عندما تعلن الحكومة أنها عازمة على إعادة إحياء القطاع العام، نقول خيرا اللهم إجعله خيرا. عندما تعلن أنها تتفق مع نائب رئيس وزراء روسيا على تحديث وتطوير الصناعات الثقيلة وعلى رأسها مصانع الحديد والصلب فى حلوان، نقول لعلها بشرى خير. عندما يقول وزير الاستثمار أن لديه خطة لإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام وأنه يستهدف الوصول بمعدلات تشغيل مصانع للغزل والنسيج ومصانع الحديد والصلب إلى طاقتها الكاملة، بدلا من المستويات الحالية التى تتراوح بين 20% و 25% فقط، نقول أخيرا سيتم وقف نزيف الخسائر ويزيد الإنتاج وتهدأ الأسعار. صحيح أننا نتمسك دائما بالتفاؤل إلا أن المشكلة، ولتسامحنا الحكومة، هى أننا لا نعرف حقيقة هل التصريحات المتتالية فى هذا الشأن هى مجرد بروباجندا سياسية أم أنها تمثل بالفعل توجهات حقيقية وخططا مدروسة وإجراءات ملموسة سنراها على أرض الواقع. المشكلة هى أن الفجوة بين تصريحات الحكومة وممارساتها يصدق عليها المثل الشعبى «أسمع كلامك أصدقك وأشوف أمورك استعجب»! إذا كانت الحكومة تريد تشغيل مصانع حديد حلوان بكامل طاقتها فلماذا يستمر امتناع شركة الكوك عن تزويدها بالفحم اللازم لتشغيل الفرنين القادرين على العمل بكامل طاقتهما، بعد أن أدت تلك السياسة على مدى السنوات الماضية إلى إيقاف ثلاثة أفران عالية وعمل الفرن الرابع بأقل من نصف طاقته الإنتاجية؟ وكيف يصرح رئيس مجلس الوزراء بأن علينا أن ننتظر خطة تطوير شركة الكوك لتكون قادرة على توفير 450 ألف طن لشركة الحديد والصلب، بينما رئيس الشركة القابضة يعلم، ونحن نعلم والمفترض أن الحكومة تعلم، أن معدل الإنتاج السنوى لشركة الكوك يزيد على 5.1 مليون طن سنويا، أى خمسة أضعاف الكمية اللازمة لتشغيل مصانع الحديد والصلب بكامل طاقتها الإنتاجية؟. عندما يعلن وزير الاستثمار أن خطة إعادة هيكلة مصانع الحديد والصلب بحلوان ستتضمن إنشاء شركة لحديد التسليح، فإننا وبكل تأكيد نسعد بهذا الخبر السار، إلا أننا نتساءل لماذا تستمر الحكومة إذن فى سياستها الحالية بإلزام مصانع حلون بالابتعاد عن إنتاج حديد التسليح الذى يحقق ربحا مجزيا، ليقتصر دور الشركة فى هذا الشأن على توفير خام البليت لشركات حديد التسليح الخاصة بأسعار منخفضة تحددها الدولة، إمعانا فى تخسير القطاع العام وزيادة أرباح الاحتكارات التى تبيع لنا حديد التسليح بأعلى من الأسعار العالمية؟. وإذا كانت الحكومة تنوى بالفعل تشغيل شركات الغزل والنسيج العامة بكامل طاقتها الإنتاجية، فكيف نفسر ما يؤكده أحد الوزراء السابقين فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى من عدم استخدام المنحة المقدمة من شخصية بارزة بإحدى دول الخليج لحل مشكلات وإعادة تشغيل إحدى شركات الغزل والنسيج، رغم ورود الشيك بقيمة المنحة وتحويلها بالفعل إلى الجنيه المصرى؟ وبالمناسبة، ماهو المجال الهام والملح الذى استخدمت فيه الحكومة مبلغ المنحة المذكورة بدلا من تشغيل وحل مشكلات شركة الغزل والنسيج المعنية؟. كيف نفسر إضراب التباطؤ من جانب الحكومة فى استعادة وتشغيل شركات الخصخصة التى حكم القضاء بفساد عقود بيعها وبإعادتها إلى ملكية الدولة؟ لماذا لا تعلن الحكومة بوضوح عن أسباب مقاومتها لاستعادة الشركات وعودة العمال. هل هى حقا التخوفات من قضايا التحكيم الدولى؟ هل هى العجز عن توفير قيمة الأسهم التى يتعين ردها للمشترى لإخلاء طرفه واستعادة ملكية الشركات قانونا؟ هل هى ارتفاع تكلفة إعادة تشغيل بعض الشركات التى تم تخريد معداتها وتوقفها عن النشاط؟ هل هى الرغبة فى حماية أطراف تلك العقود الفاسدة من رؤساء وزارات ووزراء ورؤساء شركات قابضة معروفون وأسماؤهم مثبتة فى أوراق القضايا؟ . الواقع أن البعض يتحدث عن وجود مصالح أعلى من سلطة الحكومة وأعلى من سلطة الدولة ككل تقف بالمرصاد لأى محاولة لإعادة إحياء القطاع العام، يتحدثون عن الترابط القوى بين تلك المصالح والمسئولين فى كثير من المواقع والذين تتكاتف جهودهم لخنق القطاع العام وتخسيره لحساب الاحتكارات الخاصة المحلية والأجنبية والحيلولة دون وجود قطاع عام قوى وكفء يمكن أن تستند إليه الدولة فى معركة البناء والتنمية وتحقيق الاستقلال الاقتصادى. عندما تقول الحكومة إنها تقوم بحصر الأراضى المملوكة لشركات قطاع الأعمال العام ، وأنها تشترط استخدام تلك الأراضى فى إقامة مشروعات جديدة أو الدخول بها كحصة عينية فى استثمارات مع القطاع الخاص المحلى والأجنبى، نقول إننا نرحب بكل ما من شأنه زيادة وتوسيع البنية الإنتاجية وتدعيم الصناعة الوطنية وفتح فرص العمالة. ولكن عندما تعلن الحكومة أنها ستقوم بتغيير نشاط شركة النيل للكبريت بمنطقة محرم بك بالإسكندرية وإجراء تدريب تحويلى لعمالها، وأنه سيتم استخدام 70 فدانا أراضى تملكها الشركة فى إنشاء مشروعات عقارية بالاشتراك مع الشركة القومية للتشييد والبناء، فإننا نتساءل بحق ولماذا يتم تغيير نشاط الشركة؟ إذا كان استخدام الأراضى فى مشروعات عقارية سيدر عليها أرباحا ويحل مشكلات التمويل، فلماذا لا يستخدم جزء من عائد تلك الأراضى فى تحديث وإحياء النشاط الأصلى للشركة؟ لماذا يتم تصفية نشاط صناعى؟ هل نعجز عن صناعة عود الكبريت؟ لن نقبل أن تكون إعادة هيكلة قطاع الأعمال العام ذريعة لتصفية النشاط الصناعى للشركات والتحول لمشروعات الإسكان الفاخر. أراضى شركات القطاع العام يجب أن تستخدم فى تمويل إحياء وتطوير الصناعات القائمة، والدخول فى استثمارات جديدة تضيف لقاعدة مصر الإنتاجية. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى