آية عظيمة، وكل آيات القرآن عظيمة؛ تدل على أن الإنسان مهما بلغ من الكمال ناقص، ومهما أدرك من المثال مثلوم، وبالتالي علينا أن نتعامل معه كما هو، بصُنعه الرباني، وضعفه الإنساني، وخطئه البشري. إنها الآية الثانية والثلاثون من سورة "النجم"، وقال فيها تعالى، مثنيا على أهلها من المحسنين: "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ". قال القرطبي: هي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله، فقال أبو هريرة، وابن عباس، والشعبي: هي كل ما دون الزنا. وقال ابن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وحذيفة، ومسروق: هي ما دون الوطء من القبلة، والغمزة، والنظرة، والمضاجعة. فاللَّمَمَ، لدى جمهور العلماء، هو: ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب كالنظرة، والقبلة، واللمسة، والضمة، والشمة، والخطرة، ونحو ذلك. وقيل: كل ذنب لم يذكر الله فيه حدا، ولا عذابا، مما يلم به العبد من ذنوب صغار بجهالة، ثم يندم، ويستغفر الله، ويتوب، فيغفر الله له. فاللَّمَمَ هو "مقاربة المعصية"، ويعبر به عن الصغيرة، ويقال: فلان يفعل كذا لمما. أي: حينا بعد حين، ويقال: زيارته إلمام.. أي: قليلة.. و"اللَّمَّامُ"، الْعَبْدُ الَّذِي يُلِمُّ الذَّنْبَ بَعْدَ الذَّنْبِ لَيْسَ مِنْ سَلِيقَتِهِ، ولا من طَبِيعَتِهِ، وإنما يفعله على وجه الندرة، والقلة. قال النووي:"َأَصْل اللَّمَم، وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء، وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة".. ذلك أنه لا حد في ذلك، وهو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه. ويُغفر اللمم باجتناب الكبائر، وقبول التوبة، مع الإتيان بالواجبات، وترك المحرمات.. قال تعالى: "إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ".. يغفر "اللمم لهم"، ويستره عليهم. والله أعلم. وقد احتجوا على هذا المعنى بقوله تعالى في سورة النساء: "إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا".(31). قالوا: المراد بالسيئات صغائر الذنوب، وهي: اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم. روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا.. وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا". (صححه الألباني في صحيح الترمذي) . الشاهد من كل ما سبق هو أن علينا أن تتسع صدورنا لأخطاء من حولنا، وأن نسترها عليهم، وأن نساعدهم على تجاوزها، وعدم العود إليها، وألا ننظر إليهم نظرة دونية، أو نحتقرهم، أو نشهر أو نشمت بهم، أو نسقط عدلتهم، واحترامهم، وهيبتهم من أعيننا.. ما دامت تلك الأخطاء، أو الصغائر، لم تغادر دائرة "اللمم"، التي عفا الله تعالى عنها. فما أحوج الأمة إلى تربيتها التربية الإيمانية على هذا العفو الجميل، والستر العظيم، وما أبهج صدورنا، وأفرح قلوبنا، وأسعد نفوسنا؛ بعفو الله العظيم عنا، وستره الجميل علينا، مثل تلك الزلات، والهنات، والخطيئات، التي لا يكاد يخلو منها أحد من خلقه، حتى لو كان من الأنبياء، أو الصالحين. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد