تكتب الشعر ورسائل الحنين.. ترسم المرافىء فى بحر الرواية والقصة.. تسرد عوالم من الحروف والكلمات.. يغريها الأفق المفتوح بالإبحار، فتبحر فيه بحثاً عن ذاتها. بعد مجىء الإسلام، انطلقت مسيرة المرأة في الأدب العربي مع رثاء الشاعرة الخنساء لأخيها صخرا وأولادها. وبمرور السنين، كثيرات من بنات حواء لمعت اسماؤهن فى سماء الأدب واثبتن موهبة حقيقية فى الكتابة، بدءاً من نازك الملائكة ومي زيادة.. وصولاً إلى رضوى عاشور ونوال السعداوي، وغادة السمان، وأحلام مستغانمي ومرام المصري. سيدات قدمن أعمالاً أدبية خالدة، على أثرها ظهرت تعبيرات «الأدب النسائي» و«أدب المرأة».. وباتت كلها تشكل مرجعية للقراءة. فى هذا السياق، تقول الشاعرة والروائية سهير المصادفة: هى مرجعية ذكورية، مَن أطلقها هم المهيمنون على الساحة النقدية طوال القرن العشرين، أطلقوها من أجل تكريس المزيد من عزلة المرأة الكاتبة، لمحاولة ايهامها بأنها دخيلة على حقل الكتابة. والمدهش أن الكاتبات وقعن فى الفخ وكرروا هذه المقولات دون أن ينتبهن لخللها. ولكي نطلق على ما تكتبه المرأة «أدب نسائي»، يجب أن نطلق على ما يكتبه الرجل «أدب رجالي»، مما يثير السخرية. فيما يرى دكتور رمضان البسطويسى أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس أن الأديب انسان -كان رجلا أو امرأة- له رؤيته الخاصة للوجود والحياة. وما قدمته الكاتبة رضوى عاشور -مثلا- فى رائعتها «ثلاثية غرناطة» لا يختلف عن كتابات ادباء رجال. بل إنها تفوقت على الكثيرين فى تقديم رؤية انسانية شاملة ونجحت من خلال روايتها أن تربط بين عدة قضايا هامة منها ضياع الوطن وأزمة الإنسان المعاصر. معتبراً أن ظهور تعبيرات شأن «أدب المرأة» هو نوع من مواجهة ترسيخ طريقة معينة للكتابة يؤدى بها إلى أن تصبح «سلطة». وهناك رجال قد تمردوا على هذه «السلطة»، مثل نزار قبانى الذى اختار صوت الأنثى فى تقديم أشعاره. أقلام واعدة من جانبها، تشير المصادفة إلى أن المرأة كانت حاضرة فى الأدب العربى منذ القدم، فهي الشاعرة والساردة وناقلة الأحاديث. أما تدوين انتاجها فقد تأخر لحبسها طويلاً فى الحرملك بل ثمة شبهات حول الاستيلاء على إنجازها أثناء محبسها الطويل. وتسترسل: الآن، ليس فى العالم العربى فقط وإنما فى كل العالم، الكاتبة تحتل مكانة كبيرة فى المشهد الأدبى. ويشهد العالم العربى صعودًا كبيرًا على مستوى الكم والكيف. يوافقها الرأى البسطويسى، مؤكداً أن لدينا اليوم أقلاما واعدة جادة فى الإمارات مثل نجوم الغانم وظبية خميس.. وفى مصر يوجد اسماء عديدة مثل رضوى عاشور، ولطيفة الزيات، وفتحية العسال، وعزة رشاد، ونجلاء علام، وهويدا صالح. جيل اليوم من الكاتبات يختلف عن جيل الرواد الذى تنتمى له مى زيادة ونازك الملائكة فى تقديمه رؤية سياسية للوطن، وتشكيل وعي العقل العربى، ومناقشة قضايا الأمة بحرية تامة. بالإضافة إلى أنه جيل منفتح على الأدب العالمى والتجارب الإنسانية المختلفة. حقول الإبداع من ناحية أخرى، يؤكد البسطويسى أن المرأة أثبتت نفسها فى جميع ميادين الكتابة، خاصة الرواية والشعر. ربما لأن الأدب المعاصر وشعر ما بعد الحداثة أصبح يتطلب تناول المشاهد اليومية فيه بقوة. فتراه يصف حركة الشراء، والتجول.. يصف الطرق والشوارع، وعلاقاتنا بالأشياء شأن شبكة التواصل الاجتماعى، وغيرها من التفاصيل الحياتية التى تجيد المرأة وصفها بدقة بالغة. من جانبها، توضح المصادفة أن المرأة تفوقت فى السرد بشكل عام، سواء كان قصة أو رواية. لكن أظن أن الأعمال هى التى تتفوق وليس أصحابها. ففى منتصف القرن العشرين كان لا شىء فى الأفق الأدبى سوى إنجاز فريجينيا وولف وتجديدها فى السرد وتيارها الجديد «تيار الوعي»، وفى القرن التاسع عشر لم يكن يتردد سوى اسم دوستوفيسكي الأب الروحى لكلاسيكية السرد. وتضيف: دائمًا أتمنى أن نسأل عن جودة وتفوق العمل وليس عن جنسية صاحبه أو نوعه. أما الشعر العربى، فالحديث عنه يطول.. إذ إنه يمر بفترة تحول كبرى من شكله القديم وعلاقته بالجماهير.. من اعتماد الشاعر النجم الأوحد إلى اعتماد القصيدة الرائعة كنجم دون الانتباه إلى صناعة نجومية شاعرها. قيود وتحديات بالرغم مما حققته المرأة فى ميدان الأدب العربى، مازال المجتمع يفرض عليها العديد من التحديات. وفقاً للكاتبة سهير المصادفة، هناك الكثير من المعوقات التى تحاول المرأة تجاوزها مثل: سقف الرقابة المزدوج الذى تعانى منه. فالكاتب قد يعانى من سقف رقابة المجتمع، بينما تعانى المرأة من رقابة المجتمع.. بالإضافة إلى رقابة الكاتب/ الرجل. أيضًا محاولات الخروج المستمرة من آثار حبسها طويلاً وتحديد اقامتها فى حفنة وظائف لا يتعدى حصرها أصابع اليد الواحدة. وأيضًا يعوقها معاملة منجزها الإبداعى بشكل مختلف عن معاملة منجز المبدع، سواء بالاحتفاء غير المبرر به لكونها امرأة، أو بالهجوم غير المبرر عليه وأيضًا لأنها امرأة. بينما يرى د.رمضان البسطويسى أن أدب السيرة الذاتية للمرأة (الاعترافات) مازال يكتنفه نوع من الصدمة للمجتمع. كذلك، لا تشارك الأديبة - كميّاً- بمساحات كبيرة فى المشهد الثقافى. بل إن «الفنانة» قد تجاوزت «الأديبة» بمراحل. فالكتابة المباشرة تسبب صدمة عن مختلف الفنون. ربما لأن الكلمات تترجم أحياناً إلى تصورات نفسية وسياسية واجتماعية سلبية، على عكس الصوت واللون والنغمة كل منهم له حرية التحليق فى الأفق البعيد.