لا أنت ملتفت بما فيه الكفاية للذي نرجو ونأمل, أو سعيد بالذي يأتيك من زمن بخيل, كم تناطحه, وتعجز في ختام الأمر عن ثقب السماء لكي تشم هواءها الأنقي, وتبصر نجمها الأبقي, وتحلم باقتناص سويعة فوق السحاب. بين اثنتين تسير: واحدة تجاذبك اليمين, فيخفق القلب الولوع تشير للدرب الذي كم كان يعبر صفو بالك, أو يشكل ذلك الحلم الذي اغرقت فيه, وأنت منتظر عبور البحر, بين العابرين, حتي تعود متوجا, بشهادة البدء الذي لابد منه, وأنت تنتظر المآب. وهناك ثانية تشدك للذي يغويك بهرجة, وأضواء, ودربا لينا, يعفيك من عنت الدروس تصير نجما في فضاء ساحر, متأرجح الفتن اللذيذة, والحكايات التي ستضيء ليلك, حين تقتحم البيوت, وحين تستهوي قلوب السامعين, وحين تسرف في حداء القوم, تصحبهم نشاوي في الذهاب وفي الإياب. ها أنت, خطوك يحسم الدرب الذي ألقي بحلمك عند اعتاب الشريفين اللذين سيؤويانك فترة التكوين, عندما سلمت, واستسلمت للعين التي ترنو, وللصوت الذي يندي, فيفترش القلوب, وللدوي يصاحب الأيام, يسكر سمعك المزهو, يملأ وجه دربك بالثناء المستطاب. اغرقت نفسك, في اللذائذ, والتفاهات التي نصحوك ألا تستكين لها, ولو لا نصح من نصحوا, لكان مآلك النسيان, والعقل الخواء, وهاجر الشعر الذي سكن العروق, ولم يزل نسيا, تعربد حوله صبوات طيش العمر, والنزق الذي يغتال أحلام الشباب! اقبض علي الجمر الذي يجتاج كونا أنت فيه يفيض بالاخطاء واختر لنفسك ان تكون بقرب نفسك, تصطفي من بين اطباق الموائد مايلبي حاجة للروح تشبعها بألوان من الفكر العميق وروضة الأدب البديع, مقاربا نقاد عصرك حين تجمعهم وأنت تدير مائدة الحوار, وتصطفي من بينهم من ليس آفاقا ولامتأستذا أو قبة تعلو وما من تحتها شيخ, وألق بزيفهم أرضا, وشق طريقك المقدور, محظوظا بصحبة من عرفت, ومن توثقت بهم العري, زادا لأيام ستأتي, واجتنب من أصبحوا صدأ الحياة كأنما الدنيا بهم سجن, ومن اوقاتهم نكد وواقعهم سراب! سيقال عنك! يقال! من يمضي لغايته سيمضي لايبالي, عيناه للأفق البعيد, وخطوه في الأرض متئد, وزاد القلب يأتي في رحيق الليل يشعل ساعة للشعر, يأتي في زحام اللغو والضوضاء, ينقذه من النثر الذي امتلأ النهار به, ويعيده للجوهر المكنون فيه, اخلع رداء النثر والحشو الركيك به. لتلبس حلة الشعر الذي ينداح فيك, وانت تمسكه فيفلت, ثم تمسكه فينسرب الشعاع, تعود تمسكه فيبقي منه مايبقي يشير إلي الذي قد طار عنك, يظل يغري بالمزيد, متي يعود؟ وانت منتظر تصيح به, قد هئت لك! فيروغ منك وأنت مذبوح علي الأبواب تنتظر الجواب! خمس من السنوات, طارت, انت تمعن في غواية ما انشغلت به, تسجل كل يوم ثم تلتهم الإذاعة ماصنعت, إذن فسجل من جديد! وإذا بداخلك الموزع بين يوميك انبعاث حقيقة كبري تردك للذي قد غاب عنك, فتقسم ان وعيك بعد هذا اليوم حتما لن يغيب, الشعر مرفؤك الوحيد, فكن له, واجعل لغير الشعر مايبقي من الوقت الذي سيضيع طبعا في ملاحقة الوعود, قم وابن مرفأك المنيع, يقد من لغة تهيم بها, وتسبح في مداها, لغة تصيد اوابد الاسرار من عطر يبوح, ومن شميم صبا سري, أو عرس نور فوق اكمام تشقق. وهي تعلن أول الاسرار في الكون الذي امتدت به الابعاد واتسع الزمان, لغة تماثل كوة النور التي انفتحت فزالت كل اسوار الظلام, وزلزل الطاغوت, حين يضيء في الدنيا بهاء العقل, تهمني هذه اللغة الفريدة نبع حب, وهي بين اصابع العشاق جمر العشق اشعلها تفيض علي الاصابع فيض ماء, لغة تحمحم في إهابك, وهي تفتح للذي يوما سيأتي ألف باب! عمرنا نهر, كما الكوثر ينساب, ونحن الشاطئان, ارتج فينا الموج منداحا, توضأنا به حينا, وفي الفجر اغتسلنا, وارتشفناه ونحن الظامئان, النهم المشبوب يغرينا, فتزداد, اصطفاق الموج يغوينا, فهذا جسد النهر, تلامسنا, ودغدغنا حفافية بفيض من دموع وقبل, حمل النهر مزيدا من حكايات صبانا, وشدا النهر كثيرا من مزاميز نجاوانا التي تختلط الاوشال فيها بتجليات مايشرق فينا من صفاء, ثم يسري راحلا عنا, فترتاح لهمس وخدر, وسكون باسط كفيه يستجلي المحال! يوم ودعنا الشريفين بكينا, كان ذوب العمر, احلاه, حفرناه علي سلمه العالي, وفي مصعده الضخم, وعشنا فيه, في حضن ممرات وأبهاء, ودنيا من طموحات, وقفز في الاثير, حين اجبرنا علي النقل ل ماسبيرو تلكأنا طويلا, كان كل السابقين انتشروا ثم استقروا حيث يبغون, وقصر التيه لم يبق لنا نحن المذيعين سوي امكنة كالحة مظلمة, تمتد سردابا بعيدا عن عيون الناس, والشمس, وتجديد الهواء, اصبح المأوي عقابا لعصاة يرفضون النقل, ها نحن فهمنا, فارتضينا ما ارتأوه من عقاب, ذل من يترك ماضيه إلي الأرض الخراب. المزيد من مقالات فاروق شوشة