تصدير الإرهاب.. هدم النسق الاجتماعي والثقافي.. تأكل الخصوصية الثقافية..طمس الهوية.. انهيار الإبداع.. تجريف اللغات وخاصة اللغة العربية.. تراجع الثقافة الرفيعة والقراءة لصالح أشكال ثقافية تعتمد علي لقطات سريعة ورسائل خاطفة يسهل من خلالها بث المعلومات الصحيحة أو الكاذبة وتوجيه البشر عبر شحذ أو تزييف وعيهم..قضايا فرضت نفسها علي الباحثين في كافة التخصصات بل ورجل الشارع مع تعاظم تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحديدا الانترنت التي باتت تشغل حيزا لا يُستهان به في حياة قطاعات متعددة من البشر في العالم. ومع إدراك تأثير هذه التقنيات وحلقات الوصل بينها وبين السياسة والاقتصاد والثقافة توالي ظهور دراسات وتباينت آراء المفكرين حول أثرها علي الفرد والنسق الثقافي والاجتماعي ، فظهرت دراسات تتهم تلك التكنولوجيات بتدمير الإبداع وبتعطيل وإعاقة الحريات فيما اعتبرتها دراسات أخري وسيلة للوصول إلي مجتمعات أكثر عدالة تتجاوز الاختلافات والانقسامات الداخلية وتفتح أبواب الحرية علي مصراعيها. في هذا السياق كتب د. بول ديماجيو مدير مركز دراسات المؤسسات الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة برنستون: «الإنترنت إصلاحي وتخريبي بالنسبة للثقافة الأمريكية، هو إصلاحي لأنه يوفر معلومات وطرق اتصالات ومناقشات أكثر. وهو تخريبي لأنه قلب الموازين القديمة، خاصة بالنسبة لإسهامات الفنون والآداب والصحف» و يستطرد موضحا بأن تأثير الإنترنت يختلف حسب النشاطات الثقافية فالانترنت لم يقض علي المسرح أو الباليه أو التمثيل وذلك لأن هذه نشاطات بشرية ، لكن الإنترنت غير قليلا من ثقافة المتاحف والمعارض بعد تأسيس مواقع لها علي الإنترنت وإن كان من المستحيل أن تكون بديلا عنها. كما غيّرت شبكة الانترنت ثقافة الإعلام والسينما والتليفزيون حيث يتم توفير إنتاجها، في الكمبيوتر (أو آيباد، أو آيفون) الخاص لكل شخص وإحصائيات الصناعات الإبداعية في الولاياتالمتحدة،توضح أنها ليست في طريقها للانهيار بسبب الانترنت ذلك أن النظام الإبداعي يمكن أن يزدهر في عصر الانترنت بشرط مواجهة التحديات . في ذات السياق علق د. جون تاليماديو، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا علي تعبير «ثقافة الإنترنت» موضحا أن ثقافة الإنترنت ليست نتاج الكمبيوتر. لكنها مُحصلة استخدام الكمبيوتر. وحيث إن الثقافة طبقا لتعريف عدد من المفكرين هي كل نشاط إنساني محلي نابع من البيئة وأنها تمثل المحيط الفكري الذي يعيش فيه الناس وفقاً لأنماط نابعة من ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، والبيئة الجغرافية أو بتعبير المفكر الأمريكي جون ديوي «محصلة التفاعل بين الإنسان وبيئته»، وحيث إن الانترنت وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات باتت جزءا من المحيط الذي نحيا فيه أظن أنه قد حان الوقت لنتأمل طبيعة الثقافة التي غزت مساحات من وعينا عبر الشبكة العنكبوتية . فبرغم أن الإنترنت مدت جسور الحوار بين الثقافات وخرجت بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية و تداعياتها الإنسانية والثقافية من نطاق المحلية المحدود وحققت التواصل بين المثقفين وأدت لظهور أسماء واشكال إبداعية جديدة وطرق نشر غير تقليدية، إلا أنها تحولت علي يد البعض عمدا أو عن غير قصد لأداة للهدم من خلال نشر الشائعات والتقليد الأعمى وتغييب الوعي.فقد حذرت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة من ظهور «لغة موازية» يستخدمها الشباب في محادثاتهم عبر الإنترنت، تهدد اللغة العربية وتلقي بظلال سلبية على ثقافتهم وسلوكياتهم واعتبرت أن اختيار الشباب ثقافة ولغة خاصة بهم لا يستطيع أحد فك رموزها غيرهم، تمرد على النظام الاجتماعي. كذلك أوضحت دراسة د. علي صلاح محمود «ثقافة الشباب العربي» أن طبيعة الإنترنت كوسيلة اتصال سريعة الإيقاع قد واكبتها محاولات لفرض عدد من المفردات السريعة والمختصرة للتعامل بين الشباب فتحولت حروف لغة القرآن لرموز وأرقام وباتت الحاء «7» والهمزة «2» والعين «3» وكلمة سعاد تكتب «so3ad» وكلمة you تكتب «u».. الخ. وقال «إنهم يؤلفون هذه اللغة كقناع في مواجهة الآخرين». عند هذا الحد أظن أن الاهتمام بصناعة ثقافة تواكب متغيرات الصراع في الفضاء الافتراضي وتؤكد هوية ثقافية تقوم علي ذاكرة جمعية وتاريخ ومعتقدات ورموز مشتركة، اعتبرها الباحثان الشهيران «جوزيف ستروبار ومانويل كاستلز» مصدا لتداعيات العولمة ولصراعات تتأجج في فضاء افتراضي ثم تنتقل لأرض الواقع ، قد بات فرض عين في زمن الحروب الرقمية والثقافات الدخيلة ... http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة