عندما يسمع الناس بهذه الكلمة يتضح لهم بان هذا الحكم شديد القسوة والعنف و الطغيان فهي دليل على قوة و جبروت هذا الشخص و معناه باللغة التركية النسر الأسود لذلك من حُكم عليه بحكم قراقوش ذهب إلى الجحيم . كان بهاء الدين قراقوش فتى أبيض ولد في بلاد آسيا الوسطى و كان خادماً "لأسد الدين شيركوه" عم "صلاح الدين الايوبى"، وبعد وفاة "شيركوه" سنة 564 ه التحق "قراقوش" بخدمة "صلاح الدين" حيث برزت مواهبه منذ أول يوم تولى فيه "صلاح الدين" الوزارة في مصر وقد قضى ما يزيد على الثلاثين عاما في خدمة السلطان "صلاح الدين الأيوبي" وابنيه. ثم تولى "قراقوش" إدارة القصر الفاطمي الذي كان مصدر إزعاج "لصلاح الدين" بسبب ما كان يضمه القصر من حاشية كبيرة زاد نفوذها وأصبحت ذات دور مؤثر في إدارة البلاد ولم تكن راضية على تعيين صلاح الدين في الوزارة وقد استطاع قراقوش إدارة القصر بحنكة واقتدار. كان "قراقوش" رجلاً مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، وآثاره تدل على ذلك، فهو الذي أعاد بناء السور المحيط بالقاهرة، ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمّر بالمقدس رباطا، وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل، وله وقف كثير لا يعرف مصرفه. قال الدكتور "جوبلز"، وزير إعلام هتلر وألمانيا النازية "لو كررت الكذبة مجموعة من المرات ستصبح حقيقة" أي أن الشعوب لا تتحقق من الصدق في بعض المقولات، بالتالي تكون على استعداد لكي تصدق الأكذوبة في نهاية المطاف، فتصبح أمرا مصدقا بين أفراد الشعب و بالفعل ذلك ما أصاب "قراقوش" تماما فتلك الشخصية التي لو سألت عنها المصريين لخافوا منها، وتمنوا ألا يروها في حاضرهم لأنها تشكلت كجزء من ذكرى غير مرغوب فيها بالعقل الباطن، والذي استقر للأسف قوة معنى "قراقوش" و هو النسر الأسود و البعض يقول بأنه طائر العُقاب الأسود . ولكن كيف يتحول عمل رجل مثل هذا ليكون مجالا للرفض السياسي والأخلاقي لكل أعماله، والتي يعترف بها التاريخ ويشهد بها أغلبية المؤرخين؟ وحقيقة الأمر هي أن "قراقوش" وقع في صدام مع أحد الشعراء والأدباء في ذلك العصر، وهو "ابن مماتي"، وهذا الخلاف كان سببه تحالف "قراقوش" الأمين مع المماليك التي كانت تابعة لسيده صلاح الدين بدلا من فريق آخر يتبع أخاه، فكان "ابن مماتي" ينتمي للفريق الثاني، بالتالي ألّف كتابه هذا لتشويه صورة الرجل أمام العامة والخاصة وضرب مصداقيته بين الشعب المصري، وبالتالي فإن كتاب "الفاشوش في أحكام قراقوش" ما هو إلا مجموعة من النوادر غير المنطقية في مجملها، والتي لا يمكن أن تصدر من رجل دولة بحنكة رجل مثل "قراقوش"، فهي مليئة بالمتناقضات والقصص القصيرة التي ترقى لتكون مجالا للسخرية والهجاء والتهكم وليس الحقيقة، ولكنها للأسف كانت في واقع الأمر كفيلة بأن تدمر صورة الرجل عبر الأجيال. ولعل ما قد يعزي "قراقوش" في قبره هو أن شيئا مماثلا قد حدث لغيره في عصر غير بعيد عنه وفي مصر أيضا، وهي لكافور الإخشيدي، رجل الدولة، والذي كانت خلفيته تتشابه مع "قراقوش" أيضا، فكان عبدا آلت له مصر وأسس الدولة الإخشيدية، ومع ذلك، فعندما يأتي ذكره فإن الجميع ينسون قدراته كرجل دولة وكيف استفادت مصر منه باستقلالها بعيدا عن خلافة منتهية الصلاحية في بغداد، فهم لا يتذكرون إلا قصيدة المتنبي التي هجته لأنه لم يمنحه العطاء المطلوب والتي قال له فيها: "لا تشترِ العبد إلا والعصا معه : إن العبيد لأنجاس مناكيد // صار الخصي إمام الآبقين بها : فالحر مستعبد والعبد معبود". [email protected] لمزيد من مقالات سمر عبدالفتاح