توافد المئات من المصريين العاملين فى ليبيا فرادى وجماعات عبر منفذ السلوم البرى فور قصف القوات المصرية معاقل داعش فى درنة، وأدرك المصريون هناك أن وجودهم أصبح يشكل خطرا عليهم،وأمام إرهاب داعش من جهة وإلحاح أسرهم فى مصر عاد المئات منهم فورا، تاركين أعمالهم وأموالهم. السلوم، المدينة البسيطة الهادئة، باتت خلية نحل، اصطفت الميكروباصات بالمئات، يتكدس العاملون داخلها، وأمتعتهم أعلاها، منهم من جاء بأمر مباشر من الأهل لعدم وجود مال لدي أبنائهم حيث تركوا كل ما وراءهم وعادوا مسرعين، ومنهم من انتهز الفرصة ليضاعف الأجرة مستغلا الأزمة. عاد المصريون هذه المرة، وهم فخورون بوطنهم مرفوعو الرأس بعد الضربات المتتالية التى وجهتها القوات الجوية، وشعروا لأول مرة أن هناك من يحميهم ويدافع عنهم فى غربتهم . الحياة أهم من العمل لم يمض على وجود أيمن الشاب الثلاثينى فى أجدابيا بليبيا سوى ثلاثة أشهر فقط، أمضاها عاملا ب" اليومية" يعمل يوما وينتظر عشرة، فور وقوع حادث قتل المصريين وضرب القوات الجوية المصرية مواقع داعش بدرنة جاءه اتصال عاجل من أهله فى بنى سويف" إرجع فورا", أجدابيا الليبية التى تبعد عن منفذ السلوم نحو 600 كيلو متر أصبحت حسب وصف أيمن " قُبْلة" أنصار الشريعة التابعة لداعش، وباتت الإهانة للمصريين عرضا مستمرا منذ قيام الثورة فى ليبيا، فطوال السنوات الأربع الماضية، وأنا أتردد على ليبيا وكلما اشتد الوضع سوءا أحزّم أمتعتى وأعود فورا إلى " وطنى" . "هادئة ولكننا كنا نعلم أنهم لن يتركونا فى حالنا" هكذا يقول أيمن عن أجدابيا، فالضرب كان أكثر فى بنغازى ودرنة، ولكن فى الفترة الأخيرة وجدنا مجموعات من أنصار الشريعة كلما التقوا مصريين يقولون له" كلنا داعش" ليرهبوهم بهذه الكلمة ويوقعوا فى أنفسهم الرعب.
7 آلاف جنيه تكبدها أيمن فى سفره هذه المرة، لم يجن من ورائه سوى الخوف والرعب" اللى شجعنا على السفر وجود تأشيرة والسفر بالطائرة من برج العرب، وأننا سنذهب إلى أجدابيا ونعمل ولا خوف منها"
قبل الثورة فى مصر وليبيا ظل أيمن يعمل ثمانى سنوات فى شرم الشيح، بعدما حصل على شهادة متوسطة، غير أن تبدل الحال وضعف إقبال السياحة دفعاه إلى المغامرة بحياته فى قلب الأخطار بليبيا من أجل " لقمة العيش"
فر أيمن بحياته من جحيم الحياة فى ليبيا، وسريعا عبر منفذ السلوم، ليجد "عصابة" من نوع آخر هى سائقو الميكروباص، حيث استغلوا فرصة عودتهم لترتفع الأجرة ضعفين، فبعدما كانت مائة وخمسين جنيها إلى بنى سويف أصبحت 250 وفى بعض الأحيان 300 جنيه.
على غرار داعش وأنصار الشريعة وفجر ليبيا، امتهن بعض الليبين جريمة خطف المصريين وطلب الفدية وأخذ أموالهم، فكثيرا ما يأتى أحد الليبيين أمام المقهى الجالس عليه العمال ليطلب عاملا، وهو فى الحقيقة " فخ" لاصطياده وطلب فدية لاطلاق سراحه.
فيروى محمد ذو ال 25 عاما " صديق أيمن فى رحلته وابن بلدته ما حدث له قبل أسبوعين، " كنت قاعد مستنى حد محتاج عمال، وذهبت مع أحد الليبيين لأفاجأ أن العمل فى حوش فى الصحراء وأن هذا كمين لعصابة، هددتنى بالقتل إن لم أدفع لهم أنا وثلاثة آخرون ما معنا من أموال، وسنقول أن من قتلكم هم أنصار الشريعة" فاللصوص وقطاع الطرق وجدوا فى أحداث ليبيا فرصة لجمع المال.
