سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 9 يونيو 2025    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    إسرائيل تستجوب ناشطى سفينة مادلين فى قاعدة أسدود    استشهاد 8 فلسطينيين جراء إطلاق الاحتلال النار على المنتظرين للمساعدات غرب رفح    مباريات اليوم.. تصفيات أوروبا لمونديال 2026    ضحى بحياته لإنقاذ الآلاف.. الحزن يخيم على الدقهلية بعد دفن شهيد الشهامة    إستمرار الموجة شديدة الحرارة بالأقصر اليوم رابع أيام العيد    أمن "الحج" بالمدينة: جاهزون لاستقبال الحجاج القادمين من مكة    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سيو ستورم قائدة فريق Fantastic Four في النسخة الجديدة للفيلم    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    استقرار أسعار النفط قبل المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    عاهل الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لتهدئة شاملة بفلسطين    موعد ورابط نتيجة الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 القاهرة وباقي المحافظات    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الإثنين 9 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    حديد عز يتجاوز 39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 9-6-2025    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    الجيش الروسي يسقط 24 مسيرة أوكرانية    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    قوارب سريعة تحاصر سفينة مادلين وتطالب نشطاءها برفع أيديهم قبل اعتقالهم    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    صحة المنيا: 21 مصابًا ب"اشتباه تسمم" يغادرون المستشفى بعد تلقي الرعاية    الحبس والغرامة لعدم تسجيل الشقق والمحال المؤجرة    "لن يعود حيا" .."أبو عبيدة" يكشف محاصرة الاحتلال لمكان تواجد أسير إسرائيلي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    لاعب إسبانيا يتحسر على خسارة دوري الأمم الأوروبية أمام البرتغال    طريقة عمل طاجن اللحم بالبصل في الفرن    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    «أسطول الحرية»: القوات الإسرائيلية تختطف المتطوعين على السفينة «مادلين»    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    غادر مصابا أمام باتشوكا.. جراديشار يثير قلق الأهلي قبل كأس العالم للأندية    باتشوكا يهزم الأهلي بركلات الترجيح في البروفة الأخيرة قبل مونديال الأندية    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    مكسل بعد إجازة العيد؟ إليك نصائح للاستعداد نفسيًا للعودة إلى العمل    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    خالد عيش: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع يعكس الالتزام بالمعايير الدولية    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعات.. ساعات
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 02 - 2015

لست وحدى من أصبحت فى مهب وجوه التليفزيون المفروضة علينا قسرًا وقهرًا، ومللا، وتثاؤباً، وعِوجاً، وتكفيرًا وتهريجاً وتجريحاً وتجنياً وتسطيحاً ونفخاً وتقزيماً وتناحرًا وردحًا وادعاءً.
وأبواقاً، وإعلاما موجِهاً، وإعلاما موَجَهاً، وإعلاماً مشخصنا أرعناً يريد محو وصمة التوجيه فيزيد من معدل التجريح، وإعلاماً بلا عِلم، وإعلاماً بلا عَلم، وإعلاماً ينزع علامات مضيئة على الطريق، وإعلاماً لسجن النساء، وإعلاماً وضع رقبة الدولة في قبضة الإعلام الخاص والفضائيات الخاصة بعدما فقدت الدولة مع سبق الإصرار والترصد جهاز ماسبيرو الإعلامى القومى ووضعته جانباً فوق الرف، وإعلاماً معَّوقاً ذا احتياجات عامة وخاصة يبحث الأزهر فيه عن قناة للرد الصحيح الملتزم على هوجة إدانة التراث والمذاهب والفتوحات الإسلامية والصحابة بحِجة تجديد الخطاب الدينى بينما بلمسة اصبع فوق الريموت يُستدعى زخم قناتين فضائيتين يمتلكهما عطار أعشاب يبيع التراب بوهم الذهب البرّاق، يُسوّق بضاعته التى تشد الحيل وتستدعى قوة السباع من شرايين الضياع فى أدوية غير مرخصة صناعة تحت السلم علي مدى الأربع وعشرين ساعة فى تليفزيون لا يوجد فيه برنامج علمى واحد ولو للمركز القومى للبحوث العلمية علي أى قناة خاصة أو حكومية اللهم إلا حشد من أطباء الديلفرى بمذيعات مسبهلات ولافتات تحمل عناوين وتليفونات العيادات الخاصة بنداءات إعلانات على المكشوف فالمعلوم قد تم دفعه مقدماً من قبل الظهور: قرب قرب خش اتفرج هنا تسليك وهنا توليع وهنا شفط وهنا شد وهنا ربط وهنا العجوز ترجع صبية والأصلع تطلع له قُصَّة ربّانى فوق الجبين بشكة دبوس ومسحة ليزر فى جلسة واحدة بالصلاة على النبى في حين كانت هناك برامج علي أعلى جودة ومستوى رفيع فتحت عيوننا على «عالم الحيوان» و«عالم البحار» وبرنامج «العلم والإيمان» للعالِم الراحل مصطفي محمود الذى كان يمثل أعلى نسبة مشاهدة على نطاق جميع الدول العربية.. إعلاماً ينعى ويترحم على إمكانات وزراء الإعلام السابقين أمثال حاتم ورضوان وصفوت وهيكل.. إعلاماً غاب عنه النجم الأستاذ المعد الفنان القدير مثلما كان مفيد فوزى حامل «مفاتيح» النجاح وإعداده رفيع المستوى للمذيعة النادرة ليلى رستم، وأنيس منصور في إعداده العبقرى لحلقة صالون طه حسين التاريخية مع أدباء مصر.. إعلاماً زحف فيه الصحفيون على الفضائيات ليقفوا في الدعاية عن برامجهم مكتوفي الأيدى خِلف خِلاف في وضع الترواكار والبروفيل الجانبى لتتجلى ظاهرة المذيع الزعيم الذى يناطح أكبر كبير مسئول ويلومه ويوجهه ويقترح عليه ويُسدد خطاه، وللأسف ترافقه الحكومة وأجهزة الدولة!!.. إعلاماً دون كيشوت يتحرك كالسلحفاة ويحارب الطاغوت بسيف خشبى هزيل ضد صاروخ إعلامى إخوانى موجه من منصات حلف الخيانة السبع.. إعلام وزير إعلامه الجديد رئيس غرفة صناعة الإعلام مجرد رجل أعمال!!
واقع أنت لا محال أينما كنت فى الصالون والسفرة والمطبخ والمكتب والبلكونة وغرفة النوم وعلى متن الطائرة وفى كرسى استراحة العيادة وعلى شاشات الكمبيوتر والآى باد والموبايل في نطاق دائرة التلقى كوعاء لاستقبال ما يقذفه إليك من عليائه من أعطاه أو أعطاها أمر اللعب فى الأدمغة عن طريق أوامر السلك المزروع فى أذنه أو أذنها بما جاد به الإعداد من خلف الستار، تبعاً للمسار وتنفيذاً لأوامر وقناعة وسياسة السيد مالك القناة.. واقع أنت ولا ريب في إسار البعض ممن تستطيع سماع صراخه وهياجه ووصلات ردحه قبل الوصول إليه من القناة المجاورة، حتى لتظن أن بينهما باباً موارباً أو نافذة مفتوحة، وتتفشى عدوى الصراخ الوطنى لكل من يصحب صاحبنا لتجده بدوره وقد استنفر وتمدد وزعق وشوَّحَ هو الآخر وتحدى المسئولين وهاتوه لى على التليفون حتى ولو كانت طبيعته مسبقاً قبل التعرض للإشعاع المجاور متعقلا هادئا رزيناً وحكيما دولياً، وللأمانة هناك فارق بين صراخ المصاحب والمصاحبة وصراخ صاحبنا النجم الأصلى الذى تظنه قد أفل وطلع عليه اللبلاب لكنه يعود أبدًآ مورقاً متألقاً رائدًا فى ثوب جديد مبتكر يصحبنا معه صاخباً فى رحلة مفاجئة يأتينا فيها بما لم تر الأعين أو تسمعه الأذن، حتى ولو كان حوارًا مع الملكة رانيا، فيسرق الكاميرا ثانيا وخامسا ومائة وألفاً... أما عن المذيعة الشقراء النائمة الناعمة المعسلة قوى الرومانسية قوى الخيالية قوى المسكونة قوى بقوى الجن وحواديت الإنس والجان وعروس البحر وأبورجل مسلوخة التى أورثتنى الشك فى صحة نسب هرّة بيتنا الرومى تخوفا من أن تكون أمها جنيّة عاشرت عفريتا شقياً فأنجبا فى ليل الشتاء البهيم قطتى الصغيرة واسمها نميرة لعبها يسلى وهى لى كظلى، وذلك بعدما أوحت لنا الناعسة على مدى ساعة وأكثر مستعينة بلقطات مرعبة تلمع فيها حدقات عيون قطط الدروب والحوارى المظلمة بأواصر العلاقة بين الجن بسم الله الرحمن الرحيم والقطط المقطقطة ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم ويخفف من اهتمامات مذيعتنا الهيفاء بهذا المجال لتسافر بنا للقدس مرة أخرى، وتركب البسكلتة لعملها، وتغنى من فوق سطح لورى تسلم الأيادى..
