رغم أن الحديث عبر عشرات السنوات حول الملف السيناوى يأخذ طابعا مغايرا من رئيس إلى آخر، ومن حكومة إلى أخري، فإن فصل الخطاب فى أرض الفيروز هو النهوض بها وتنميتها وإعمارها بشكل يقوم على خطط واضحة وواقعية يشعر بها الاهالي، فبدون إعمار وتنمية لا يمكن مواجهة الفكر المتطرف والارهاب المختبئ تحت أنفاقها . لذلك نتساءل: إلى متي؟! وكيف؟ وما الخطوات الضرورية الملحة الضاغطة لتنمية سيناء وتطهيرها بشكل نهائى من الارهاب؟ علامات استفهام مصيرية نطرحها فى هذا التحقيق.بداية أعرب عبد الله جهامة رئيس جمعية مجاهدى سيناء والبرلمانى السابق عن حالة الترحاب والأمل التى غمرت أهالى سيناء بعد القرارين اللذين اتخذهما الرئيس عبد الفتاح السيسى بتخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه لتنمية وإعمار سيناء، وتكليفه للفريق أسامة عسكر بمهمة محاربة الارهاب هناك، فقد كان الامل كما يقول شبه مفقود فى ظل التباطؤ الشديد فى خطوات التنمية لشبه الجزيرة على مدى عقود طويلة، وكانت الاهالى تشعر بذلك جيدا، لدرجة ولدت لديهم قناعة بأن التنمية لن تتحقق، لذلك ما فعله الرئيس السيسى يعبر عن تقديره لمطالب أهالى سيناء والنظر إليها بعين الاعتبار، خاصة أن مطلب التنمية كان من أول مطالبنا له عند ترشحه للرئاسة.ويضيف جهامة قائلا: أرض سيناء تعطرت بدماء أبناء مصر، وأبناء مصر أيضا هم من يجب أن يعمروها ويقيموا التنمية والإعمار بها، من خلال المشاريع العملاقة، فمثلا مساحة الأراضى التى من المفترض استصلاحها حول ترعة السلام 80 ألف فدان، فما المانع من تخصيص ألف فدان لكل محافظة من محافظات مصر توزعها بمعرفتها على شبابها ليتجه شباب مصر إلى سيناء، مع تذليل جميع العقبات لهم، بخلاف عودة 25 الف فدان لأبناء سيناء ضمن هذا المشروع خاصة أن هذه المساحة من الاستصلاح تم إلغاؤها من مسار الترعة التى حفرت لهذا الهدف .وأوضح جهامة أن هناك مشروعا آخر سيعود بالنفع والخير لو تم شق ترعة امتداد لترعة الإسماعيلية تخدم وسط سيناء، خاصة أن هناك ما لا يقل عن 5 ملايين فدان على طول هذا المسار بما يسمح بانتقال ما لايقل عن 4 ملايين من أبناء المحافظات إلى شبه جزيرة سيناء. وأشار إلى أن ما يدعو للأسف هو أن دور الجهاز الوطنى لتنمية شبه جزيرة سيناء مجرد إشراف ، لذلك طلبنا من الرئيس السيسى عند ترشحه للرئاسة تحويل هذا الكيان إلى وزارة لتنمية سيناء بجانب إنشاء محافظة بوسط سيناء، والأهم تأكيدنا ضرورة تولى القوات المسلحة محاور التنمية فى سيناء، ولو لفترة محدودة حيث الجدية، والانضباط فى العمل والتنفيذ لما شاهدناه عندما تم تخصيص 1.6 مليار جنيه لإنشاء الطرق، والوحدات السكنية، والمستشفيات، ومراكز الشباب ، وكان العمل يجرى على قدم وساق.
وأكد جهامة أن التنمية فى سيناء مطلب ضرورى للحفاظ على الأمن القومى المصرى ، فالإعمار ، والاستثمار فى هذا الجزء من أرض مصر هو النواة الحقيقية لأى مجتمع قادم قائلا: لقد مضى اكثر من ثلاثين عاما من الكلام عن اعمار سيناء، والمطلوب تنفيذ هذا على وجه السرعة بمخطط لتنمية وتعمير شامل لسيناء، وجعلها بالكامل منطقة جاذبة للاستثمار، والايدى العاملة، مع تشجيع المساهمة الشعبية فى تنميتها، وإيجاد نماذج مبتكرة من التمويلات، وحل مشكلات الملكية وحق الانتفاع فى اراضى سيناء، مع احترام كامل لاهلها باعتبارهم مصريين كاملى الوطنية ومراعاة تقاليدهم وعاداتهم القبلية.
