رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "الدورة 46 من معرض القاهرة الدولى للكتاب تقرر إقامتها فى الفترة من 28 يناير حتى 12 فبراير 2015، والمملكة العربية السعودية ضيف شرف". قفزت تلك الرسالة القصيرة على شاشة تليفونى المحمول لتدخل السعادة فى نفسى، فمعرض الكتاب بالنسبة لأهل الكتابة والثقافة والفكر يعد بمثابة "مولد" سنوى يجمعهم لمشاهدة الجديد فى مجال عملهم وإهتمامهم. ويعد معرض القاهرة الدولى من أكبر معارض الكتاب فى الشرق الأوسط، وقد بدأ فى عام 1969، فى عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة، وبمعاونة من الكاتبة والباحثة سهير القلماوى التى أشرفت على إقامة أول معرض للكتاب. وفى البداية كان المعرض يقام فى أرض المعارض بالجزيرة التى تحولت فيما بعد إلى مقر لدار الأوبرا المصرية الجديدة. فانتقل المعرض إلى أرض المعارض بمدينة نصر. وعلى الرغم من مرور البلاد بثورتين متتاليتين وبحالات من الإضطراب السياسى، فإن الإقبال على معرض الكتاب لم يتراجع إلا قليلا. ففى عام 2014 كان عدد الدول المشاركة 14 وعدد الأجنحة 36، أما هذا العام فإن الدول المشاركة 26 دولة وعدد الأجنحة 48، منهم 19 دولة عربية وأفريقية و7 دول أجنبية، وعدد الناشرين 850 ناشرا منهم 50 ناشر أجنبى، و250 ناشر عربى، و550 ناشر مصرى. وقد ذكرنى ذلك بكم زوار المعرض كل عام والزحام الشديد الذى كان يحدث فى المعرض نتيجة تزاحم زواره من المصريين على متابعة كل ما هو جديد فى عالم الكتاب وشراء كتب جديدة ومتابعة العروض الفنية والندوات الفكرية والنقدية التى يتم تنظيمها على هامش المعرض. ولكن هذا التكالب الجماهيرى على معرض الكتاب ذكرنى بسؤال هام يلح دائما : هل تستفيد الجماهير حقا من المعرض؟ وتأتى الإجابة بنعم. فالإستفادة من شراء الكتب المخفضة والإطلاع على الجديد منها يعد فى حد ذاته مكسبا لا ريب فيه. ولكن ذكرنى ذلك بمجموعات كبيرة من الأشخاص الذين يجتاحون جنبات المعرض سنويا وهم يرتدون الجلابيب وتبدو عليهم ملامح التطرف أو التشدد الدينى على أقل تقدير. كما ذكرنى بأنهم كانوا يسارعون إلى شراء كتب وموسوعات كاملة يحملوها بعيدا عائدين للأقاليم أو للمناطق النائية التى أتوا منها. والسؤال الآن : هل إستفاد هؤلاء من كميات الكتب الهائلة التى كانوا ينقضون عليها سنويا؟ وتأتى الإجابة للأسف ب "لا". فلوأن أعداد الجماهير الغفيرة قد إستفادت من الكتب المعروضة وقرأت ما بها بشكل جيد لما كانت مصر أو أيا من الدول العربية المحيطة قد تأثرت بعمليات التلاعب الغربى بعقول البسطاء من الجماهير العربية قبل دفعهم إلى تدمير بلادهم نتيجة الجهل وسوء الفهم على كافة المستويات. لقد كان "اقرأ" هو أول أمر إلهى نزل به الملاك جبريل على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسؤل الهام هو : هل قرأ أحد من كتب المعرض بالدرجة التى أفادته شخصيا وأفادت أسرته ووطنه؟ وهنا يبرز أمر هام يتعلق بأهداف القراءة. فالقراءة لها أهداف وظيفية : كمن يقرأ فى صلب تخصصه وطبيعة عمله. وأهداف تطويرية : وهى قراءة ما يصقل الشخصية ويعزز المواهب. وأهداف ثقافية ومعرفية : مثل القراءة العامة للمعرفة والإطلاع وزيادة المخزون الثقافى. وأهداف ترويحية : إن كان المقروء من النوادر والحكايات الطريفة والأعاجيب. وهناك أهداف واقعية : مثل سلاسل كتب "علم نفسك بنفسك". ولكن فى العالم العربى بوجه عام وفى مصرنا الحبيبة على وجه الخصوص بدا لى أن هناك من يحصل على الكتب لأغراض الوجاهة أو قد يكون من ضعاف النفوس ممن يملى عليهم آخرون ما يتحتم عليهم شراؤه من كتب ثم ما يفكرون فيه قبل أن يتحكموا فى تفضيلاتهم وحياتهم. وهو ما يعد أقصر طريق لصناعة متشدد أو متطرف ممن يتم تحويلهم إلى قنابل موقوتة لتدمير أنفسهم ومجتمعاتهم وبلادهم. ويدفعنا ذلك إلى التأكيد على أهمية تحقيق الإستفادة الحقيقية من معرض الكتاب فى إنتاج وتغذية عقول صالحة لدى مواطنين قادرين على خدمة مجتمعهم ووطنهم وهذا هو السر الحقيقى لمعرض الكتاب. دارت تلك الأفكار فى ذهنى، فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