ولأننى كنت من عشاق البرامج الثرية للعالم العلاّمة والحبر الفهامة الأساتذة إبراهيم عيسى مسبقاً فقد أصبحت أخيرًا وللأسف أسك عليها بيدى لا بيد عمرو ولا يد الصدّيق «تانى اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» بعدما ضاق صدرى بها وتقطعت أنفاسى من جراء عنف زخمها، وخشيت على بلدى وولدى ودينى وإيمانى وأزهرى وتراثى وبرلمانى من جحافل نقده، وخشونة عرضه، وسخرية سرده فيما لا يُجيز السخرية، وتقنيته المدربة عالية الجودة لسحبه لنا من قفانا لترديد رأيه من بعده، لأظل من بعدها مستنفرة حتى مطلع الفجر وهو الذى يبدأ برامجه آخر الليل ليأخذنا على غفلة في مراحل الوسن، لينقش براحته على صفحات العقول مقولاته بالتبات والنبات، وخلفة الصبيان والبنات لا أنام ولا ينقذنى من آثارها المخلخلة سوى صلاة الفجر والدعاء لى وله ولها أعصابنا وأبدًا سيظل إعجابى بالمذيع المثقف المفوه الأستاذ والBoss مذيلا بعتاب أعيده علي مسامعه دوماً «البرادعى يا راجل»!!!.. ويا حبيبى يا خويا يا ابنى يا صاحبى يا زميلى يا أهرامى يا ناجح يا فالح يا جماهيرى يا من قرظتنى لأكثر من مرة بأريحية تُشكر عليها من مجامع القلب، لكنى يا قرموطى أتساءل الآن ما بالك هذه الأيام؟!!.. إيه اللى جرى لك يا عزيز عينى وكنت شمعة منورة ولوزة مقشرة ووردة مفتحة؟!! إيه اللى صابك يا قرّة عين الصعايدة حتى تأتى لنا داخل الاستوديو بسلم مستخدم لعمال البياض بحق وحقيقى تطلع وتنزل عليه قدام نظرنا بحق وحقيقى لتشرح لنا على الطبيعة طريقة الصعود السريع للبعض الذى يوقع بصاحبه المتعجل من الأعالى فتدق عنقه بحق وحقيقى وتطيل في شرح أهمية الصعود المتأنى للبعض بالتدريج سِلمة سِلمة ونونى نونى وتاتا تاتا للوصول للقمة عن جدارة متمثلا بالقول المأثور بأنه فى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة.. يا سلام على الاختراع القنبلة!!.. وبعدها يا قرموطى تلبس لنا تريننج لعيب كرة قدم بنصف كم فى عز الشتاء وتمسك بالكرة تلوَّح بضربة جزاء، جزاك الله خيرًا وأملا في الإقلاع عن الطريقة الجديدة في الشرح المجسم، فالأحداث الجسام والجرائم العشوائية من حولنا لن تسمح لك بتجسيمها على الطبيعة داخل الاستوديو خاصة فيما يتعلق بالعبوات والشماريخ والحرائق والخطف ومداهمة الأوكار، وارجع يا قرموطى لأصالتك لأهلك لأصحابك لمشاهديك واستهدى يا بنى بالله واتقل واقعد علي مكتبك وحلل ما جاء فى أوراق الصحف ومخاطبة المسئولين و..