فى سياق آخر يرى اللواء حمدى بخيت المحلل الإستراتيجى والعسكرى أن واقع التنمية فى سيناء مرتبط بكونه أحد أدوات الحرب على الارهاب لأن التنمية هى التى تخلق مناخا أفضل، إلى جانب الاهتمام بالتعليم الذى يرفع من قيمة قدرات الفرد ووعيه وقدرته على التفكير، وبالتالى ننشئ مواطنا لا ينجذب للجماعات الإرهابية، ويملك القدرة على مواجهة تهديداتها بقوة وإرادة دفاعا عن أرضه، ومن ثم لا يلجأ إلى مصادر رزق مشبوهة نتيجة لارتفاع مستوى وعيه، ومشاركته فى تنمية أرضه.
وأوضح بخيت قائلا: القيمة الأخرى المتمثلة فى قرار الرئيس السيسى تكمن فى أنه استكمال لواجب كنا بدأناه فى اكثر من عهد مضي؛فأيام الرئيس السادات كانت القدرات الاقتصادية غير كافية، وبدأناها فى عهد مبارك.. ونفذت الدولة 98% من التزاماتها وبالتالى كل الجهود التى تمت فى التنمية جهود الدولة لكنها لا تكفي، والقطاع الخاص لم ينفذ سوى مصنع أسمنت وجامعة، لذلك على هذا القطاع أن يسلك نفس طريقة الدولة بتكوين رؤية صحيحة لدعم الاتجاه العام المطالب بالتنمية مع توزيع الاستثمار على كل بقاع الدولة خاصة الأماكن التى تحتاج لهذا الاتجاه بشدة مثل سيناء، والصعيد، والوادى الجديد.
واشار بخيت الى ان الميزانية المطروحة من الرئيس السيسى سوف تستخدم فقط فى اقامة البنية الاساسية، وتمهيد الطرق وتوصيل المرافق، اما التنمية الحقيقية هناك فلابد ان تعتمد على القطاع الخاص بما لديه من امكانات قادرة على استغلال المزايا الموجودة داخل سيناء، مضيفا انه على الدولة توفير البنية الاساسية المتاحة وتأمين المنطقة لجلب المزيد من الاستثمارات، واقامة المصانع كثيفة العمالة لاستيعاب سكان المنطقة، وطرق ووحدات سكنية كبيرة ومدارس وجامعات، مع توافر الخدمات العامة، لتكون عوامل جذب للمستثمرين واقامة مشروعاتهم بالمنطقة.
ويضيف قائلا: لكن فى عهد مرسى تم تخصيص رقم هزيل لتنمية سيناء تمثل فى مليار جنيه مصري، لذلك افتقدت سيناء لاى نوع من أنواع التنمية، لذلك أعتقد أن الرقم الذى خصصه الرئيس السيسى 10 مليارات جنيه مصرى لابد أن توجه للتجمعات السكانية الحالية وإنشاء البنية التحتية الصحيحة لهذه التجمعات حتى تكون جاذبة لسكان الوادى للانتقال إلى سيناء التى تستوعب أكثر من 8 ملايين نسمة يمكنهم العيش والعمل والإنتاج ، وهذه الأشياء تأتى تراكمية.
ويستطرد بخيت قائلا إن تنمية الانسان صحيا ، وتعليما ، وتثقيفيا هى أساس أى تنمية مرغوبة على أرض الواقع لانها تجعله قادرا على تحمل المعوقات الموجودة .
واتهمت الدكتورة هدى زكريا استاذ علم النفس السياسى والعسكرى اتفاقية كامب ديفيد بأنها السبب وراء تعطيل حركة التنمية فى سيناء، قائلة إنها كانت اتفاقية مجحفة لمصر حيث لم تسمح بدخول الجيش او الاسلحة إلا بنسب محدودة وفى اماكن محددة دون غيرها، فضلا عن انها ادت ايضا الى نحر الانتماء حيث انها تدخلت فى المناهج الدراسية واستطاعت ان تمنع ما تريد منعه وتسمح بما يتناسب مع شروطها وعدم تهديد مصالحها، ووصل الامر الى اقناع القيادة وقتها بمنع اذاعة الاغانى الوطنية التى تلهب الوجدان بحجة انها تحفز على الحرب، وبالفعل تم منع اذاعة اكثر من 1250 أغنية وطنية منذ عام 1977 .
واشارت الدكتورة هدى الى نقطة اخرى وهى انه دائما عقب الثورات تجد هناك اطماعا من دول اخري، مشيرة الى انه قد آن الأوان لكى نخوض معركة وجودنا فى سيناء، ليس عسكريا فحسب، بل من خلال تشجيع المصريين على كل المستويات على العيش فى سيناء والعمل هناك، بحيث تصبح سيناء عامرة بشعبها الطيب الشريف، خاصة أن هناك الاف الشباب ممن يعانون مرارة البطالة وعدم القدرة على ايجاد عمل، فما المانع من توفير فرص عمل لهم هناك تساعدهم على الاستقرار وتعمير المكان، وهذا اساس التنمية الحقيقية، وعلى الرئيس السيسى ان يتعامل لتحرير سيناء بصفته الفاعل العسكرى الثقافى التنموى الاجتماعى لاحتواء سيناء مرة أخري.