بعد خطاب رئيس الجمهورية ومطالبته بتأهيل الوعاظ، وإعمال العقل لمعالجة البناء الفكري والنأي به عن القوالب الجامدة وتعزيز قيم التفاعل الإيجابي، وقبول الآخر، أكد علماء ووعاظ الأزهر والأوقاف، أن تلك الخطوة يجب أن تسبقها خطوات عملية لإصلاح الدعاة أولا وتأهيلهم لأداء تلك المهمة الجليلة وتوفير الوسائل التي تساعدهم على أداء مهمتهم لنشر الوسطية، سواء في الداخل أو الخارج، وتحسين أوضاعهم المعيشية، ومساعدتهم في الحصول على أمهات الكتب التي تعينهم على ذلك وتوفير أدوات التكنولوجيا المناسبة لهم، وتنظيم ورش عمل لتجديد الخطاب الديني، وتستعين بأساتذة الجامعات لايجاد الداعية المتألق. كما طالبوا بالإسراع باتخاذ خطوات عملية لابتكار العلوم الخادمة للدعوة وتطوير القائم منها مثل الفلسفة والاجتماع والنفس وتكنولوجيا الدعوة الإلكترونية والإعلام، وعقد مؤتمر سنوي بالأوقاف للارتقاء بالوعاظ وتأهيلهم وتدريس النسق المعرفي الإسلامي . صناعة عقل الداعية ويؤكد الداعية الدكتور أحمد ربيع الأزهري، من علماء الأزهر وباحث في شئون الدعوة، أن صناعة عقل الداعية هو صناعة لعقل الأمة، وعندما تخلت الأمة عن الاستثمار في البشر وفي القلب منهم الدعاة، ضاقت علينا الدنيا بالفهوم السقيمة والفتاوى الشاذة العقيمة، فشوهت صورة الإسلام الرحيم واتُهِمَ في العالم بأنه دين القتل والإرهاب، ومن واجب مصر الأزهر أن تنهض بالدعوة والدعاة لكي يكونوا رسل صدق عن الإسلام، ولن يكون ذلك إلا إذا أدركنا بأن صناعة العقول صناعة ثقيلة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا انشغلنا ببناء الوعاء والنسق المعرفي للدعاة فلا بد أن يحصلوا على علوم المعقول والمنقول والوسائل والمقاصد، وأن يعاد تحرير المصطلحات وبناء المفاهيم لديهم، وأن يدربوا على حسن النظر في النص الشريف (قرآن وسنة) من ناحية وإدراك الواقع بعوالمه المختلفة من ناحية ثانية وحسن تنزيل النص على الواقع تنزيلا صحيحا من ناحية ثالثة، وأن يدركوا فقه المقاصد والمآلات والموازنات والأولويات والأقليات وفقه البيئة وفقه الائتلاف والاختلاف وأثر المكان والزمان في الأحكام، كما يجب على علمائنا الكبار أن ينشغلوا بتوليد العلوم الخادمة للدعوة وتطوير القائم منها مثل فلسفة الدعوة وعلم أصولها وعلم الاجتماع الديني وعلم النفس الدعوى وتكنولوجيا الدعوة، والدعوة الإلكترونية والإعلام الدعوى...إلخ. كما يجب أن تنشئ وزارة الأوقاف منتدى لتطوير الدعوة والدعاة. وذلك بأن تعقد الوزارة مؤتمرا للدعاة على هامش المؤتمر السنوي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والذي تعقده الوزارة كل عام، وأن ينقسم إلى محورين: الأول يناقش نفس قضايا مؤتمر المجلس الأعلى والمحور الثاني يضع رؤية لتطوير وتفعيل العمل الدعوى داخليا ويرصد مشكلات الدعوة والدعاة ويقترح الحلول ويستشرف المستقبل، وفائدة هذا أنه يبرز ويحلل ويرصد حال الدعوة في البلاد كما أنه يكشف العقول الناضجة من أبناء الأزهر والأوقاف والذي يعاد تأهيلهم وتكليفهم بمهام الدعوة في الداخل والخارج فهم من أهم عناصر القوة الناعمة للدولة المصرية، بنك لأفكار الدعوة ويقترح الشيخ ربيع الأزهرى، إنشاء بنك لأفكار الدعوة ومراصد إعلامية في كل محافظات مصر ترصد مشكلات البيئة المحلية ومشكلاتها الاجتماعية والتي