رجع يا صاحبى السلم لعمال البياض وماتعملشى كده تانى!!... وظنى أن عرض أزياء الشيخ الجليل خالد الجندى في البرامج الدينية المختلفة يحملنا على مراجعته لتحديد واستقرار الرأى حول الزى الملائم الوقور للداعية الإسلامى فيما إذا كان الكاكولة والعمامة، أو القميص والبنطلون وتوكة الحزام، أو البدلة والكرافتة، أو الطاقية الشبيكة المصاحبة للجلباب البلدى، أو ملابس الإحرام، أو العباءة السعودى، أو الزى التونسى المطرز، أو المظهر الاندونيسى شاهق البياض بالقميص الفضفاض المنسدل ومن تحته البنطلون الترواكار؟! وإذا ما كنت أنا الآن من مريدى الشيخ الجندى رغم تأرجحى بين ثيابه الكُثر، فمازلت على شوق دائم لمظهر الراحل الوقور أحمد فراج فى برنامجه النورانى «نور على نور» أبلغ مثال كان لتبليغ رسالة الإسلام الأزهرى الوسطى..
ولأنه ولأنه ولأنه المذيع الأنيق المخضرم الذى اشتعل شعره شيباً فى شرخ الشباب المصاحب لآلامنا وأوجاعنا ودموعنا وآهاتنا وقصص ضحايانا ودماء شهدائنا وشكاوى اليتامى والأرامل والثكالى فشوقى الغالب إلى بُشرى أو فرحة مفاجئة تعيد إلى وجه الإبراشى الدامع فى عاشرته المسائية ابتسامته وتشيل الميتين من هنا، هذا وإن كان زميله عمرو الليثى قد جرجرنا غصبا عنا فى برنامجه الكوكتيل إلى داخل المشرحة ذات نفسها ليعرض لنا على الطبيعة بانيوهات الجسامين وموائد التشريح وسكاكينه ومشارطه وأدواته وحنفياته وطشوت الغسيل، مع شرح تفصيلى سادى للمراحل المأساوية التى تمر بها الجثة من أول الفتح للخياطة للكفن لأهله الرابضين بجرحهم خارج الأسوار والله يسامحك يا عمرو ويجعل وفاتنا طبيعية من السرير للبساتين بلا أدنى شبهة جنائية.. قادر وكريم... وكله كوم وأبلة الناظرة كوم، المذيعة الشاطرة المتوثبة المصحصحة المجمعة المفهرسة الممنهجة الممنطقة المميكنة المتمكنة، الراصدة الحافظة المتابعة، الواضعة النتائج داخل أُطرها، الكاشفة لمناطق الخلل في مهدها، المنقبة عن الدوافع فى صدورها، القارئة للشواهد فى آفاقها، المرهفة لدبيب النمل، الحاسبة للسقطة واللقطة وعكس الاتجاه، المؤمنة بالبحث فى تلافيف التلابيب وخارج الصندوق، وإن كان خروجها عليه يوماً قد حُسب عليها وعلينا ولذا لزم الاعتذار الدبلوماسى للدولة الشقيقة منها ومنا الآخذة بالمسببات والدلائل والمآخذ والمقاصد وعوامل التعرية، المحيطة بالمحيط، المسافرة فوق الخرائط والدول والأمم والصحارى والحروب وثورات الربيع العربى وداعش والنصرة والحوثيين وبوكو حرام، من تجلسنا أمامها نحن المشاهدين مخشبين فى مقاعد ال«كى جى وان» وتنزل فينا شرح من أول السطر، وترجع تعيد من أول ذى بدء، على الله نفهم حاجة من دروس اللوغاريتمات التى تبسطها على أفهامنا لوغاريتم لوغاريتم، وتسقيها لنا بالمعلقة الصينى، والمعلقة الصينى انكسرت منى، يا مين يربينى غير حضرة الناظرة؟!!