المصريون فى ليبيا
" أحمد الله على سلامتى وإنى جئت لأهلى ووطنى، لكن الخوف على المصريين اللى هناك فى أجدابيا وعددهم كبير جدا" هكذا يتحدث عبدالعال، ثالث أيمن ومحمد فى رحلة الهروب، ويقول" حين رأينا ذبح المصريين فى ليبيا، لم نتمالك أنفسنا من الرعب، وفى الصباح حين عرفنا بخبر القوات الجوية، أدركنا أن الأمر سيزداد خطورة، فقررنا العودة والنجاة بحياتنا" وأدرك عبدالعال صواب قراره، ففى طريق عودته وجد بعضا من أنصار الشريعة تقول لهم " هتشوفوا يامصريين" تعبيرا عن رفضهم لما قامت به القوات الجوية المصرية، وتشجيعهم ما حدث من داعش.
السوهاجى جاد رومانى، بمنطقة جالو جنوب ليبيا، لم ينتظر أن يجمع شيئا، أدرك أن النجاة بحياته أهم من أى مال أو أغراض، حينما رأى مشهد الذبح لم يتمالك نفسه" المكان اللى بشتغل فيه هادى وبعيد، بس المشهد وجعنى قوى وأنا كمان مسيحى فخفت أكتر"
رومانى أكد أنهم يستهدفون المصريين عامة، وليس فقط المسيحيين، هم يستهدفون قوت المصريين، فعاد فى عهدة أحد الليبيين إلى منفذ السلوم" الحمد الله واحد ليبى أخدنى أنا وابن عمى ووصلنى علشان عارف اللى ممكن يحصل، وكمان وجود ليبى معانا أفضل وأمان أكثر".
الرعب فى سرت
«سرت ودرنة» هما المدينتان اللتان يسيطر داعش على أجزاء كبيرة منهما، ويتجول أعضاؤها بحرية فى شوارعهما، والعاملون المصريون فى سرت خاصة بأعداد كبيرة جدا.
" سرت كلها مصريين، وداعش كتير هناك" قالها صابر من الصف جيزة بخوف شديد، " فالسائقون يخافون توصيلنا لو علموا أننا مصريون، وبالذات لو كانوا مسيحيين، ولولا الجيش الليبى لما كنا وصلنا" وقال إن الجيش الليبى كان سعيدا بالضربات الجوية وقالوا لنا" خلى السيسى يبعت تانى"
ويشكو صابر من محاولات اتصاله هو ومن معه بالأرقام التى خصصتها الخارجية المصرية للتواصل معها" إحنا بنتصل كتير ودايما الرقم مشغول، ياريت لو فيه جسر جوى يبقى أحسن"
فقدان الأمل فى العودة
«جايين ناكل بيها عيش هنا معدش فيه عيش هناك» بأسى يحمل محمود صلاح أدوات الحدادة بقوة وعزم بعدما أمضى 4 سنوات فى «سرت» دافعا مبلغ 300 دينار ليبى «نحو 1200 جنيه مصرى» حتى يستطيع الخروج من ليبيا وترك تجارة وأموالا تقدر ب 100 ألف جنيه، متحسرا يقول «نفسى آكل عيش فى بلدى ولو ألف جنيه فى الشهر أفضل من عشرة فى ليبيا».
بين فكى الجشع والإرهاب
يعانى محمود صلاح هو وأكثر من مليون مصرى فى ليبيا من جشع بعض التجار الليبيين وبين إرهاب البعض الآخر،" انا سبت كليتى علشان اشتغل، السفر مبيفرقش بين العامل والطبيب زى القتل كمان، فالطبيب الذى ذبحته الجماعات الإرهابية هو وزوجته كان من سرت، كله علشان لقمة العيش"
الضربة عملت لينا كرامة
ويضيف: شعور بالفخر والاعتزاز بعد الضربات المصرية، أعادت كرامة المصرى فى الغربة" الضربة عملت لينا كرامة، حسينا إن بلدنا بتحمينا فى الخارج، كنا زمان نقول احنا تركنا كرامتنا على الحدود ، شكرا لقواتنا المسلحة وشكرا للرئيس السيسى".