لايزال لغز انقاذ واخضاع قصر طوبيا الأثرى بقوص للترميم يحير الآلاف من أبناء المدينة العريقة ، ورغم المطالبات الكثيرة من عشاق التراث والفن المعمارى المتفرد إلا أن أحدا لايتحرك . والقصر ذو الطراز المعمارى الإيطالى, الذى يُستغل تارة كمدرسة وتارة كأستراحة لمبيت مراقبى امتحانات الثانوية الوافدين من المحافظات الأخرى وتارة أخرى كمخزن للكتب والمهمات, يئن من شكوى الإهمال والتخريب الذى أسقط واجهة جانبية كاملة منه، والبحث عن مالكى القصر فى الوقت الراهن أصبح كمن يبحث عن إبرة فى كومة قش. وعلى الجانب الآخر يؤكد الكثيرون أن القصر لو انهار وسُوى بالأرض سيظهر له ألف وريث ، وكأن الجميع ينتظر سقوط ثانى قصرين بقيا من عشرات القصور التى كانت تميز مدينة كانت عامرة بالمبانى والقصورالأثرية ، إضافة أنه يحتل مكانة غالية في قلب كل أبنائها. وفي الصفحة الرسمية لوزارة الدولة لشئون الآثار نجد معلومات عن قصر طوبيا الذي يعاني الاهمال. ويقع بقلب مدينة قوص و كان مدرسة إعدادية للبنات وتم اخلاؤه للترميم وذلك لأنه يحتاج لعمل مجسة للتربة و حتي الآن يقف شامخا. و القصر قضية عامة كما يقول محمد سرحان – أحد المهتمين بالآثار- حيث يعتبر قصر طوبيا بُقطر الواجهة التي هى أول من يرحب بكل زائر يقصد المدينة العريقة ، وثاني أروع المباني الأثرية والتراثية والمعمارية الثلاثة التي تزخر بها قوص: كعبة العلم وكعبة العلماء: وهى المسجد العمري وهذا القصر وقصر جودة مليك بمنطقة الزينية. فبناء قصر طوبيا تم عام 1904م أي منذ 110 سنوات, وبحكم مرور أكثر من مائة عام عليه وعلى قصر جودة مليك فقد تجاوز المدة الكافية لاعتباره من المباني الأثرية ليتسنى له الاحتماء بمظلتها. محكمة ومدرسة ويستكمل محمد سرحان : وشأنه شأن جميع أقرانه من المباني التراثية تم توظيفه بعد ثورة 1952م كمقر للمحكمة المختلطة ، ثم الإستفادة به في وزارة التربية والتعليم في ستينيات القرن الماضي كأول مدرسة ثانوية بقوص وقراها ، وتحول بعد ذلك لمدرسة إعدادية للبنات, ومازالت حتى الآن علي الرغم من نقل طالبات المدرسة لتلقي دروسه بمدرسة النيل الإبتدائية المجاورة. شروخ وسقوط وعن بداية إنهياره يضيف : قوة بنيان هذا القصر, الذي ينفرد بأسقف متينة تدعمها قضبان تشبه قضبان السكك الحديد وأحجار قوية, لم تحُل دون إصابة جدرانه بالشروخ, وتعرض أجزاء منه للسقوط فعلاً، ومنها إحدى الفرندات بفعل « تشوين «الأَسِرَّة التي تستخدم في تجهيز استراحات نوم ملاحظي الثانوية القادمين من المحافظات الأخرى. والجانب الغربي للقصر تظهر به تشققات كبيرة, كذلك سقطت أجزاء السقف ليصبح عارياً تماماً إلا من القضبان الحديدية. وكلها أمور تنذر بتدهور حالته بل وتهدمه وتدميره مالم تتخذ إجراءات عاجلة للغاية سلحفاة البيروقراطية وعن الإجراءات التى تم اتخاذها للإنقاذ يقول محمد سرحان : وللأسف الأوراق الرسمية تُثبت أن تلك الإجراءات تمتطي درقة سلحفاة هي ليست أي سلحفاة,ولكنها سلحفاة البيروقراطية العجوز التي أصابها الهِرم بل وتعاني سكرات الموت ، وقراءة الواقع تؤكد أنها ستموت قبل إنقاذ القصر! فالمتصفح لأوراق قصر طوبيا يقرأ العجب العُجاب ، فقد يتم تداول الأوراق حتى يسقط من تلقاء نفسه وتصبح الوفاة قضاءً