آثار مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد موجة من الانتقادات والاعتراضات خاصة من قيادات وأعضاء هيئة النيابة الادارية والتى انتهت برفض القانون واعادته مجددا الى مجلس الوزراء ، بينما يرى آخرون أن القانون جاء للقضاء على التسيب الوظيفى والترهل البيروقراطى وحماية المال العام ، فضلا عن ضبط اداء الموظف العام ، وتقديم الخدمات العامة للمواطنين فى أحسن صورة ، بينما يراه قيادات هيئة النيابة الادارية أنه جاء عكس ذلك. حيث تستعرض المستشار نجوى صادق نائب رئيس هيئة النيابة الادارية مسالب القانون قائلة " أنه كان من المأمول أن تهدف نصوص التحقيق والتأديب مع العاملين فى مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد الى مكافحة الفساد الادارى ، والى اسباغ مزيد من الحماية التأديبية عليه ، وكذلك أقرار حقوق الانسان القضائية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية والدستور المصرى بما يحقق ضمانات العدالة للعاملين المدنيين بالدولة التى تتفق وجسامة الاعباء الملقاة على عاتقهم ، ولكن تبين لنا قصور نصوص التحقيق والتأديب فى المشروع الجديد عن تلبية الاهداف السابقة فقد بات لزاما علينا من واقع معايشتنا اليومية لتطبيق نظام العاملين المدنيين للدولة رقم – 47- لسنة 1978 وما أسفرت عنه تحقيقات النيابة الادارية فى اكتشاف مواطن القصور والثغرات والمسالب التى أدت الى اهدارالمال العام واستشراء الفساد على النحو التالى : مخالفة الدستور أولا :أن نص المادة – 57- من مشروع القانون الجديد قد جاء مخالفا للدستور المصرى الصادر فى يناير عام 2014- حيث نصت المادة – 197- من الدستور على أن النيابة الادارية هيئة قضائية مستقلة ، تتولى التحقيق فى المخالفات الادارية والمالية وكذا التى تحال اليها ، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة لجهة الادارة فى توقيع الجزاءات التأديبية ، ويكون الطعن فى قراراتها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة، كما تتولى تحريك ومباشرة الدعاوى والطعون التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة ، وفقا لما ينظمه القانون، ويحدد القانون أختصاصاتها الاخرى ويكون لاعضائها كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لاعضاء السلطة القضائية وينظم القانون مساءلتهم تأديبيا، وتبين أن المشروع الدستورى أراد بالمادة السابقة النص الصريح على أن النيابة الادارية كهيئة قضائية تختص بتحقيق جميع المخالفات المالية والادارية دون قيد أو شرط مع تحصين هذا الاختصاص فى الدستور ليحميه من العبث التشريعى وبالتالى فأنه لايجوز أن تصدر أى قوانين بعد ذلك تقيد هذا الاختصاص أو تستثنى منه ،فاذا ما جاء نص المادة – 57- من مشروع الخدمة المدنية الجديد ونص على أن " تختص النيابة الادارية دون غيرها بالتحقيق الادارى فى المخالفات المالية التى ترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للوحدة، كما تتولى التحقيق فى المخالفات الاخرى التى تحال اليها، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة للسلطة المختصة فى توقيع الجزاءات، وللنيابة الادارية تلقى الشكاوى والبلاغات واحالتها للوحدة لاجراء شئونها وموافاة النيابة بما خلصت اليه فى هذا الشأن. وبذلك يكون النص السابق قد قيد اختصاص النيابة الادارية بالتحقيق فى المخالفات التى يترتب عليها ضرر مالى لايمكن أستقضاؤه ، وبالتالى يكون هذا النص قد آتى بقيد على خلاف النص الدستورى الذى أطلق اختصاص النيابة الادارية بتحقيق المخالفات المالية بدون قيد أو شرط مما يوصم هذه المادة بالعوار الدستورى وتستطرد المستشار نجوى صادق قائلة ثانيا: آن نص المادة 57من المشروع يؤدى الى الاخلال بتنفيذ اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد والتى كانت مصر من أوائل الدول المصدقة عليها فى عام 2005 . لانه لما كانت هذه الاتفاقية تنص فى البند رقم 4 من المادة الثامنة على آن تنظر كل دولة طرف وفقا للمبادئ الاساسية لقانونها الداخلى فى إرساء تدابير ونظم تيسر قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد عندما يتنبهون الى مثل هذه الافعال أثناء إداء وظائفهم. فإذا ما أتى نص المادة 57 من المشروع واشترط ثلاثة شروط تتضمن 1- أن تقوم الجهة الأدارية بإجراء تحقيق أولى تقدر فيه وفقا لمعاييرها وأهوائها إذ كانت المخالفة ترتب عليها ضرر ماليا من عدمه ، 2- أن هذا الضرر قد تحقق بالفعل 3- وأن هذا الضرر المالى لايمكن "استئداؤه " وهو شرط يتعذر تحققه أصلا ، فيكون بذلك نص المادة -57- من المشروع قد أدى الى عرقلة إبلاغ النيابة الإدارية بأفعال بالمخالفة للاتفاقية المذكورة.
إهدار المال العام
ثالثا :أن نص المادة -57 - من هذا المشروع يؤدى الى استشراء الفساد الحكومى وإهدار المال العام لقصور الحماية والرقابة اللازمتين على المال العام ، فبدلا من أن يعمل المشروع على توسيع اختصاصات النيابة الإدارية لأن هذا هو السبيل الوحيد لحماية المال العام ومكافحة الفساد الإدارى لجا لنص المادة 57 من المشروع الى تقليص إختصاص النيابة الإدارية الوجوبى بمخالفات الاموال العامة، والذى سبق وأن قرره المشرع فى المادة 79 مكرر من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 الحالى والذى ينص على إن تختص النيابة الإدارية دون غيرها بتحقيق المخالفات التى يرتكبها شاغلو الوظائف العليا ومخالفات ضبط الموزانة العامة والمخالفات التى يترتب عليها ضرر مالى للدولة ، فجاء نص المادة 57 ليسلب الاختصاص الوجوبى للنيابة الإدارية بتحقيق مخالفات ضبط الموازنة العامة بحذفها صراحة من النص ويعرقل إبلاغ النيابة الادارية بالمخالفات التى يترتب عليها ضرر ماليا بأيراد شروط صعب تحققها لإبلاغ النيابة الادارية. الامر الذى يؤدى الى حجب النيابة الادارية عن كشف مواطن الانحراف والعبث بالمال العام وأستشراء الفساد فى الدولة فيكون فى ذلك قصور كبير فى نطاق الحماية التأديبية للاموال العامة التى تقوم جنبا الى جنب مع الحماية الجنائية ، فلا معنى أن تفرض الدولة رقابتها على الاموال العامة ، ويكشف الجهاز المركزى للمحاسبات عن المخالفات الجسيمة التى تهدر المال العام ، ثم يترك التحقيق فى هذه الامور وتقديرها الى ذات الجهة التى ارتكبت بها المخالفة. لتقود التحقيق الى مسالك تطمس الحقيقة وتحمى كبار الموظفين بها، بل أكثر من ذلك فأنه فى الابلاغ الوجوبى للنيابة الادارية عن هذه المخالفات ضمانا للحماية الجنائية على المال العام عن طريق قيام النيابة الادارية بابلاغ النيابة العامة ، عما يتكشف لها أثناء تحقيقاتها من جرائم الاعتداء على هذه الاموال والتى كثيرا ما يحجم القائمون بالسلطة فى الجهات الادارية عن الابلاغ عنها.