ولسد جميع الثغرات، والربط ما بين الفقرات علي جميع القنوات تلقى الطبيخ شغّال.. نشيل صينية الأوربت، نحط في الفرن صينية دريم، نزوق صينية المحور، نحمر صينية صدى البلد، نقلب صينية التحرير، ندهن وش صينية الفراعين الخ.. ويجرى استقبال التليفونات في جميع مراحل إعداد الصوانى و..أهلا يا روحى، وأوامرك يا مدام، وتسلميلى يا ست الستات، ومبروك للمولود يا هانم، وتحطى يا حاجة في الخلطة شعرة بهارات، وتقلّبى يا فندم قعر المغات، ويطبطب ويدلع الشيف حسن أطباقه بقوله المأثور: «يا جماله يا حركاته يا تكاته»، ومن طبيخ لطبيخ لمصرع عشرة هنا وانفجار قنبلتين بدائيتين هناك لحرق أوتوبيس نقل عام للقتال الدائر في سيناء والشيخ زويد والعريش والطبيخ شغّال... ومقدم برنامج من أصل صحفي مظهره بيشف ويرف بدون غلطة راجع بشوكه من المنصب الهام الخطير الذى مارس من خلاله مهاماً غاية فى الأهمية، وزار من خلاله بلاداً تركب الأفيال وتصعد للقمر وعطارد وتهبط المريخ، وألقى من خلاله محاضراته في أرقى الجامعات العالمية من نوعية أكسفورد وكامبردج وييل، وجاء معه بتلامذتها للاجتماع معهم عندنا من جديد في أكبر القاعات. الأنيق عاد لنا من جديد بوقفته المشرئبة خلف منصته الشفافة شبه الرئاسية ليزدونا بأحدث الأخبار والإحصائيات والمشاهد العالمية الغاية في الأهمية بطريقته التحليلية المدروسة المقطعة الوصلات المقننة المدّات الموسيقية التخريجات والارتفاعات والانخفاضات والوقفات، ليدلي برأيه فيما هو جارى على أرض الكنانة كمثل رفضه الأخير لمسألة عرض المحافظين الجدد ونواب المجلس القادم للكشف الطبى لأن فيها ما يهين ويخدش ويهز صورة المسئول الجديد، والعجيب والغريب أنه فى توقيت إذاعته لرأيه الجدى كان هناك 17 محافظا جديدا يحلفون اليمين، وتم بالفعل الكشف علي أكثر من 4 آلاف من المتقدمين للترشح الانتخابي ولم يتقدم أحد منهم بالاعتراض!!.... وحمدًا لله أن شاهدت بعينى قبل توقيت إغلاق المقال بثوان المذيع وائل الإبراشى يرتدى الملابس الكاجوال والبلوفر الأرجوانى ويبتسم «يا حليله» بل ويضحك بصوت وذلك في حواره السنوى مع الخال والعم والأب والابن والضرورة والصيرورة والهرم والمئذنة وثورة 25 يناير وشراع كفرد جناح يتهادى علي سطح النيل وهديل الحمام ومندرة الرجال وحجر رشيد وبلح زغلول وموّال الصعيد وزغرودة القلل القناوى وبرج الجزيرة الذى جمع غداء عمل ودّى ما بين رئيسين يعيدان بناء المجد لبلديهما.. الشاعر عبدالرحمن الأبنوى سلمت رئتاه.. وقلنا أخيرًا يا إبراشى انتقلت لمجلس الأنس، لكن للأمانة يبدو أن الرجل بخته الدرامى يمشى في رجليه يلازمه ولو ارتدى الأرجوانى، ونوى المرح والصهللة، فقد مالَ الأبنودى بالحوار تجاه الموت ومقبرته الغنّاء التى شيّدها علي رأس الطريق بقبة مرتفعة لأجل النفس واستنشاق الهواء.. وحتى عندما حاول مذيعنا استدراجه لسرد وقائع أغنيته لصباح «ساعات ساعات» قال إنها الأغنية التي رقصوا على إيقاعها في جنازتها، وأظن أن وائل كان مضطرًا ومكرهاً أخاك لا بطل لختم اللقاء المغلّف بالشجن بعرض فيلم لفقيدة الأمس فاتن حمامة من صياغة الأبنودى «أغنية الموت»!!
