هل هناك مشكلة غذاء عالمية مستحكمة ومتزايدة؟ نعم لسببين أولهما: زيادة السكان عالميا والثاني تنظيم أشكال الإنتاج العالمي. بواسطة اقطاب القوة العالمية 1 درج الإنسان منذ العصور الحجرية علي التكاثر العالمي للبقاء في مواجهة عشرات الاخطار التي تسبب كثرة وفياته من امراض ونقص الغذاء لافتقار البيئة أو اقتتال مع الجماعات الغازية في أثناء الترحال الدائم إلي بيئة أكثر عطاء, كان متوسط العمر آنذاك بين52 03 سنة, ومن ثم كان التوالد وسيلة البقاء. بعض الجماعات بادت وبعضها عاش تحت سيطرة الاقوي سواء من ذات العشيرة أو عشائر غازية, وعلي الرغم من انخفاض نسبة الوفيات نتيجة لتحسن احوال الأمن وإمكانه الحصول علي غذاء أيا كان وارتفاع معدل العمر إلي06 سنة فإن كثيرا من الشعوب النامية لاتزال تعيش نمط القديم حول كثرة العيال باعتبار أنهم ادوات إنتاج لإعالة الأسرة حيث الفقر المدقع متربع علي نصف سكان العالم لماذا؟ 2 يعود الفقر الحالي بأشكاله في الأساس إلي سوء توزيع ناتج العمل بين العامل والقوي التنطيمية وراء إدارة العمل هي قوي اجتماعية اقتصاديا يمثلها افراد وشركات وهيئات قابضة من داخل الشعوب تملك القوة السياسية, لكنها تستند إلي اطر تنظيمية اقتصادية سياسية عالمية تنظم أشكال الإنتاج ونوعه في كل إقليم علي حدة بحيث يتكامل الإنتاج العالمي للمصلحة العليا لاقطاب القوة الكبري فرادي أو مجتمعة, لهذا يتخصص إنتاج دول في اتجاه معين كالخامات الغذائية أو المعدنية أو موارد الطاقة بل وحتي انواع من الصناعات كلها تصب في الاطار التنظيمي بما يحقق الفائدة الكبري للشعوب المترفة علي حساب ملايين الكادحين الفقراء والعاطلين والجوعي في بقية العالم. 3 لقد عايش المجتمع العالمي هذه التخصيصات الإنتاجية منذ الإمبريالية الرأسمالية الصناعية في أووبا وتقسيم العالم إلي مستعمرات بعضه مثلا ينتج اساسا خامات صناعة النسيج أو المطاط أو كاكاو الشيكولاته أو اللحوم مقابل مصنعات المستعمر المفروضة قسرا عليها, وحين ظهر البترول كمورد للطاقة اسهل في النقل من الفحم تقاسمت الإمبرياليات الإنجليزية والأمريكية السيطرة علي تلك الأراضي واحتكرتها للآن. حقا لم تعد مستعمرات محكومة بجنود أجنبية ولكنها محكومة بانظمة محلية اصبحت جزءا من القوي العالمية لمصلحة بقائهم معا 4 كانت شعوب العالم في الماضي تعيش علي انواع الغذاء التي تنتجه بيئتها ولكن تخصيص الإنتاج في اتجاه معين أدي إلي الاعتماد علي واردات الغذاء من الخارج لهذا تجتهد الشعوب الفقيرة في مزيد من التصدير لتحصيل مزيد من واردات الغذاء الأساسي كالقمح بينما تزيد الشعوب المترفة إغراقا في التمتع بالأغذية الأجنبية, كما ظهرت اقتصاديات نقل الصناعات الملوثة إلي البلاد النامية التي تقبلتها كحل جزئي لتدهور الاقتصاد ولكنها تأخذ الفئات مقابل زيادة اوجاعها وامراضها المستجدة وتأخر إنتاجها الزراعي الغذائي لقلة الاستثمارات الزراعية وتفضيل استثمارات الصفوة كالسياحة وأعمال المال وألعاب البورصة إلخ. 5 تذكرنا هذه الاوضاع بقصة مزرعة الحيوانFarmAnimal للكاتب الإنجليزي جورج أورويل عام5491 التي كانت موجهة اصلا لانتقاد نظام الحكم الشيوعي الذي يرتكز علي اتخاذ القرارات في المكتب السياسي بزعامة ستالين, وفي سياق القصة تأتي قرارات تخصيص العمل علي افراد مجتمع الحيوان من مكتب يرأسه الحنزير الذي يستأثر بأطيب الطعام والشراب, وفي النهاية اندمجت المزرعة مع اصحاب المزارع المجاورة التي يملكها البشر بعد حروب كثيرة بينهما, ونحن اليوم اشبه بتنبؤات أورويل ولكن بدلا من مكتب سياسي واحد تتنازعنا عدة مكاتب سياسية لكنها مؤتلفة تتقاسم كل شيء ويصعب التفرقة بين مصالح كل منها لأنها في النهاية تخدم عرض الاستحواذ بانصبة حسب قوة أوروبا وأمريكا وآسيا الشرقية, هناك تكتيكات محددة تقوم بها فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا, بعضها يغازل شعوب البحر المتوسط أو الهند أو بترول وغاز العرب أو طاقة المكان والموقع الاستراتيجي المصري لكن هذه لاتتعدي التكتيك المحدود داخل الاستراتيجية الكبري للغرب, وحتي ادوار روسيا محسوبة وغالبا تركز علي اجهاض محاولات الغرب عامة في اقامة عوازل صاروخية حولها ومن ثم تنفذ إلي إيران وغيرها لمعادلة الموازين لمصلحتها عند التفاوض مع الغرب. 6 صحيح اصبحنا عالما واحدا يلتقي فيه المفكرون والمثقفون معا, غربيين وشرقيين, علي نسق مشابه فقوة الاقتصاد تربط العالم بشبكة واحدة ذات مفاهيم واحدة مثل: الإدخار والربح والقيمة المضافة والتجارة وتبادل المنفعة ونظريات اقتصاد اصبحت عتيقة, فأين يكمن الحل لتحقيق الذات الوطنية داخل المنظومة العالمية؟ ربما قد يكون مفيدا بعض مايأتي: اقامة نظم ديمقراطية لإيجاد توازن لانماط الحياة بين الطبقات بحيث تقل فروق الدخل والاستهلاك. توجه عقلاني في الدول النامية إلي إنتاج قريب من الكفاية الذاتية المحلية مع بعض التصدير. واقعيا الدول النامية لاتصدر للأغنياء بطاطس أو قطنا أو لحوما فقط, بل هي تقدم مياها وتربة وسواعد العاملين بأجورهم المتدينة مقابل بضعة دولارات لاتغني في التنمية, هذا إذا وجدت طريقها الصحيح للتنمية. إذا اتحد المنتجون التعساء علي إيديولوجية مصلحتهم القومية, فماذا يفعل المستهلكون الأغنياء؟ إنهم يتحسبون لذلك بشراء الأراضي الزراعية في العالم الفقير خاصة إفريقيا لضمان إنتاج استهلاكهم, لكن هل يقف الافارقة دون كفاح؟ صراع البقاء ليس بواسطة قوانين الغرب المتحيزة بل بوقفة شجاعة لثلاثة ارباع سكان العالم من اجل حياة كريمة للإنسان. المزيد من مقالات د. محمد رياض