وقدراً ، وهذا قدرنا كمصريين وقدر مصرنا الحبيبة مع عشرات المباني الأثرية ذات الطابع المميز التى فقدناها لجهل الجهلاء. بداية بلا نهاية وعن بداية المشكلة يقول سرحان : بداية البداية نستشفها من مذكرة مكتب المستشار القضائي لمحافظة قنا الأسبق ( ملف رقم -1439), وتنوه في بدايتها عن مذكرة التخطيط العمراني التي تؤكد أن القصر طبقاً للقانون 144 لسنة 2006 صنف في شهر سبتمبر 2009م, أى منذ خمس سنوات فقط, ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز ، ووصفت حالته آنذاك بالمتوسطة, حيث كان المبنى آمناً من الناحية الإنشائية. ونظراً لتدهور حالة البناء بعد ذلك طالبت الوحدة المحلية لمركز ومدينة قوص بعرضه على لجنة المنشآت الآيلة للسقوط ، وبالفعل قامت اللجنة بمعاينة المبنى بتاريخ 26/5/2010م ، وجاء تقريرها واصفاً القصر بأنه غير آمن وشديد الخطورة ويخشى من الانهيار اللحظي ، وكان قرار اللجنة الصادم آنذاك «إزالة مبنى القصر «, وكأن الجميع تناسوا أنه من الطرز المعمارية المتميزة، وبالطبع كان المحافظ في ذلك الوقت أكثر حكمة عندما لم يعتمد القرار. القرار المنقذ ، ولكن ! ويستكمل سرحان : وجاء رد المستشار القانوني للمحافظة في ذلك الوقت بمثابة طوق النجاة للقصر ، إذ أفاد بعدم الموافقة على الإزالة تأسيساً على مخالفة الإزالة للفقرة الأولى من المادة الثانية للقانون رقم 144لسنة 2006م الذي تم بناءً عليه اختيار القصر ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز. وتلك المادة تنص صراحة على « مع عدم الإخلال بأحكام القانون 49لسنة 1977م في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة والمستأجر وقانون حماية الآثار رقم 117لسنة1983 تسرى أحكام هذا القانون على المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط ، وكذالك المبانى والمنشآت حيث يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني ذات الطراز المعمارى المتميز ،أوالمرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية أو التى تمثل حقبة تاريخية،أو التى تعتبر مزاراً سياحياً،وذلك مع عدم الإخلال بما يُستحق قانوناً من تعويض، ولايجوز هدم ماعدا ذلك أو الشروع فى هدمه إلا بترخيص يصدر وفقاً لأحكام هذا القانون.» و للدولة أن تباشر فى أى وقت على نفقتها – بعد إخطار المالك والشاغلين – ماتراه من الأعمال اللازمة لتدعيم وترميم وصيانة المبانى والمنشآت المحظور هدمها . وينتهى بالمادة الثامنة من اللائحة وتنص على أنه «على الجهة الإدارية المختصة فى حالة وجود خطر يهدد بقاء أحد العقارات المحظور هدمها أن تبادر باتخاذ الإحتياطات والتدابير اللازمة للحفاظ على بقاء المبنى بواسطة إحدى شركات المقاولات المتخصصة والمسجلة فى هذا المجال ، وذلك إلى أن يتم الترميم أو التدعيم الدائم . وسط الدوامة وعن آخر القرارات يقول: كان القرار الأخير للمستشار القضائى للمحافظة متضمناً (كما ينص القانون واللائحة التنفيذية له )تكليف الجهة الإدارية ممثلة فى الوحدة المحلية لمركز ومدينة قوص والإدارة التعليمية بالمدينة ومديرية التربية والتعليم بمحافظة قنا بأن تقوم على نفقتها بالأعمال اللازمة بتدعيم وترميم وصيانة المبنى على ضوء لجنة الحصر ، وما