ما بين التفجيرات والمظاهرات والأعمال الإرهابية وضحايا استاد الدفاع الجوي يوغل الوطن في أزمة تطول شبابه ومستقبله لا يمكن أن نستعفي أحدا من المسئولية عنها. يعيش الشباب حالة من غياب الوعي، في ظل تراجع وعجز مؤسسات ونخب وقيادات فكرية وسياسية تقف في حالة من الارتباك والعجز الشديد أمام فهم وتلبية حاجات وتطلعات هذا الجيل. لم لا وهم المكون الأساسي لما يحدث الآن من فوضى وعنف ودمار وإرهاب وتطرف ينتشر بين شريحة عمرية تزيد على 70% من تعداد السكان، وقع كثير منهم فريسة لخطابات متطرفة دينيا، وسياسيا، وخلط واضح حول مفاهيم وشعارات مختلفة، مفرغة من جوهرها كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتعددية السياسية، ومفاهيم الاعتصام والشرعية، في ظل غفلة من صناع القرار عن براميل الوقود الشبابي التي تنتظر فتيل التطرف في أي لحظة ليشعلها. علماء الدين يؤكدون أن مسألة الشباب من المسائل الملحة جدا على أولوياتنا في المرحلة المقبلة. وطالبوا بإطلاق مبادرات ترعاها مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية أيضا والعلماء الشرعيون المعتدلون ممن يحظون بثقة هؤلاء الشباب. وطالب علماء الدين بضرورة الاهتمام بالشباب وتأهيلهم لتولي المناصب القيادية، كأحد أهم الحلول لمواجهة الانحراف الفكري والتصدي للجماعات الإرهابية التي تتغلغل وسط هذه الفئة، وتنشر أفكارا مسمومة، تحولت فيما بعد إلي قنابل ودماء وتخريب.
يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الشباب قوة وطاقة ينبغي أن يعمل لها حساب, ومما لا شك فيه أن إسناد الأعمال إليهم والاهتمام بتشغيلهم, يبعدهم عن مزالق التطرف, ويجعلهم يستشعرون مسئولية أمن المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وفكريا, ولذا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوكل قيادة الجيش فيما يبعثه إلى الجهات المختلفة, قادة من الشباب, وذلك ثقة منه في عطائهم, وجلدهم, وقدرتهم على البلاء الحسن, وقد كان مصيبا في وجهته تلك, فقد كان من يوكل إليهم من الشباب القيام بالأعمال المختلفة ينجزونها في الوقت المناسب, وبالقدر الذي يتناسب ومقدرتهم, ولذا فقد كان يرد إليه الشباب يسألونه أن يعهد إليهم بالقيام بالأعمال المختلفة, كجمع الزكوات, ونحوها, فكان يستجيب لهم, وتشغيل الشباب والاهتمام بملء وقت فراغهم يبعدهم عن الانخراط في الفكر الضال, الذي قد يملأون به فراغهم, فضلا عن إشعارهم بالانتماء إلى وطنهم, وتلك قيمة ينبغي أن يحرص القائمون على الأمر, بمراعاتها في حق الشباب, ليرتبطوا بوطنهم, ويتفانوا في خدمته, وحفظه, وأمنه, ودرء الشر عنه الاستفادة من أخطاء الماضي ويري الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن الواجب علي الدولة أن تعمل علي مواجهة الأفكار المسمومة التي تنشرها الجماعات الإرهابية بين الشباب، وأن تقوم مؤسسات الدولة المعنية بغرس القيم والمبادئ لدي الشباب، وتصحيح المفاهيم ومواجهة الظواهر السلبية، وتوفير كل الإمكانيات للشباب للإبداع في مختلف المجالات، فالعمل والقيم والأخلاق والاجتهاد وحب الوطن، أمور لابد أن يتحلي بها الشباب، كي تنهض الأمة وتتجاوز المحن والأزمات، وهذه المسئولية تقع علي عاتق مؤسسات الدولة المختلفة، ولابد أن يكون هناك تعاون وتكامل للارتقاء بالشباب وتأهيلهم وتدريبهم، وأن يصاحب ذلك غرس القيم والمبادئ، وهذا يتم علي يد علماء الأزهر الشريف، ومن خلال التوعية الدينية وبيان سماحة الإسلام . وشدد علي ضرورة الاستفادة من أخطاء الماضي، في التعامل مع الشباب، لأن هناك الكثير من المتغيرات، التي تتطلب الدفع بالشباب في المناصب القيادية، جنبا إلي جنب مع الكبار، لأنه من الأخطاء التي ورثها المجتمع المصري منذ سنوات طويلة، أنه لا يتولي المناصب القيادية إلا كبار السن، وذلك يعد تكريما لهم، وعلي هذا فإذا تولي واحد من كبار السن منصبا قياديا، يظل فترة طويلة دون النظر للأجيال الشابة المبدعة، الأمر الذي كان سببا في كثير من المشكلات، ومن هنا دخلت الجماعات الإرهابية بين فئة الشباب، لنشر اليأس والإحباط وكذلك نشر أفكار متطرفة، من أجل السيطرة علي عقول الشباب الذي يعاني الإهمال والفقر والبطالة، ولذلك لابد أن تدرك الدولة ذلك، وتستفيد من هذه الأخطاء. التأهيل الجيد من جانبه قال الدكتور طه أبو كريشة، عضو هيئة كبار العلماء، إنه من الحقائق المقررة أن الشباب هم رجال المستقبل، الذين يقع علي عاتقهم القيام بالمسئوليات المتعددة، التي تؤدي إلي نهضة الوطن، ومن هنا فإنه لابد من إعداد الشباب وتأهيلهم تأهيلا متخصصا، يؤدي إلي أن يكونوا صالحين للقيام بهذه المسئوليات علي أكمل وجه، موضحا أن هذا الإعداد يضع علي عاتق المسئولين أمانة كبري نحو هؤلاء الشباب، بحيث يضعون لهم المناهج والوسائل المتعددة، التي تؤدي إلي اكتسابهم الخبرة، التي تؤهلهم لأداء هذه المسئولية في مستقبلهم، دون أن يكون هناك قصور أو خلل، فإذا نظرنا إلي هذا التأهيل، فإنه لابد أن يجمع بين التأهيل العلمي والتأهيل التدريبي، الذي يتصل بكل جانب من جوانب العلم . ضوابط واجبه وأشار إلي أن الضوابط التي تتعلق بهذين الأمرين، هي ضوابط لابد أن تحققها الدولة في شتي المجالات، ومن هنا فإن التأهيل العلمي، لابد أن يكون من خلال الكليات المتخصصة، التي تكون فيها العملية التعليمية علي أكمل وجه، من خلال الأساتذة المتخصصين الأكفاء، فإذا نظرنا للجانب الثاني وهو التأهيل التدريبي، لابد أن يكون ذلك مصاحبا للجانب العلمي، وأن يكون داخل البرامج التعليمة كجزء منها، ويترتب عليه النجاح الذي يكون بمثابة شهادة علي اكتساب الخبرة العملية، وفي الوقت نفسه فإلي جانب هذه الأمور، لابد أن يحرص المسئولون علي تجنيب الشباب الجوانب السلبية التي تؤدي إلي هدم البناء، إذا تركت هذه السلبيات دون القضاء عليها، وهناك سلبيات في المجتمع الذي يعيش فيه الشباب، تكون في الوسائل الإعلامية، وتكون أيضا في الملصقات الإعلانية، التي تقع عليها عيون الشباب، دون أن يتحقق فيها البعد عن دواعي الإثارة، وإذا قمنا بهذه الأمانة نحو الشباب، فهذا يعني حسن قيامهم في المستقبل بالأمانة التي نضعها بين أيديهم، وإذا لم نفعل ذلك نحوهم فهذا يعد خيانة للأمانة التي وضعت في أعناقنا نحو الشباب، وهي الأمانة التي ذكرنا النبي صلي الله عليه وسلم بها في الحديث الشريف « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته»، وكذلك قوله صلي الله عليه وسلم: « إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ». مواجهة الأفكار الهدامة وفي سياق متصل يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الدفع بالشباب في مواقع المسئولية يعد ضرورة في الفترة الحالية من تاريخ الوطن، مؤكدا أن ذلك يعد خط الدفاع الأول في مواجهة الجماعات الإرهابية التي غررت كثيرا بالشباب، وفي ظل الظروف الحالية أصبح الاعتماد علي الشباب ضرورة لتجاوز المحن والأزمات، لأن وجود شباب في مواقع المسئولية وفي المناصب القيادية، يعد اعترافا بقدرة الشباب ودورهم في بناء الوطن، لكن هذا لابد أن يكون من خلال ضوابط الكفاءة والقدرات المتميزة، لأن الشباب طالما بعدوا عن مواقع المسئولية، وكل ذلك جعل الجماعات الإرهابية المتشددة تستقطب هؤلاء، فالعدالة تقتضي أن يكون للشباب دور في الفترة الحالية، لأنهم الأكثر قدرة علي العمل والعطاء، والإسلام اهتم كثيرا بالشباب، وكان لهم دور كبير في نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عن الوطن، والأمة لا تنهض إلا بسواعد الشباب، والمؤكد أن الدولة بهذه الطريقة سوف تواجه الجماعات المتطرفة، التي دائما ما نشرت الأفكار المسمومة بين هذه الفئة المهمة من المجتمع، وبذلك نستطيع أن نوجه جهود الشباب في أمور تخدم الوطن، بدلا من النماذج السلبية التي غررت بها الجماعات الإرهابية، كما أن الاعتماد الفعلي علي الشباب سوف يوجد أجواء من التنافس والحماس والرغبة في اكتساب خبرات جديدة، وهذا سوف يوجد نماذج ايجابية تكون قدوة لغيرها .