فى غضون هذا الشهر نحتفل بالذكرى التاسعة والثمانين لميلاد المخرج العبقرى يوسف شاهين الذى أثرى عالم السينما بأعماله المهمة المحفورة فى تاريخ السينما المصرية والعربية ،ونظراً لتكوين شاهين الفطرى وميله لتعلم أصول الفنون المكونة لفن السينما ومنها الموسيقى فنجد إبداعاته زاخرة بدرر موسيقية داخل أفلامه، حيث تعامل شاهين مع معظم المؤلفين الموسيقيين الموجودين على الساحة خلال مسيرته الممتدة من مشارف النصف الثانى من القرن العشرين بداية بفيلمه «بابا أمين» عام 1950 ووصولاً بآخر أفلامه «هى فوضى» عام 2007 . .ونلحظ أن الموسيقى جزء لا يتجزأ من عالمه السينمائى ،فعند إرهاصة شاهين فى تكوين مشهد سينمائى يستمع داخلياً إلى موسيقاه قبل أن يضعها المؤلف الموسيقى الذى يتعاون معه ،لذلك كان شديد الصلة والتقارب مع مختلف الموسيقيين الذين صنعوا موسيقى أفلامه ،الذى اختارهم بعناية فائقة ؛إذ شارك العديد منهم فى رؤاهم الموسيقية إلى حد الإيحاء ببعض الأفكار اللحنية. وكان اهتمامه بالموسيقى الكلاسيكية الغربية واضحاً فى بعض أفلامه مثل استخدامه الرابسودية الزرقاء للبيانو والأوركسترا للمؤلف الأمريكى جيرشوين فى فيلم «حدوتة مصرية»، وأيضاً كونشيرتو الأوركسترا للمؤلف المجرى بيللا بارتوك فى فيلم «الاختيار» وغيرها، بالإضافة لقدرته على تقديم بعض أيديولوجياته الفلسفية من خلال الكادر بالتعاون والتآزر مع الموسيقى ليحقق بعض النقاط الفلسفية الجمالية ويصل إلى حد الكمال من أجل الوصول إلى عقل وقلب المشاهد. وقد ارتبطت بعض أفلام شاهين ارتباطاً وثيقاً بالموسيقى والغناء كما فى فيلم «عودة الابن الضال» حيث لعبت الموسيقى والغناء دوراً رئيسياً فى فيلم شديد القتامة والمأساوية ،وكثيراً ما كان يتعامل شاهين مع أفلامه وكأنها سيمفونية موسيقية ذات حركات أو أجزاء تتباين ما بين القوة والرقة ثم تتفجر الحركة الأخيرة فى نهاية درامية عالية وهذا ما ظهر فى كثير من أفلامه وفى مقدمتهما فيلم الأرض لما فيه من تناغم موسيقى جلى بشكل لافت للنظر، والمدهش أنه عندما أخرج أفلاماً موسيقية كما فى فيلم «انت حبيبى» لفريد الأطرش أدخل الدراما إليه بنفس الطريقة التى أدخل فيها الموسيقى إلى الأفلام الدرامية التى يخرجها ؛ أما فيلم «المصير» رغم سوداوية الموضوع وجدية التعامل مع فيلسوف مثل ابن رشد استطاع يوسف شاهين أن يُدخِل الموسيقى كعنصر درامى توجه الحياة السياسية وأحياناً تُغير من مصير واتجاه الأبطال كما فى أغنيته الشهيرة «على صوتك»، وهذا يجعلنا نشير لنقطة مهمة وهى المطرب محمد منير الذى يمثل حالة خاصة بالنسبة لشاهين حيث تعاونا معاً فى أكثر من فيلم بداية ب «حدوتة مصرية» وتبعه «اليوم السادس» ثم المصير، وهذا يؤكد أن الموسيقى جزء لا يتجزأ من عالمه السينمائي، أما عن عشقه لأم كلثوم فكان لها أثر درامى قوي على أفلامه حيث يضع بعض مقاطع من أغنياتها فى تضافر داخل سياق عمله السينمائي.. ويتجاوز مفهوم الموسيقى فى عالم شاهين السينمائى الى افاق اكثر رحابة فى تجاربه الاخرى..