محمد عبده ومحمد على!
وتنقسم الآراء حول محمد على باشا الكبير.. البعض يراه المصلح والمنقذ، ونظرة أخرى تراه جبارا عتياً طاغياً غليظ الفؤاد متحكماً فى مصير البلاد والعباد.. البعض يراه قد جعل من نفسه المالك الوحيد لأرض مصر، والتاجر الوحيد لحاصلاتها، والصانع الوحيد لصناعتها، وجمال حمدان يراه آخر المماليك العظام وأول الفراعنة الجدد، ويراه عبدالرحمن الرافعى بنّاءّ عظيما، وقال عنه الجبرتى: «إن محمد علي له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان ولو وفقه الله لإقامة العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه».. وعدت لرأى الإمام محمد عبده فوجدته يتساءل عن محمد على بقوله: «ما الذى صنع محمد على؟.. لم يستطع أن يحيى ولكن استطاع أن يميت!!.. كان معظم قوة الجيش معه، وكان صاحب حيلة بالفطرة، فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه، وبعدما سحق الأحزاب القوية وجه عنايته إلي رؤساء البيوت الرفيعة، فلم يدع رأساً يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه إلى السودان فهلك فيه، وأخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى حتى انحَطَ الكرام، وسادَ اللئام، ولم يبق فى البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال.. وماذا صنع بعد ذلك؟ اشرأبت نفسه لأن يكون ملكاً غير تابع للسلطان فاستعان بالأجانب من الأوروبيين وأوسع لهم في المجاملة، وزاد لهم فى الامتياز حتى صار كل صعلوك منهم كان لا يملك قوت يومه ملكاً من الملوك فى بلادنا يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالى بين أيدى الأجانب بقوة الحاكم، وتمتع الأجنبى بحقوق الوطنى التى حُرم منها، وأصبح الوطنى غريباً فى داره، غير مطمئن فى قراره.. ويقولون: شجّع العلم فى سماء البلاد وأقول: نعم عنى بالطب لأجل الجيش، وبالهندسة لأجل الرى حتى يدبر مياه النيل ليُستغل فى إقطاعه الكبير.. لقد كانوا يتخطفون تلامذة المدارس من الطرق ومجهولى القرى كما يتخطفون عساكر الجيش، فهل هذا مما يحبب القوم في العلم ويرغبهم فى إرسال أولادهم إلى المدارس؟ لا بل كان يخوفهم من المدرسة كما كان يخيفهم من الجيش، وحمل الأهالى على الزراعة ولكن ليأخذ الغلاّت ولذلك كانوا يهربون من ملك الأطيان كما يهرب غيرهم من الهواء الأصفر والموت الأحمر، وقوانين الحكومة لذلك العهد تشهد بذلك.. ويقولون إنه أنشأ المعامل والمصانع، ولكن هل حبب محمد على إلى المصريين العمل والصنعة حتى يتقدموا لها من أنفسهم؟ وهل أوجد أساتذة يدربونهم على علوم الصنعة وينشرونها فى البلاد؟ أين هم؟ ومن كانوا؟ وأين آثارهم؟!! ويقولون إنه أنشأ جيشا كبيرا فتح به الممالك ودوخ الملوك، وأنشأ أسطولا ضخما تثقل به ظهور البحار، وتفتخر به مصر على سائر الأمصار، فهل علّم المصريين حب التجند، وحبب إليهم الخدمة في الجندية، وعلمهم الافتخار بها؟ لا بل علمهم الهروب منها، وعلم آباء الشبان وأمهاتهم أن ينوحوا عليهم معتقدين أنهم يساقون إلى الموت، بعد أن كانوا يحاربون ولا يبالون بالموت أيام حكم المماليك، وهل خطر ببال أحدهم أن يقول هذا جيشى وأسطولى أو جيش بلادى أو أسطوله؟ كلا لم يكن شىء من ذلك فقد كان المصرى يعد ذلك الجيش وتلك القوة عوناً لظالمه فهى إذن قوة خصمة، وليقل لنا أنصار الاستبداد كم كان في الجيش من المصريين الذين بلغوا فى رتب الجندية إلى رتبة البكباشى على الأقل؟ لقد كان ذلك في حياة مصر والمصريين أثر كله شر فى شر، لذلك لم تلبث تلك القوة أن تهدمت واندثرت.
