تتشابك وتتعقد الأزمة الليبية يوما بعد الآخر, ولم ينجح الحوار الوطنى الذى انعقدت جلسته الأولى فى التوصل إلى مسار سياسى توافقى جديد ينهى الأزمة المستعرة منذ سنوات. ومن الطبيعى فى ظل غياب أرضية مشتركة بين كافة أطراف الأزمة حول شكل العملية السياسية, وفى ظل استمرار القتال والمواجهة, فمن الصعب التوصل إلى نتائج إيجابية, مع غياب الإرادة السياسية الحقيقية من جانب كل الأطراف لإنقاذ البلاد ومنع انزلاقها إلى وضع الدولة الفاشلة التى تغيب فيها السلطة المركزية الواحدة القادرة على فرض الأمن والنظام ووقف أعمال القتل والتدمير, مع وجود حكومتين وبرلمانيين وعشرات الجماعات المسلحة التى تتنازع الشرعية واحتكار تقرير مستقبل البلاد. وبداية فإن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا بأيدى الليبيين أنفسهم, وتوافر الرغبة والنية لدى كافة الأطراف فى تغليب الحوار والتفاهم على الصراع والقتال, حيث أثبتت التجربة فى ليبيا وغيرها من الدول العربية, التى تشهد صراعات مسلحة, أن الحل العسكرى لن يحسم أى صراع أو يرجح كفة طرف على الآخر بما يمكنه من فرض الأمر الواقع. وأن المحصلة النهائية هى استمرار حالة النزيف الدموى وتعطيل نمو البلاد فى اتجاه تحقيق الديمقراطية والحرية والتنمية التى قامت من أجلها ثورة 17 فبراير وما زالت متعثرة. ولذلك فإن مقومات نجاح الحوار الليبى قبل انعقاد جلسته الثانية من أجل إنهاء الأزمة الليبية يتطلب عدد من الأمور: أولها: تخلى كافة الأطراف عن منطق المباراة الصفرية وأن يكون هناك اقتناع لدى كافة الأطراف أنه لا مفر من التعايش بين الاختلافات السياسية والأيديولوجية والدينية فى وطن احد يستوعب الجميع, وأن يكون التنافس بينها على نمو وتطور وتقدم ليبيا وليس من خلال كل طرف فى القضاء على الطرف الآخر مما يطيل من أمد الأزمة ويعقدها, ولذلك يجب إلغاء قانون العزل واستيعاب الجميع فى العملية السياسية وإعادة والمعارضة السياسية فى الخارج. وثانيا: يجب أن يكون هناك اتفاق بين الجميع على نبذ العنف والإرهاب والقتل والتدمير وأن يكون حل الخلافات والاختلافات عبر الحوار السلمى الوطنى فى إطار إعلاء مصلحة البلاد العليا على أى مصالح أو اعتبارات فئوية أو جهوية أو دينية, وأن يكون الدم الليبى خطا أحمر لكل الليبيين على اختلافاتهم المتعددة. ومن هنا فإن من المهم أن تشارك جميع الفصائل الليبية فى جلسات الحوار الوطنى وإنهاء الاستقطابات الحالية, مع نبذ وعزل كل من تلوثت أيديهم بالدماء والإرهاب والقتل, وفى إطار مصالحة ليبية شاملة تعيد اللحمة الوطنية لكل أبناء المجتمع. وثالثا: من المهم أن يكون هناك وقف كامل لإطلاق النار والاقتتال بين الفصائل المختلفة من أجل نجاح الحوار الوطنى, وأن تكون هناك عقوبات صارمة ضد من ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار, لأن عدم التزام طرف بالتهدئة كما حدث بعد الهجوم على المصرف المركزى ببنغازى, من شأنه أن يفشل الحوار ويجعه هشا وينهار أمام أى عقبة. ورابعا: أن يرتكز الحوار على رؤية واضحة وشاملة تكون بمثابة خريطة طريق لشكل ومستقبل ليبيا من خلال إنهاء الوضع الهلامى الحالى فى تعدد السلطات التشريعية والتنفيذية والمسلحة, من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الطيف السياسى الليبى, تكون مهمتها الأساسية استعادة مفهوم الدولة وبسط سيادتها وقانونها على كافة أجزاء التراب الليبى, والإشراف على استكمال المرحلة الانتقالية, وكتابة الدستور الجديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تؤسس لوضع سياسى دائم فى البلاد, مع نزع أسلحة كافة المليشيات والفصائل فى ليبيا, وجعل السلاح فى يد واحدة هى الجيش والشرطة الليبية لتكون قادرة على فرض النظام والقانون والدفاع عن المؤسسات الشرعية للبلاد, وعن حدودها الخارجية ضد عمليات التسلل للأفراد والأسلحة, إضافة إلى محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة المسلحة. وخامسا: أن تولى الحكومة الجديدة أولوية قصوى لعملية التنمية الاقتصادية ودفع الاقتصاد الليبى للقضاء على مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل لأفراد المليشيات المسلحة فى مختلف المدن الليبية, والتى تشكل لغما كبيرا أمام الحل السياسى وتمثل تحديا لهيبة الدولة. وفى ظل بلد يحظى بموارد نفطية هائلة وعدد قليل من السكان فإن تحقيق التهدئة والحل السياسة شرط ضرورى لتوظيف موارد البلاد وانطلاق عملية التنمية والتقدم. وسادسا: فإن نجاح الخروج من الأزمة الليبية يتطلب وقف كافة أشكال التدخل الخارجى والأدوار المختلفة التى تغذى هذا الطرف أو ذاك, مما يعقد الأزمة ويصعب التوصل إلى حل توافقى, ومن المهم أن يكون الدور الخارجى سواء من الأممالمتحدة أو الأطراف الأخرى فى اتجاه تكريس التوافق وليس تضخيم الفوارق وزيادة حدة الاستقطاب. وبالتالى فإن انعقاد الحوار الوطنى خطوة إيجابية رغم العقبات التى تواجهه, إلا أنه ليس غاية فى ذاته, ومن المهم أن يقتنص أبناء الشعب الليبى هذه الفرصة للخروج من حالة الضبابية التى تعيشها البلاد بعد ثورة فبراير, وأن يتعلم الجميع دروس السنوات الماضية, وبدون ذلك فإن ليبيا سوف تسير فى طريق المجهول. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد