق اللغة العربية زرعت بداخلي منذ الطفولة, فقد ولدت في الجزائر وعشت بها أول عامين في حياتي, لأن والدي كان يعمل بعد الاستقلال الجزائري في مشروع التعاون الزراعي بين فرنساوالجزائر, وبحكم عمل والدي كمهندس زراعي كانت العائلة دائمة السفر من مكان لمكان مما ساعدني علي اكتشاف ثقافات وعادات مختلفة. ومن هنا بدأ اهتمامي بالبلاد العربية والرسم والعلوم الاجتماعية. درست المنمنمات القديمة, وبعدها أدركت مدي أهمية تعلم اللغة العربية, فبدأت في دراستها بفرنسا وعمري اثنان وعشرون عاما, وبعد عام واحد و بفضل معلمتي كلود دي بيير أتيحت لي الفرصة لتعلم اللغة بشكل سليم في قسم دراسات اللغة العربية بالقاهرة, وكانت هذه الخطوة بمثابة ولادة ثانية لي. فالحياة اليومية هنا ساعدتني كثيرا ليس فقط في تعلم اللغة العربية بل والعامية أيضا, التي عشقتها من خلال رباعيات صلاح جاهين فقد جعلتني أتذوق عمق المعاني المرسومة بكلمات بسيطة. بعد ذلك تغيرت حياتي تماما في نهاية التسعينيات, فأصبحت كالطائر المهاجر أعيش بين البلاد العربية وفرنسا لأكتشف اللغة عبر الآخر, وادركت وقتها معني كتابات الفلسطينيين ادوارد سعيد ومحمود درويش و الياس سنبر عن الهجرة وكيف يشعر المهاجر في البداية بمدي صعوبتها لكنه في النهاية يدرك أن الهجرة هي باب الحظ الذي سيفتح له العديد من الآفاق المتنوعة. لماذا اتجهت لدراسة أدب الأطفال في العالم العربي؟ لا أدري. اتجهت إليه بشكل تلقائي, ودراستي للتاريخ القديم ساهمت في معرفتي باللغة العربية وبها ألفت بعنوان لوحات وادي النيل لأكشف للغرب كيف يحمل البيت المصري القديم جزءا من ذاكرة صاحبه. وبعد أن أصبح لدي أطفال أدركت مدي أهمية الكتاب للطفل, لذا رسمت وكتبت أول كتاب للأطفال في القاهرة عام2000 بعنوان الكناس وبعدها عدت لفرنسا عام2001 لتأسيس دار نشر الميناء الأصفر للأطفال بالجنوب, والعجيب أن كتاب' الكناس' ترجم للعربية بعد ثلاث سنوات أي أنه ولد في النيل ليرجع إليه مرة آخري. ولاهتمامي الكبير بالطفل وأهمية المادة المقدمة له شجعني أستاذي ريشار جاكمون مترجم روايات صنع الله إبراهيم علي أن يكون موضوع رسالة الدكتوراة التي أحضرها عن كتب الأطفال وانعكاس المجتمع, لأني كنت بقسم الدراسات العربية اتجهت لدراسة أدب الأطفال في العالم العربي. وبالتعمق أكثر وأكثر في هذا المجال وجدت أن لديكم كنوزا لا تقدر بثمن في الأدب الموجه للطفل, وأن من واجبي أن أنقل الصورة الصحيحة عن هذا الأدب للغرب لذا بدأت في إصدار سلسلة من الكتب باللغة العربية والفرنسية في عام2007 بفرنسا من خلال دار النشر. هل الطفل الفرنسي لديه الشغف لمعرفة اللغة والثقافة العربية من خلال القصص؟ لقد أحب الطفل الفرنسي القصص المقدمة له باللغتين كثيرا, بالرغم من أنه لا يعرف اللغة العربية إلا أن القصص المرسومة والملونة فتحت له باب المعرفة علي مصراعيه. فالطفل بطبيعته يحب أن يكتشف كل ما هو جديد. المهم إيجاد الطريقة المثالية لجذب انتباهه. في فرنسا المشكلة ليست في الطفل ولكن في عقلية الكبار, فإلي الآن لم تدخل اللغة العربية بعد ضمن المناهج الدراسية في المدارس الفرنسية بعكس اللغة الصينية التي بات يتقنها الأطفال, واعتقد أن هذا الموضوع يتعلق بالسياسة والاقتصاد. هناك الكثيرون من الفرنسيين والعرب المقيمين بفرنسا ليس