عاصر العالم ثورتين اجتماعيتين عندما تغيرت نظم اقتصادية, الأولي منذ نحو عشرة آلاف سنة حينما اكتشف الزراعة واستئناس حيوانات مختارة بدلا من حياة الصيد والقنص وجمع النبات والثمار, والثانية منذ نحو300 سنة المعروفة باسم الانقلاب الصناعي. وفي الثورة الأولي أصبح للأرض قيمة تورث وتباع وترهن لأنها تنتج غذاء مأمونا ونشأ عن ذلك عنصران مهمان في الحياة هما أولا زيادة عدد الناس بتناقص وفيات الجوع مع استقرار في أراضي الانتاج ومعها نشأ نظام الدولة بديل العشيرة و نظام الجيش للحماية والتوسع علي حساب الغير. والثاني ظهور الملكية الفردية والفروق الاجتماعية بين الملاك والأجراء والفقراء. عاش الانسان علي هذا المحتوي آلاف السنين مع متغيرات تركيبية في المكان والزمان أظهر سماتها كانت ممالك حضارة الكتابة ولبعضها تاريخ رائع كالفرعونية والسومرية والفارسية والاغريقية والرومانية والاسلامية. أدت تلك الأحوال الي تراكم ثروة الدول الاستعمارية ثم أدت مع اكتشاف طاقة البخار في تشغيل آلات الانتاج الي الثورة الصناعية ومعها ظاهرة تكدس الناس في المدن ونشأة أنظمة رأسمالية عمت العالم في شكل امبراطوريات استعمارية شكلت بالأمر توزيع أنواع المنتجات لحساب الدول الكبري مثلا أصبحت مصر والهند منتجة للقطن لحساب مصانع المستعمرين والمطاط في ماليزيا واندونيسيا والبن في البرازيل وغرب افريقيا والأفيون في الصين وافغانستان الخ. أفرز العصر الرأسمالي حروب المنافسة علي الأسلاب في آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية بلغت قمتها في حروب عالمية في القرن العشرين لم تدمر بعضها البعض فقط بل طالت أيضا موارد شعوب المستعمرات التي ليس لها فيها ناقة ولا جمل. وفي المستعمرات نشأت طبقة رأسمالية تابعة للرأسماليات الكبري وتحت حمايتها كنوع من تساند المصالح المشتركة هي غالبا التي تولت الحكم عندما استقلت المستعمرات. وبحكم قوتها الاقتصادية حسمت أمريكا التنافس مع أوروبا وأصبحت الفاعل الأول الغربي خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب وأصبحت القطب العالمي المؤثر علي دول العالم الثالث اقتصاديا وسياسيا معا. لكن وبنفس المعيار نشأت القوة الاقتصادية الأسيوية في الصين والهند والتوجه الجديد الأوروآسيوي الشمالي بقيادة روسيا من كازاخستان مترامية الأطراف والموارد الي بيلاروسيا المتاخمة للاتحاد الأوروبي. فهل نري في مستقبل قريب نشأة عالم بين عدة أقطاب بديلا للقطب الأمريكي الأوحد الذي أنهكت موارده جهوده العسكرية للحفاظ علي مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية علي المستوي العالمي؟؟ هل حين تظهر الأقطاب علي مستوي اقليمي بدل العالمي يحدث تغير معقول في بقية العالم بمعني هل توجد أقطاب صينية في شرق آسيا والمحيط الباسيفيكي وهندية في جنوب آسيا والمحيط الهندي, وأورآسيوية في الشمال وأورو أمريكية علي جانبي الأطلنطي يعني إمكانية وجود قوي أخري في امريكا اللاتينية وأخري في أفريقيا جنوب الصحراء؟ وهل يمكن تكوين قوة واحدة دعامتها الاسلام بصورة ما في الشرق الأوسط الكبير؟ ولم هذا التساؤل الأخير؟ هذا الاقليم الاسلامي يمتد في قلب العالم القديم وتتجاذبه أطراف عديدة داخلية حضارية ولغوية جنبا الي أطراف خارجية من الصين والهند وروسيا وأمريكا. ففي الشرق مؤثرات الحضارة الهندية والفارسية واللغات الهندو أوروبية تمتد في باكستان وطاجيكستان وافغانستان وايران وتتقاسمه الشيعة والسنة, بينما القسم الشمالي من الشرق الأوسط موحد اللغة التركية والمذهب السني من قرغيزستان الي أوزبكستان وتركمانستان وتركيا باستثناء أذربيجان شيعية المذهب. وأخيرا بلاد الجامعة العربية موحدة اللغة والمذهب مع مؤثرات حضارات تراثية مختلفة وتضم أكبر مجموعة مسيحية شرقية. والمدقق أكثر سوف يري كثيرا من التفصيلات اللغوية والمذهبية والتاريخية داخل دول كثيرة في الشرق الأوسط كالأكراد والبالوش والموارنة والدروز والعلويين والبربر الخ. ما الذي نتوقعه بعد كثرة حروب الأنظمة الرأسمالية وزيادة الفروق بين الشعوب وأيضا داخل طبقات المجتمعات. فبعد أن صارت البورصة نشاطا متحكما في أقدار الناس بافلاس أعمال وزيادة البطالة والهوة المادية والثقافية بين أفراد الشعوب أصبحنا نجد نماذج لعودة المشاعر الانسانية. فبدل التفرقة صارت هناك رغبة لتغيير نظام مجتمعي مهيأ لاحتكار أفراد الي نظام أكثر عدالة في التأهيل بين كل الأفراد ليبرز منهم من يستحق وليس بوجاهة طبقية. لهذا تقوم الثورات في البلاد النامية والمتقدمة من أجل مجتمع مشارك في بناء أكثر تعادلا من بناء تعلوه طبقة المليارديرات مع تفعيل حقيقي لضرائب مانعة من تراكم مالي لا معني له. في الماضي كان الشعار حرية واخاء ومساواة واليوم الشعار هو احتلوا ووستريت بمعني تفعيل شعار عمره220 سنة سرقته انظمة المال المتعددة لصالح حفنة ناس من كل شعب صناعيين كانوا أم حكاما يستثمرون عرق مواطنيهم في بلاد التخلف. المزيد من مقالات د. محمد رياض