تضمنه من توصيات للحفاظ على المبنى بواسطة إحدى شركات المقاولات المتخصصة والمسجلة فى هذا المجال ، وذلك بالتنسيق مع وزارة الثقافة ، كذلك مخاطبة المباحث الجنائية للتحرى عن محل إقامة مالك المبنى داخل البلاد وخارجها لإمكانية اخطاره بما سيتم اتخاذه من إجراءات للحفاظ على سلامة المبنى! وتنفيذا لذلك أعدت الإدارة الهندسية بمدينة ومركز قوص بالفعل مذكرة لتوفير الإعتمادات المالية لصيانة القصر رفعتها إلى الإدارة التعليمية بصفتها المستفيد به كمدرسة ،وبدورها رفعت الإدارة التعليمية الأمر إلى مديرية التربية والتعليم بالمحافظة لتدبير الاعتماد وردت بأن المالك لم يُستدل على عنوانه خارج البلاد.... وتبقى عدة أسئلة نتمنى أن تجد إجابة شافية من جانب السادة المسئولين : فماذا إذا لم يستدل على عنوان المالك الذى آلت إليه ملكية القصر هل سنترك هذه التحفة المعمارية الرائعة إلى أن تهوى وتسقط؟ وسؤال أخير: أين وزارة الثقافة التى أنفقت فى الماضى عشرات الملايين على دهان واجهات مبانى شارع رمسيس بالقاهرة وانطفأت بعد عدة شهور بفعل عادم السيارات؟ الحل فى مشاركة اجتماعية وعن وجهة نظره فى عملية انقاذ القصر من الانهيار يقول الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل – بقسم الاثار بكلية الآداب جامعة عين شمس :- قصر طوبيا بقطر من القصور التراثية الكثيرة ذات الطراز المعمارى المتميز والتى كان يزخر بها صعيد مصر. وللأسف نالت من معظمها معاول الهدم، وأصبح ما تبقى قليلا،وتلك القصور ذات الطابع المعمارى المميز إن كانت مسجلة فهى تتبع حسب القانون 144لسنة 2006للمركز القومى للتنسيق الحضارى والذى يُكلف المكاتب الإستشارية التابعة له بأعمال الترميم إن كانت هناك ميزانيات معتمدة للترميم ، ولكن للأسف لاتوجد مثل تلك الميزانيات. فمنذ عام 2006م لم يقم جهاز التنسيق الحضارى بأى أعمال ترميم سوى فى القاهرة الخديوية بوسط القاهرة بميزانيات تبرعت بها البنوك وشركات التأمين . والآن أصبح الجهاز يقوم بعمليات دهانات الواجهات أما ترميم المباني الأثرية حتى لو كانت مسجلة ضمن التنسيق الحضارى فهى مسئولية ساكنيها. ومن هنا تكون ميزانيات الترميم هى المعوق الأساسى لعدم وجود ميزانيات حكومية أو ممول، والتنسيق الحضارى نفسه لايملك تلك الميزانيات للمبانى ذات الطابع المعمارى المميز التابعة له . وللأسف حتى الآثار الإسلامية المطلوب ترميمها لاتجد الميزانيات اللازمة لذلك، وماتم منها من بدء عمليات ترميم فعلى لم تتجاوز نصف المرحلة وتوقفت لذات السبب. والآن أى آثار تظهر عليها تلفيات أوتحتاج إلى ترميم سوف تصطدم بنفس السبب الذى يحول دون اتمام ذلك. وبالنظر لمشكلة قصر طوبيا بقطر كحالة خاصة نجد أنه تابع للتربية والتعليم بحكم أنه يستغل كمدرسة ، وهو بذلك ليس بأسعد حظاً من أقرانه من المبانى والقصور الأخرى ذات الطابع المعمارى المميز. وليس أدل على صدق مانقول من تصريح وزير التربية والتعليم نفسه بأن هناك آلاف المدارس تحتاج إلى ترميم ولا توجد ميزانيات تكفى. ومن هنا فإن الحل لن يكون سوى بالمشاركة المجتمعية وبمبادرة من وزارة التربية والتعليم نفسها،لأن المشاركة المجتمعية هى أنسب الحلول فى الوقت الراهن وفى ظل أزمة التمويل الحالية .