لديهم ادني فكرة عن الثقافة العربية, خاصة أدب الطفل والشعر, وهذا يعد جهلا ثقافيا أكثر من أنه جهل باللغة مما دفعني إلي التمكن من اللغة العربية وتعلم الشعر والأدب في مصر وسوريا لترجمة كتب الأطفال العربية للفرنسية حتي أنقل للطفل الفرنسي والعربي المقيم بفرنسا جمال اللغة ورقي الثقافة. ولأني أدرك جيدا أن الإحساس هو أقصر طريق للوصول لقلب وعقل الطفل فقد قدمت للطفل الفرنسي أيضا الكثير من الكتب بأسلوب شعري خفيف مثل كتاب رسالة حب, وكتاب ألف باتا الذي أقدم فيه للطفل الحروف العربية بأسلوب غير تقليدي ممتع, فكل حرف بداية لشعر أو قصة قصيرة باللغتين العربية والفرنسية. ولأني مغرمة برباعيات صلاح جاهين فقد اخترت في هذا الكتاب ثلاث رباعيات لثلاث حروف. ولان الرباعيات بالنسبة لي ليست فقط الوسيلة التي تعلمت من خلالها اللغة العربية بل العين التي تعرفت من خلالها علي الوضع الاجتماعي و السياسي في مصر والعالم العربي. سأسعي بكل قوة المرحلة القادمة لتقديم كتاب باللغة الفرنسية والعربية يضم مجموعة كبيرة من رباعيات صلاح جاهين, حتي يلمس معي القارئ الأوروبي كيف يعيش الإنسان العربي ويعشق الشعر مثل ما عشق أدب الرواية. ما هي الصعوبات التي قابلتك في الترجمة للطفل الفرنسي؟ الصعوبات ليست في اللغة ولكن في إيجاد الطريقة السهلة والبسيطة لنقل عادات وثقافات مختلفة من الشرق للغرب. أنا أعمل دائما علي الاهتمام بمستوي اللغة و انتقاء الكلمات السهلة والخفيفة, فعلي سبيل المثال هناك صعوبة كبيرة في ترجمة الشعر, لأن المواطن الفرنسي لا يهتم بالشعر العربي بقدر أدب الرواية. وبجانب الكلمة أهتم أيضا في ترجمة القصة برسومات جذابة, لأنها تساعد الطفل علي فهم المعاني الصعبة وتنمي خياله الخصب, وهذا ما تعلمته علي يد أمي والفنان المبدع محيي الدين اللباد الذي كان يتمتع بثقافة بصرية رائعة. في اعتقادك ما هي المعايير اللازمة التي يجب أن نهتم بها في أدب الطفل الفترة القادمة في ظل القيم الديمقراطية التي تنادي بها الثورات الشعبية العربية اليوم؟ لأني متابعة جيدة لأدب الطفل العربي أستطيع أن أقول وبكل ثقة أن ثورة الكتابة للطفل العربي قامت قبل الثورة الحالية بعشر سنوات وستظل مستمرة, في السبعينات كانت كتب الأطفال تعليمية مباشرة, فكان الطفل عبارة عن قطعة صغيرة من الإسفنج تمتص كل ما يقدمه له الكبار دون أي مراعاة لتكوين الشخصية أو تنمية المهارات, لكن خلال السنوات العشر الماضية أصبح الطفل فردا أساسيا في المجتمع.وأعتقد أن هذه الطفرة هي أحد أسباب قيام الثورات الشبابية الحالية, علي سبيل المثال قصة النقطة السوداء للكاتب والرسام الموهوب وليد طاهر عام2010 أي قبل الثورة بعام, تحكي عن مجموعة من الأطفال اعتادوا اللعب في أرضهم الواسعة, ولكن ذات يوم ظهرت نقطة سوداء ضخمة غيرت كل شيء, وبعد العديد من المحاولات للتخلص من هذه النقطة استسلموا وقرروا التعايش معها.. إلا مروان الذي كافح حتي قضي عليها. ولا نغفل أيضا شخصية فرحانة التي ابتكرتها الفنانة رانيا حسين أمين لتسأل المجتمع أسئلة فلسفية وسياسية واجتماعية من خلالها. وفي سوريا هناك العديد من القصص التي تساعد الطفل علي اختيار طريقه بشكل واع وحر بعيدا عن المشاكل الطائفية, هناك الكثير من قصص الأطفال التي ساهمت في نمو ثقافة الحرية داخل الطفل العربي.