ربما كانت هذه هى المرة الأولى التى تمتلئ فيها قاعة الندوات الرئيسية بمعرض الكتاب عن آخرها، فحتى الوقوف كانوا يجدون لأقدامهم فى القاعة مكانا بصعوبة شديدة. الجميع كانوا فى انتظار الشاعر السورى أدونيس الذى غاب عن مصر قرابة عقدين، وعاد اليوم ليحدث الناس عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، ويصارحهم بآرائه فى عدد من قضايا الثقافة العربية..قدم للقاء الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب قائلا: «أدونيس عاد الى مصر بعد أكثر من 20 عاما من الغياب»، مشيرًا إلى أنه من أكثر الشعراء تأثيرا فى الشعر العربى الحديث.وبدوره، اعتبر أدونيس أنه اذا ذهبت مصر ذهب كل العرب. وعبر فى اللقاء عن آرائه الجريئة عن الثقافة وعلاقتها بالدين، منتقدا الثقافة العربية بصفة عامة، حيث قال إن ثقافتنا لا تعلمنا إلا الكذب والنفاق. واستشهد على ذلك بأن المثقف فى حياتنا العملية لا دور له على الرغم من الجهود التى قد يكون يبذلها. وقال: إننا نعيش فى عالم ونفكر فى عالم آخر.. نعيش فى زمن الثورات ونرفض بعضنا البعض. و كل منا يفكر بأن الآخر هو المخطئ. و قال إن أدبنا العربى لا يوجد به أدب اعترافات، لأننا فى العالم ا لعربى لدينا اعتقاد بأننا نولد ونكبر ونموت ونحن معصومون من الخطأ..وعن الثورة قال أدونيس، إن الثورة الحقيقة هى أن نثور على أنفسنا, ودون ذلك سنظل نأكل بعضنا البعض. وقال إن الرقابة فى عالمنا العربى هى جزء عضوى منا، و هو ما لا يحدث فى أى مكان فى العالم. و قال: أنا أستطيع أن أضرب مثالا على ذلك بنفسي: فأنا لا أستطيع أن أقول ما أفكر فيه، وإذا قلت فأقول بعضا منه لا كله، وهذا لو حدث يكون فى غرفة مغلقة على عدد محدود من الأصدقاء.وكان من بين أهم الرؤى التى طرحها أدونيس فى هذا اللقاء ضرورة تأسيس اتحاد عربى تكون مهمته هى قراءة الموروث الدينى والتاريخي، موضحا أن هذه هى مهمة أنظمتنا العربية التى تبدو متناقضة فيما بينها، لكنها على كل حال تدعى أنها تقف على شاطئ واحد وهو المحاربة ضد الإرهاب، ولكن فى الحقيقة لا تمتلك مشروعا مفهوما للقيام بذلك. وقال إنه ليس بإمكاننا تجديد الخطاب الديني، ولكن يمكننا أن نغير مفهوم الدين، مشيرًا إلى أننا لا نجد أديبا وشاعرا وفيلسوفا عظيما، ولكننا نجد فقهاء ليست لديهم ابتكارات جديدة حيث إنهم يقلدون القدامي. و قال إن الإسلام رسالة لا دولة.. وأوضح أن الغرب يكذبون ويتجملون عندما يرددون عبارات مثل: أن الأفعال الإرهابية لا تنتمى إلى الإسلام، فهم فقط يسايروننا. وقال: لا أتجرأ أن أنطق أمامكم بما يقولونه عن الإسلام. وقال أيضا إن مصر وسوريا ولبنان والعراق، هى المناطق التى أسهمت فى صنع الحضارات الكبري، ونحن الآن مسئولون أمام هذه الدول وإننا أوصلناها إلى نقطة نهاية الحضارات، معتبرا أن الحروب العربية لم تتوقف منذ 14 قرنًا، ولم يتوقف ما يسمى الإرهاب، وإرهاب اليوم ما هو إلا تنويع جديد لإرهاب الماضى الذى يحفل به تاريخنا (على حد قوله)، مشيرا إلى أن تاريخنا هو دائما تاريخ السلطة.