بين المبادئ المسلم بها حق كل إنسان فى التمتع بحقوقه وحرياته كاملة دون نقصان، وعلى قدم المساواة مع غيره من المواطنين، لأنها هبة من المولى عز وجل، وليست منحة من أى حاكم أو سلطة. ونلاحظ جميعا أن درجة التمتع بحقوق الإنسان تختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة بسبب الكثير من العوامل، من أهمها درجة الديمقراطية فى النظام السياسى القائم، والمستوى المعيشى السائد فى الدولة، بالإضافة إلى نوع النظام الاقتصادى السائد إذا كان رأسماليا أو اشتراكيا، ومدى الوعى والالتزام الديني، وكذا درجة التسامح بالعادات والتقاليد، بالإضافة إلى درجة العلم والوعى والثقافة والنضج السياسى لأفراد أى مجتمع من المجتمعات، فإذا كان المواطن على هذا المستوى سيكون على علم بحقوقه وحرياته كاملة، ولن يسمح لأى إنسان أن ينتهك أى منها دون سند من القانون، وسيكون لديه الاقتناع الكامل بأن غيره من المواطنين لهم الحقوق والحريات نفسها، وسيكون أحرص الناس على احترامها دون أن ينتظر أن يعلمه القانون كيفية احترام الآخرين، وستكون لديه أيضا القدرة والكفاءة على اختيار الشخص المناسب الذى يمثله تحت قبة البرلمان الذى يمكنه رقابة الحكومة للقضاء على الفساد الإداري، وسن التشريعات التى توفر الحماية الكاملة لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، فى ضوء المبادئ الدستورية التى أوردها دستور مصر الحالى الصادر عام 2014، حينها ستكون التشريعات فى إطار تنظيم ممارسة تلك الحقوق والحريات فى إطار متوازن مع واجبات المواطنين، واعتبارات حماية الأمن القومى للبلاد، ولن تتعداها إلى أى درجة من درجات الانتقاص أو الانتهاك أو الإهدار الكامل لها، أو محاولة تقنين الفساد وإسباغ المشروعية عليه. لذا.. علينا جميعا أن نحسن اختيار أعضاء البرلمان المقبل.. وأن نتذكر دائما قبل الإدلاء بأصواتنا أن «حسن الاختيار أساس النجاح فى كل شيء»، وهو ما نحتاجه بشدة فى هذه الفترة الفارقة فى تاريخ الوطن، التى تحتاج إلى اختيار الكفاءات المشهود لها بالوطنية والشفافية، وعدم الرغبة فى تحقيق أهداف شخصية.. ولديهم القدرة على تحمل مسئوليات هذا المنصب، خاصة أن لديهم أعباء ثقيلة للقضاء على الفساد الحكومي، وفى انتظارهم حزمة كبيرة من التشريعات التى تتطلب استحداث قوانين جديدة، تعديل أو إلغاء تشريعات قائمة، نظرا لتعاظم المتغيرات والمستجدات التى طرأت فى الآونة الأخيرة على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وتعد حقوق الإنسان أيضا نسبية من حيث التطبيق والتنفيذ لأن الحرية المطلقة فوضى مطلقة، لذا وجب تنظيم ممارستها حتى نضمن للجميع التمتع بها، لأنه ينبغى أن تقف ممارسة المواطن لحقوقه وحرياته عند الحد الذى يبدأ فيه فى التعدى على حقوق وحريات المواطنين، التى تمثل فى النهاية المصلحة العامة التى تحقق الأمن القومى للبلاد. وإذا كان الحديث يدور فى العقود الأخيرة عن ضرورة ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان، حيث تم النص على ذلك فى ميثاق منظمة الأممالمتحدة، وآليات الشرعية الدولية التى يتمثل أهمها فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر فى 10 ديسمبر 1948، وكل من العهد الدولى للحقوق المدنية والسيايسة، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والثقافية (1976)، والمجلس الدولى لحقوق الإنسان الذى بدأ عمله فى 15 مارس 2006، والذى تم استحداثه بدلا من اللجنة الدولية لحقوق الإنسان (1946)، التى فقدت مصداقيتها فى المجتمع الدولى فى الآونة الأخيرة لازدواجية معاييرها فى حل المشكلات الدولية، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات النوعية الدولية الأخري. وإذا كانت بداية ظهور اتجاه المجتمع الدولى فى حماية حقوق الإنسان مشجعة للغاية، فأنها استهدفت نشر العلم والوعى والثقافة، وتعزيز تلك المفاهيم فى أرجاء المجتمع الدولي، فإن الأمر تغير إلى حد كبير حينما انهار الاتحاد السوفيتى وتفكك عام 1990، وبدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها يتحكمون فى مجريات الأمور على الساحة الدولية، وأصبحنا نعيش فى عالم القطب الواحد السيطرة فيه للقوى على حساب الضعيف، وانتهى إلى حد كبير عصر المثاليات والأخلاقيات، واختفت إلى غير رجعة اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، ولجأت الدول القوية إلى استخدام أدواتها لفرض سيطرتها على الدول النامية والضعيفة من خلال المنح والقروض والمساعدات والمواد الغذائية.. وغيرها. وعندما تبين لتلك الدول التكلفة العالية التى تتكبدها فى مقابل ذلك، لجأت إلى وسائل أخرى منخفضة التكاليف أو غير مكلفة تحقق أهدافها المطلوبة، ومن ذلك الغزو الثقافى والإعلامى والإلكتروني، والحديث عن موضوعات معينة فى حقوق الإنسان مثل التعذيب، والإفراط فى استخدام القوة، والمعاملة غير الإنسانية، وتقييد حق التظاهر.. وغيرها، ولا تستهدف من ذلك تحقيق أهداف إنسانية أو أخلاقية، وإنما للضغط على دول بعينها لتحقيق أهداف سياسية، ومآرب اقتصادية. ويمكن أن نقدم مثالا واحدا على ذلك بما حدث فى المراجعة الدورية لحالة حقوق الإنسان فى مصر فى جنيف بسويسرا أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان خلال الفترة من 5 7 نوفمبر 2014، حيث تقدم عدد من الدول المناوئة لمصر بطلب إلغاء عقوبة الإعدام!!! ويثار التساؤل: كيف يتم إبداء هذه الملاحظة والمجتمع الدولى كله على علم بأن مصر دولة إسلامية ضمن خمسين دولة إسلامية فى العالم، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بالبلاد (المادة 2 من الدستور الحالي)، وأنه يوجد يقين دينى لدى جميع الدول الإسلامية باستحالة إلغاء هذه العقوبة لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وفى السياق نفسه كيث تتم إثارة هذه الملاحظة وقد سبق للدول الإسلامية ومن بينها مصر أن رفضت التصديق على البروتوكول الاختيارى الثانى الملحق بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية (1982) المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، وذلك لمخالفة جوهر البروتوكول لمبادئ الشريعة الإسلامية، الأمر الذى يكشف بوضوح شديد الطبيعة السياسية لهذه الملاحظة، التى حاول مقدموها الظهور بالمظهر الإنسانى الأخلاقى الذى يفيض بالرحمة، وهم فى الحقيقة يهدفون إلى تحقيق أهداف سياسية لا تخفى على أحد. وأصبحت إثارة موضوعات حقوق الإنسان تخفى وراءها أيضا تحقيق مقاصد اقتصادية بهدف استنزاف الموارد الطبيعية غير المتجددة للدول النامية، ومحاربة أى محاولات للتنمية التى أصبحت من أهم حقوق الإنسان والدول، وذلك لتعارضها مع الاستراتيجية الثابتة لدول العالم المتقدم منذ أن قامت الثورة الصناعية منذ أكثر من ثلاثمائة عام بأن تظل الدول المتقدمة هى الدول المنتجة، وأن تبقى الدول النامية مجرد سوقا استهلاكية كبيرة لها. وإذا كانت وتيرة الحديث عن حقوق الإنسان تتصاعد ويزداد ضجيجها إلى حد الصراخ، فلماذا لم نسمع أحدا يتحدث عن واجبات الإنسان، وضرورة التزام كل مواطن بالواجبات المفروضة عليه، حتى يتمكن غيره من المواطنين فى الوقت نفسه من التمتع بحقوقهم وحرياتهم على قدم المساواة. أليس من واجب كل مواطن أن يحترم حقوق وحريات الآخرين، وألا يسلب حق غيره فى