أكدت المحكمة الدستورية العليا فى حكم مهم لها استقلال القضاء، وحرية القاضى فى إقامة العدل بين الناس من خلال قناعته فى تقدير العقوبة والنزول بها درجة أو درجتين استخداما للرأفة من خلال نص المادة " 17 " من قانون العقوبات ،فى شأن حيازة الأسلحة والذخائر ، وقضت المحكمة بعدم دستورية هذه المادة، بعد تعديلها بالمرسوم بقانون رقم – 6- لسنة" 2012" لمواجهة فوضى حيازة الأسلحة والذخائر فى الآونة الاخيرة، وتضمنت فقرتها الاخيرة،أنه استثناء من نص هذه المادة ، لايجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة ، فتم الطعن عليها أمام الدستورية العليا التى انتصرت لاستقلال القضاء . المستشار جمال القيسونى رئيس محكمة جنايات القاهرة ، يؤكد أن الدستورية العليا أنصفت القاضى الجنائى وأغلقت بابا للتدخل فى عمله مما يفقده جوهر " وظيفته القضائية " ويجعله جلادا يميل الى التشدد فى العقوبة والقسوة فى توقيعها، دون الميل للرأفة أو النزول بالعقوبة درجة أو درجتين ، وقال لقد جاء هذا الحكم فى الطعن رقم 196 لسنة 35 " قضائية دستورية " بجلسة 8 نوفمبر 2014، بعدم دستورية نص الفقرة الاخيرة من المادة " 26" من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الاسلحة والذخائر والمستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنته من استثناء تطبيق أحكام المادة – 17- من قانون العقوبات والتى تنص على "أنه لايجوز للقاضى الجنائى فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى، رأفة القضاه متى تبين من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو عمره أو الظروف التى ارتكبت فيها الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود لمخالفة القانون، أن يتم تبديل العقوبة بالنزول بها درجة أو درجتين.
ويضيف المستشار القيسونى لقد نصت المادة – 26- من القانون رقم 394- لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم رقم 6 لسنة 2012- على تشديد العقوبة بأن تكون السجن المؤبد وبغرامة لاتجاوز عشرين ألف جنيه، إذا كان الجانى حائزا أو محرزا بالذات أو بالواسطة مدافع رشاشة أو بنادق نصف آلية أو آلية سريعة الطلقات أو مسدسات سريعة الطلقات، وأضافت ذات المادة بأن تكون العقوبة بالسجن وبغرامة لاتجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بذاته أو بواسطة آخرين ذخائر ثم أضافت ذات المادة فى فقرتها الاخيرة أنه استثناء من أحكام المادة – 17- من قانون العقوبات، أنه لايجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة، وقد استندت المحكمة الدستورية العليا فى قضائها أن الدستور كفل فى المادة – 96- الحق فى المحاكمة المنصفة، بما تنص عليه من أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو حق نص عليه الاعلان العالمى لحقوق الإنسان، كما وان الدستور الصادر عام 2014 نص المادة - 94- منه على خضوع الدولة للقانون، وان استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد هذه المباديء فى المادتين - 184- 186- من الدستور ذاته، كما وأنه من المقرر قانونا أن العقوبة التخييرية أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد عند توافر عذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين، إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل .
تدخل محظور فى العدالة ويشير المستشار القيسونى إلى أن ذلك يأتى إعمالا لنص المادة - 17 -من قانون العقوبات ومن ثم ففى الاحوال التى يمتنع فيها إعمال هذه المادة، إن الاختصاص الحصرى بتفريد العقوبة المعقود للقاضى يكون قد استغلق عليه تماما ، بما يفتئت على استقلاله وسلب حريته فى تقدير العقوبة، بل يفقده جوهر وظيفته القضائية وينطوى على تدخل محظور العدالة ، ومن ثم فإن النص المطعون عليه قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة ، جوهر الوظيفة القضائية ، وجاء منطويا كذلك على تدخل فى شئونها مقيدا الحرية الشخصية للقاضى ، فى غير ضرورة ، ونائيا عن ضوابط المحاكمة المنصفة ، ومخلا بخضوع الدولة للقانون، ومن ثم أضحى مخالفا للدستور " أبو القوانين " ..