بلوغ «صالون الشباب» عامه الخامس والعشرين هو حدث يستحق الإشادة والاحتفال، لكنه في ذات الوقت يتطلب التحليل والتقييم ليصل إلى مرحلة النضج الجدير بها اليوم في يوبيله الفضي. أما الاحتفاء، فتتعدد أسبابه بطبيعة الحال، أولها ان صالون الشباب هو الحدث الفني الذي تأسس منذ 1989 ليعرض أعمال الشباب بما بها من تجريب ومغامرة في جميع مجالات الفن التشكيلي المتسعة والمتجددة على مر السنوات، أي أنه ثمرة انتاج الشباب الممثل لأقاليم مصر المختلفة، وبالتالي هو ميزان حرارة للحركة التشكيلية البازغة ولاتجاهات وابداعات وتوجهات الأجيال الجديدة. (أو كما يرد في كتاب الصالون على لسان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة د. أحمد عبد الغني أن صالون الشباب لعب دورا مؤثرا ومتميزا في تقديم نجوم الغد، كاشفا وراصدا ومجددا للوجوه والتجارب والأساليب والتقنيات والاتجاهات الفكرية والفلسفية والجمالية، بروح الشباب المتمردة الجسورة الطامحة والشغوفة بالتجديد والتجريب). كما تجدر الإشادة أيضا بأن القائمين على الدورة ال25 من الصالون اليوم هم في معظمهم من أبناء الصالون أي الذين لمعوا وتميزوا في دوراته المختلفة، سواء بالنسبة لاختيار القوميسير العام للصالون وهو الفنان خالد حافظ، أو في لجنة التحكيم المكونة من الفنان حازم المستكاوي رئيسا، وعضوية سعيد بدر ووائل درويش وحنان الشيخ وهيثم نوار، وكذلك في لجنة الفرز المكونة من ناجي فريد وخالد حافظ وهشام نوار. إذ يحسب معظمهم على جيل التسعينات في الحركة التشكيلية الذين قفزوا وقتئذ قفزة واسعة على صعيد الفن المعاصر و وُجهوا بالنقد واللوم حين قدموا أعمالهم الحداثية من نحت وتجهيز في الفراغ وفن مفاهيمي، لكنهم سرعان ما ثبتوا أقدامهم ومثلوا مصر في تظاهرات ومعارض ومسابقات دولية. وقد يكون لهذا العنصر دخل في توجهات القوميسير خالد حافظ، وهو المدير الفني للصالون الذي تقع عليه المهام الأكبر في تنسيق المعرض وفقا لمفهومه وتوجهه لهذه الدورة، حيث فتحت أبواب سبعة أماكن عرض بالأوبر وبمتحف محمود مختار لاستقبال 400 عمل فني ل310 فنانين مشاركين، وهو عدد ضخم بمعيار المسابقة الفنية، لكنه يعكس رغبة القوميسير في اتاحة الفرصة لأكبر قدر من الشباب في تظاهرة من التظاهرات النادرة التي تخصص لهم بالكامل. أما تيمة المعرض أو «التغريدة» اذا جاز التعبير والتي تفاعلت معها الأعمال الفنية المعروضة، فهي « اليوم.. الواقع البديل.. خارج الصندوق.. عالم بلا حدود»، وهي تبدو مثل تقرير حالة مفروغ منها، إذ إن التفكير خارج الصندوق أمر مسلم به وهو أساس أي ابداع، أما التأكيد على المعاصرة بكلمة «اليوم» وكسر الحواجز أو «العالم بلا حدود» فهو ما يحدث فعليا في عالم الفن الذي اخترقته وتلقفته الشبكة العنكبوتية على جميع الأصعدة، غير أن توكيد حافظ على هذا المدخل جاء من واقع التجربة أيضا من سأمه من المعالجات البيروقراطية للصالون في دوراته المختلفة ومن رفضه لوضع إطار صارم وحاسم يفرض على المبدع ويحد ربما من خياله، في مقابل الحرية والانفتاح والمرونة التي يود أن يوفرها للفنان ويدعوه للمشاركة.
وعلى الرغم من نسبة العرض المرتفعة التي تجاوزت ال 400 عمل فنى، ما بين تصوير ونحت وجرافيك وتجهيز في الفراغ وفوتوغرافيا وفن أدائي (بيرفورمانس)، إلا أن حجب الجائزة الكبرى للصالون تعد علامة دالة على عدم توافق لجنة التحكيم على عمل واحد به من الإبداع والتجريب والجدة والاحترافية ما يجعله جدير بجائزة الصالون الكبرى، كما عبر عن ذلك رئيس لجنة التحكيم لوسائل الاعلام.
إذا كان هناك توجه عام يمكن استخلاصه من الأعمال المشاركة بشكل عام، على الرغم من التنوع الكمي الهائل، فيمكن حصره في أربع نقاط. أولاها الجرأة في الأفكار التي لا توازيها جرأة في التناول الفني، وثانيتها المشاركة الواسعة للفنانات الشابات، وثالثتها تكرار أعمال نجحت في دورات سابقة، وأخيرا تميز الأعمال الحاصلة على جوائز بنك سي آي بي.
يصور أحد الأعمال الحاصلة على جائزة الصالون (وهي عشر جوائز قيمة كل منها 10 آلاف جنيه) للفنان محمود مرعي جسدا ممدد يلفه الكفن الأبيض بينما الرأس يتحرك إلى أعلى بفضل تقنية ميكانيكية لجأ إليها الفنان، ويرمز هذا العمل -وهو تجهيز في الفراغ- إلى حالة الموات والطاقات الانسانية المعطلة والمهدرة بينما تنمو فوقه الحشائش الخضراء، مما يشي بتباشير الحياة الجديدة رغم الموات مع حركة الرأس المقاومة أيضا.
ويشير عمل آخر إلى نفس هذه الروح الجريئة ذات البعد الفلسفي، وهو تجهيز للفنانة إيمان علي (جائزة الصالون أيضا) بعنوان «حضانات الخوف» وقد استخدمت فيه عامل الصدمة بأن أتت بفأر حي داخل القفص الزجاجي أو الحضّانة يشارك نماذج أخرى من القطع النحتية لفئران، وتشير فيه الفنانة –طبقا للكلمة المصاحبة للعمل- إلى استغلال السلطات منذ فجر التاريخ لغريزة الخوف لتنميتها لدى الانسان مما يتيح لها ممارسة القهر والاستبداد.
واذا كان هذين العملين ينتميان إلى الفن المفاهيمي الذي يستند إلى الفكرة الفلسفية في المقام الأول، فهناك العديد من الأعمال الأخرى التي تنشد الجرأة لكنها تتعثر في تبني رؤية فنية مغايرة، وفي خلق عالم مواز،أو في النجاح في إعمال خيال المتلقي. صحيح أن مشاركة العديد من الفنانات الشابات في الصالون من بقاع مصر المختلفة يعد إضافة وإثراء للصالون، إلا أن بعضهن وقعن في فخ المباشرة الفجة في معالجة قضايا التحرش أو «تحرير ثقافة الجسد» والتي لجأت فيه الفنانة إلى شريط صوت يحاكي الخطاب الأصولي حتى وإن كان محتواه تحرريا، وإلى الرسوم شديدة المباشرة على الجدران وتجسيد الدماء المنتشرة في كل مكان باللون الأحمر.
كما يلجأ بعض الفنانين الشباب إلى تكرار ما قدموه في دورات الصالون السابقة أو إلى تقليد أعمال لاقت استحسانا أو حصدت جوائز فيما قبل، مثل تصوير البشر في شرائح طولية ضخمة متجاورة، وهي نوعية تتكرر بشكل ثابت وتعرض في أغلب الأحيان في نفس المكان في قصر الفنون أسفل الدرج نتيجة ضخامة الأعمال، أو اللجوء إلى الحشرات الحية في الأعمال التصويرية، أو اعادة انتاج وجوه الفيوم وغيرها من التيمات التي لا يتم توظيفها بشكل جديد.
وقد تكون الأعمال الفائزة بجوائز الصالون مختلفا عليها، لكن اللافت هو تميز الأعمال الحاصلة على جوائز البنك التجاري الدولي الذي يسهم في اقتناء مجموعات من الأعمال من الصالون للعام الرابع، مثل أعمال الجرافيك لأحمد بسيوني حجازي وبدوي مبروك، أو أعمال التصوير لجلال حسين محمود وأحمد عبد الظاهر وصالح العنبري أو في الفوتوغرافيا لأويس أبو زيد.
يرى الفنان عادل السيوي أن هناك حدثين في غاية الأهمية هما صالون الشباب والمعرض العام، وأنه إذا تم الإعداد لهما جيدا لأسهما في إحداث حوار مهم في الحركة التشكيلية وفي انتزاعها من ثباتها. وبداية يجد السيوي تعارضا بين كلمتي «صالون» و«مسابقة»، فإما أن يتم تبني مفهوم الصالون أي يقدم الجديد من انتاج شباب الفنانين أو مسابقة يتم التنافس عليها، وفي كل الأحوال لا يفترض أن يتقدم الفنان بعمله ويرشح نفسه للصالون. إذ يعتبر هذه الآلية آلية بيروقراطية كسولة، تنتظر أن تأتي الأعمال إليها لتقوم بالجمع والفرز، «يجب تحويل الصالون إلى شيء فاعل يفيد الشباب، فهناك الكوريتور المنسق الفني الذي يذهب للبحث عن الاعمال المميزة ويجمعها طبقا لرؤيته الفنية، بعيدا عن فكرة المسابقة والجوائز يجب أن يكون هناك جزء خارج المسابقة يقدم ما يفيد الشباب ويثير حوارا حوله، مثل التركيز على النوع الفني المنتعش خلال هذا العام إن كان التصوير أو التحريك أو الرسم».
فالدولة –بحسب عادل السيوي- تسحب يدها بمجرد أن يتم عرض الصالون، بينما أهمية الصالون الحقيقية تكمن في هذا الحوار وفي عقد لقاءات بين الشباب حول الأنواع الفنية المختلفة مثل فنون الميديا أو النحت، وحوار بين الشباب خارج وداخل الوسط التشكيلي، ومع النقاد الذين يعملون في معزل عن أفكار الشباب.