لقد ظهر الأثر العظيم للشر عندما جاء الإنجليز لإخماد ثورة عرابى.. دخل الإنجليز مصر بأسهل من مرور السكين فى الزبد ثم استقروا ولم توجد فى البلاد نخوة في رأس تثبت لهم أن فى البلاد من يحامى عن استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنساويين إلى مصر، وبهذا رأينا الفرق، وجهلة الأحداث لا يسألون ولا يهتدون إلى الفارق الكبير فى شعورالمصريين بين الحالتين، حالة الموات وحال الدفاع عن الوطن.. ولا يستحى من يقول إن محمد علي جعل من الدين جدراناً لسلطانه. أى دين كان دعامة لمحمد على؟ دين التحصيل؟ دين الكرباج؟ دين من لا دين له؟ وإلا فليقل لنا أحد من الناس أى عمل من أعماله ظهرت فيه رائحة الدين الإسلامى الجليل؟ لا يذكرون إلا مسألة الوهابية.. وأهل الدين يعلمون من يحاربها لغلوها الذى أنكره عليها سائر المسلمين، فما كان محمد على يفهم هذا ولا سفك دماءهم لإرجاعهم إلى الاعتدال، وإنما كانت مسألة سياسية محضة متمثلة في جرأة محمد علي على سلطانه العثمانى.. وأى نِعَم تلك التى عادت علينا لقد أخذ ما كان للمساجد من الرزق وأبدلها بشيء من النقد يسمى «فائض رزنامة» لا يساوى جزءا من الألف من إيرادها، وأخذ من أوقاف الجامع الأزهر ما لو بقى له اليوم 1900 لكانت غلته لا تقل عن نصف مليون جنيه فى السنة وقرر له بدل ذلك ما يساوى نحو 4 آلاف جنيه لا غير فى السنة.. وقصارى أمره فى الدين أنه كان يستميل بعض العلماء بالخِلع أو إجلاسهم على الموائد، لينفى من يريد منهم إذا اقتضت الحال ذلك، وأفاضل العلماء كانوا عليه فى سخط ماتوا عليه، وكان قد قلص علماء الأزهر حتى اختفي دورهم السياسى وزالت دولتهم كقول الجبرتى «بسبب الحظوظ النفسانية والحسد» ولا أظن أن أحدًا يدعى بعد عرض تاريخ محمد علي بأنه كان تاجرًا وزارعاً وجندياً باسلا أو بنّاء عظيمًا فقد أطلق الفلاحون عليه لقب «ظالم باشا» ونجد مشروعاً واحدًا من مشروعاته هو ترعة المحمودية قد مات فيه أثناء الحفر أكثر من اثنى عشر ألف مصرى في أقل من 10 أشهر دفنوا جميعاً حيث كانوا يضربون الأرض بفئوسهم تحت نظام السخرة البغيض والكرباج المرير ليقول ظالم باشا: «يجب أن نقود هذا الشعب كما يقاد الأطفال لأننا لو تركناه وشأنه سيعود إلى حالة الفوضى، فأنا علىّ أن أحكم شعباً أظهر صفات الكسل والجهل وسوء النية، فإذا لم أدفعه إلى العمل بقي عاطلا»، وأذكر هنا أن طموح محمد على إلى العظمة وإلى الاقتداء بالفاتحين من أمثال الإسكندر الأكبر ونابليون ما جعله لا يقيس إمكاناته وظروف الأمم والدول من حوله بمقياسها الحقيقى مما دعا وزير الخارجية البريطانى لورد بالمرستون للقول بأن محمد على كان يبنى فوق الرمال!!»..

[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.