تحتاج إلى تدخل الخطاب الديني لتقويمه وتصحيحه، كما يجب أن تلعب السفارات المصرية في الخارج نفس الرؤية للدعاة الذين يبعثون من الأزهر والأوقاف في دول العالم، وأن يحصل المبعوث على دورات قبل سفره تنظمها وزارة الخارجية والأزهر ودار الإفتاء المصرية ليعلم ثقافة وعادات ولغة الشعب الذي يسافر إليه ويتعرف على الفارق بين فقه الأقليات وما يستتبعه من مفهوم وأطروحات تختلف عما يطرح في بلاد المسلمين لاختلاف الثقافات. وطالب الأزهر، بأن يُدرس للدعاة النسق المعرفي الإسلامي والذي يبدأ من إدراك مصادر المعرفة في الإسلام والسنن الإلهية وسنن المواقف، فلو أدرك الداعية أن من مصادر المعرفة التي تبني على إدراكها الأحكام العقل والتجربة مع الوحي لحُل الكثير من المشكلات ولأدركنا عظم العطاء الإسلامي في المزواجة بين النقل والعقل في الاستدلال على الله من ناحية وتطوير الرؤية الحضارية للأمة وتغير واقعها نحو الأفضل من ناحية ثانية، فالجمود الفكري لم يكن في الإسلام وقواعده بل في طريقة نظر المسلمين وعجز الأمة عن توليد العلوم والمعارف وهذا هو دور الأزهر ورجاله فالأمل عليهم معقود ليملئ القلب بالعاطفة والعقل بالمعرفة ويصنعون القلب السليم والعقل المستنير ويفتحون قلوب الناس بإحسانهم قبل بيانهم ويصنعون للأمة رجالا يخرجون الأمة من المحنة إلى المنحة ويحولون الألم إلى أمل والضيق إلى فرج. مراعاة مقتضيات العصر وفي سياق متصل يقول الدكتور أسامة فخري من علماء الأزهر، إن الداعية على الحقيقة يحمل على عاتقه مهمة خطيرة ، وشديدة الأهمية، فهو يجاهد ويكابد من أجل البيان الأصيل لمعالم الإسلام ومفاهيمه، لا سيما ونحن نعيش الآن حالة من الفوضى الفكرية، فإن نجد اليوم تيارًا يتسم بالجمود والانغلاق، تيارًا ينشر التعصب والتشدد دون النظر إلى حاجة العصر وطبيعة المتغيرات. ونجد تيارًا ثانيًا يحاول أن يعزل الدين عن الحياة، ويضيق واسعًا، ونجد تياراً ثالثًا يسارع بالتكفير الناس، ونجد تياراً رابعًا اختصر الأحكام التكليفية من خمس أحكام إلى حكمين فقط وهما الواجب والحرام، وكأنه لا يوجد المباح ولا المندوب ولا المكروه، ولكن مع وجود هذه التيارات وتلك الاتجاهات فهناك الفكر الإسلامي الأصيل الذي يقف بينها، وهو الفكر الوسطي المعتدل الذي يلتزم بثوابت الدين مع مراعاة مقتضيات العصر ومصلحة الزمان والمكان، الفكر الذي يتسم بالمرونة والسهولة والانسيابية مع مقتضيات ومتغيرات العصر، الفكر الذي يقوم على إحياء تعاليم الإسلام بخطاب مستنير في رحاب النصوص ، الفكر الذي يبني العقلية المسلمة بتوعيتها بحقائق الإسلام وأبعاد العصر، الفكر الذي يعمل على إحياء قيم ومقاصد الدين، الفكر الذي يعي مصلحة الأمة، الفكر الذي يقوم بترشيد الخطاب الديني ليكون منسجمًا مع روح العصر الحديث ومتطلباته، الفكر الذي سيقوم بمواجهة تلك التيارات ليعود بالمسلمين إلى منهجية الإسلام (الوسطية والاعتدال)، وهذا يلزمه حصيلة علمية تتكون له من قراءات متنوعة في مصادر شتى ومن تجارب مستفادة من الحياة حتى يستطيع إقناع المخاطبين واقتحام عقولهم ونفوسهم وحل مشاكلهم المتنوعة، وكل هذا يحتاج إلى ثقافة وخبرة ومهارة، والإسلام لا ينفصل بحال من الأحوال عن واقع الحياة ومتغيرات العصر، لأنه دين للحياة بجميع أبعادها ، لا ينفصل عن حياة الناس واهتماماتهم.