الحياة، أو أن يهدد حقه فى السلامة الجسدية بعدم التعدى عليه وإصابته، وأن يحافظ على حق المواطنين فى الصحة بعدم الاتجار فى المواد المخدرة أو الأدوية المغشوشة، وألا يلجأ إلى أساليب الرشوة والاختلاس فى أدائه لوظيفته، وأن يتمتع بالشفافية الكاملة، أليس واجبا على كل مواطن الحفاظ على البيئة من أى ملوثات، والحفاظ على السكينة العامة للمواطنين بالامتناع عن إحداث الضوضاء والإفراط فى استخدام آلات التنبيه دون أى مبرر مقبول، مما أصاب الكثير منا بالتوتر الشديد الذى وصل إلى حد المرض والصرع، وتناول الأدوية المهدئة، وأتمنى أن نقف وقفة صادقة أمام أنفسنا.. لماذا نعامل بعضنا بعضا بهذه القسوة وهذا القدر من اللاإنسانية.. وعلينا سرعة إيجاد الحلول الجذرية لكل هذه السلبيات. والخطاب بضرورة احترام حقوق الإنسان ليس مقصورا على المواطنين، وإنما موجه أيضا لجميع الأجانب المقيمين داخل حدود الدولة، لأن عليهم التزام باحترام القوانين الوطنية للبلاد، بعدم ممارسة أى أنشطة مخالفة للقانون، مما يؤثر على المواطنين والأمن القومى للبلاد. كما أن هذا الخطاب موجه إلى جميع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالسلطة التشريعية فى إصدارها للقوانين يجب أن تكون متفقة مع المبادئ الدستورية، وإلا يتم الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا، وعلى السلطة التنفيذية الالتزام بالشفافية الكاملة، والتطبيق السليم للقوانين، والسلطة القضائية عليها الالتزام بمبدأ الشرعية وسيادة القانون، سواء فى مجال الشرعية الإجرائية، أو الشرعية الجنائية. وفى وقفة صريحة متأنية مع النفس، علينا أن نعقد مقارنة صادقة بين الانتشار الرهيب للحديث عن موضوعات حقوق الإنسان، بينما الحديث عن واجبات الإنسان يكاد يكون معدوما، أو يظهر بين الحين والآخر على استحياء شديد، الأمر الذى يطرح أهمية وضرورة ترسيخ مفاهيم واجبات الإنسان، ويكون ذلك من خلال استراتيجية متكاملة تشارك فيها كل الجهات المعنية بالدولة. إن ترسيخ ثقافة واجبات الإنسان ينبغى أن يكون على التوازي، وبنفس القدر من الاهتمام بحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، مما سيكون له أبلغ الأثر على جودة الحياة بالبلاد، واحترام المواطنين لبعضهم بعضا، واحترام جميع السلطات لحقوق المواطنين، وتمتع الجيع بحريات حقيقية دون فوضي، ويتم توحيد جميع الجهود فى اتجاه دفع عجلة التنمية، بما يحقق الأهداف والآمال والطموحات التى يرجوها شعب مصر العظيم الطيب الصبور، الذى آن له أن يتخلص من آلامه وأوجاعه التى عانى منها فترة طويلة من الزمن. إن المرحلة الفارقة التى يمر بها وطننا الحبيب فى ظل تعاظم التحديات الداخلية والخارجية التى تتربص بمصر، تفرض علينا جميعا أن نتعاهد على العمل، والإنتاج، وحسن الاختيار، والشفافية، وقبول الآخر، واحترام حقوق الآخرين، وترسيخ ثقافة واجبات الإنسان، وأن نكون جميعا على القدر نفسه من المسئولية والوطنية التى نراها بوضوح فى السيد/ عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، الذى يبذل جهودا جبارة تفوق طاقة البشر للعبور بسلام بالبلاد إلى بر الأمان، وإحداث تنمية حقيقية بالبلاد، وقد كان صادقا كعادته حين أكد أن الأعباء الحالية أكبر من قدرة أى رئيس، لكنه يراهن دائما على شعب مصر العظيم، ويؤكد أنه هو سنده الوحيد فى النجاح بعد توفيق الله سبحانه وتعالي، لذا من غير المقبول أن نخذله، ولنتعاهد جميعا على أن تكون لدينا الرغبة والقدرة على النجاح والوصول بمصر الكنانة إلى آفاق التنمية والتقدم، والمكانة التى تستحقها بين دول العالم. لمزيد من مقالات احمد جاد منصور