من المتوقع أن يشهد عام 2015 تقاربا أوثق بين مصر ودول إفريقيا التى زار عدد من رؤسائها القاهره خلال الشهرين الأخيرين، مؤكدين أن شعوبهم لا تستطيع الاستغناء عن التعاون معها أو مساعداتها فى مجالات حيوية.فى مقدمة هذه المجالات مكافحة الإرهاب الذى انتشر واكتووا بناره وتدعيم الأمن الذى يعانى معظمهم من عدم استقراره وحفظ السلام الذى تسهم فيه قوات مصرية كبيرة والصحة لمواجهة الأمراض الوبائية والتعليم الذى يشمل مدرسين وخبراء وأئمة ووعاظا ومنحا دراسية بالجامعات المصرية، وشق الطرق، وتشييد المرافق بواسطة شركات مصرية وتدريب الكوادر الإفريقية فى معظم المجالات.ولم يتوقف هذا التعاون حتى خلال تجميد الاتحاد الإفريقى عضوية مصر عقب اسقاط نظام حكم الإخوان. فقد استقبلت القاهرة رؤساء السودان وجنوب السودان وغينيا الاستوائية وتشاد وإفريقيا الوسطى والصومال، وتتعلق الأنظار الآن بزيارة الرئيس السيسى المرتقبة لإثيوبيا هذا الشهر أملا فى أن تعطى دفعة أخرى لجهود حل الخلاف حول سد النهضة بما يحقق تطلعات الشعب الإثيوبى فى التنمية، ويحافظ على حقوق الشعب المصرى المكتسبة عبر التاريخ فى مياه النيل التى يعتمد عليها فى حياته بنسبة 96% . تدخل إفريقيا العام الجديد مثقلة بحروب أهلية وارهاب لم يسبق له على أرضها مثيل وأزمات اقتصادية وأمراض وبائية وتحتاج حكومات معظم دولها الى المساعدة لتخفيف الأعباء عن كاهل شعوبها، فالإيبولا أصاب نحو 20 ألف انسان وأودى بحياة نحو 7 آلاف فى ثلاث دول فقط هى ليبيريا وسيراليون وغينيا خلال 2014، متحالفا مع الإيدز والملاريا والسل والكوليرا التى أزهقت من قبل حياة مئات الآلاف فى كل أنحاء القارة لعجزهم عن توفير ثمن العلاج أو حتى دخول مستشفيات لإنقاذ حياتهم، ويضرب الإرهاب بقوة فى جنبات إفريقيا المبتلاة بالفقر والجهل والمرض حيث عاثت بوكوحرام فى نيجيريا والكاميرون فسادا بقتل آلاف الأبرياء واختطاف مئات النساء والأطفال لاستعبادهن جنسيا أو تفخيخهن بأحزمة ناسفة ليفجرن أنفسهن فى أماكن تجمع البشر حتى ولو كانت مساجد، وآخرهن الطفلة التى تم إنقاذها فى اللحظة الأخيرة قبل تفجير نفسها فى أحد الأسواق بعد أن أهداها لهم والدها! ومثلها تواصل حركة الشباب المجاهدين تفجيراتها فى الصومال وكينيا المجاورة واختطاف غير المسلمين وقتلهم حيث أزهقت أرواح المئات من المدنيين والمسئولين خلال العام الماضى دون أن تلوح فى الأفق بادرة على نهاية تمردهم رغم مصرع زعيمهم أحمد جودانى بضربة جوية أمريكية وإخراجهم من المدن ودفعهم إلى أماكن نائية تحت ضغط قوات الاتحاد الإفريقي. أما ليبيا فتحولت إلى وكر للأفاعى من المتطرفين والإرهابيين الموالين للقاعدة وداعش، وسيطرت ميليشيات فجر ليبيا وأنصار الشريعة وغيرهما على العاصمة طرابلس ومدينة بنغازى وأقاموا إمارة إسلامية فى درنة وأعلنوا ولاءهم لزعيم داعش، ورصدت المخابرات الأمريكية 200 متطرف موالين للتنظيم يتدربون فى معسكر بالصحراء، ورغم الضربات القوية التى وجهتها اليهم أخيرا القوات الموالية للحكومة الشرعية وأجبرتهم على الانسحاب من معظم بنغازى ومناطق أخرى فإن قوتهم مازالت لا يستهان بها وتشكل خطرا على مستقبل ليبيا وأمن الجيران. فمن ليبيا تستمد منظمات متطرفة كثيرة أسلحتها، وتتخذ من أرضها وكرا وقاعدة للتدريب على شن عمليات إرهاب فى دول الجوار، ومما يزيد غموض المستقبل الليبى فى 2015 فشل كل المحاولات حتى الآن فى جمع الفرقاء على مائدة تفاوض واحدة لايجاد حل سلمى للأزمة التى تهدد بحرب أهلية أوسع وتقسيم البلد إلى ثلاث دويلات هى برقة وطرابلس وفزان. أما عن الحروب الأهلية فلا يبدو أن 2015 سيشهد نهاية لكثير منها، وفى مقدمتها الحرب التى دخلت عامها الثانى فى جنوب السودان وراح ضحيتها آلاف القتلى والمصابين ومئات الآلاف من المشردين واللاجئين الذين يواجهون الموت جوعا ومرضا لا لشيء الا لرغبة بعض السياسيين فى الانفراد بالسلطة واقصاء الآخرين.وليس الوضع فى السودان بأحسن منه حالا حيث التمرد فى جنوب كردفان والنيل الأزرق استعصى على الحل بعد تسع جولات تفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية/ قطاع الشمال فى الوقت الذى استمر فيه تمرد دارفور للعام الحادى عشر، وكلما توصلت الحكومة إلى اتفاق مع بعض الفصائل المتمردة ينهار. ومازالت مشكلة الصحراء الغربية المزمنة والنزاع الدموى على الحدود بين إريتريا وإثيوبيا والصراع العرقى بإفريقيا الوسطى بلا حل. وعلى صعيد الحكم الديمقراطى مازال الحكام الديكتاتوريون جاثمين على أنفاس شعوبهم فى دول مثل زيمبابوى وإريتريا وتوجو وجامبيا والجابون وغينيا الاستوائية ورواندا والكاميرون وتشاد وأنجولا، وكأنهم لم يتعلموا الدرس مما حدث لكومباورى فى بوركينا فاسو، أو مبارك فى مصر وبن على فى تونس. ومع ذلك لم تخل القارة السمراء من أمل، فهذه تونس تستكمل مؤسساتها الديمقراطية بانتخابات نزيهة، وذاك شعب بوركينا فاسو ينتفض ضد رئيسه ويطيح به، وفى توجو خرجوا إلى الشوارع مطالبين بتعديل الدستور لمنع الرئيس من ترشيح نفسه فترة ثالثة، وفى زامبيا أجبروا رئيسهم المؤقت على إعادة أمين عام الحزب الحاكم المرشح للرئاسة إلى منصبه، فضلا عن تجارب ديمقراطية ناجحة فى دول مثل غاناوزامبيا والسنغال وتنزانيا وبتسوانا وجنوب إفريقيا وموريتانيا. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى