فى كل الأحوال «فتش عن السياسة» .. ذلك لأن السياسة ربما تكون مصدرا للاستقرار والتنمية والسياحة.. لكنها فى أحيان كثيرة تكون مصدرا لعدم الاستقرار والصراعات بين الدول أو حتى داخل الدولة الواحدة.. وبالتالى تتراجع التنمية والسياحة. والفرق بين كلمتى السياسة والسياحة «حرف واحد».. لكن تأثير السياسة على السياحة لو تعلمون عظيم.وما تقوله الأحداث يؤكد ذلك.. لأن ما يمكن أن نسميه فى السياسة «الحرب الباردة الجديدة» بين روسياوأمريكا ومعهما أوروبا قد انعكس سلبيا على الاقتصاد والسياحة هذه الأيام.. فالعقوبات التى فرضتها أمريكا وأوروبا على روسيا أدت إلى انخفاض أسعار البترول والغاز بنسبة 05% تقريبا، حيث وصل سعر البرميل إلى 06 دولارا فقط، وتأثر الاقتصاد الروسى كثيرا وبدرجة أحدثت تراجعا شديدا فى العملة الروسية، فبعد أن كان الدولار يساوى 03 روبل، ارتفع إلى 29 روبل فى أدنى هبوط للعملة الروسية، مما أدى إلى تدخل الرئيس بوتين لضخ مبالغ ضخمة من الاحتياطى النقدي، فهبط إلى 25 روبل حاليا. ماذا يعنى ذلك؟ وما هو تأثيره على السياحة المصرية؟ يعنى أن شرور وشظايا السياسة أو الحرب الباردة الجديدة بين روسياوأمريكا بدأت تطول السياحة المصرية.. ذلك لأن ضعف العملة الروسية أدى إلى ضعف الطلب السياحى على مصر، وبالفعل تراجعت نسب الإشغال فى الغردقة بشكل كبير مع بداية ديسمبر الحالى. ذلك لأن المواطن الروسى بدأ يفكر فى الادخار بعد أن ارتفعت أسعار السلع هناك، وبالتالى ألغت الشركات الروسية مع بداية شهر ديسمبر الحالى نحو 05% تقريبا من رحلاتها إلى مصر.. والوضع مرشح للسوء، خاصة أنه يصادف الشهور الشتوية التى كانت تعنى تدفقا كبيرا من روسيا على مصر إذا لم تتحرك مصر لمواجهة هذه الأزمة التى تهدد السياحة المصرية فى الغردقة وشرم الشيخ، خاصة مع ما تردد من أن الحكومة الروسية ستنصح مواطنيها بالاتجاه إلى السياحة الداخلية لمواجهة تدهور الروبل بل الأخطر أنه يتم منع التحويلات من الشركات إلى مصر حاليا . والخطر أن السياحة الروسية الشاطئية حاليا تمثل ما يقرب من ثلث السياحة إلى مصر.. فالأرقام تقول إن روسيا صدرت إلى مصر فى 0102 عام الذروة 8.2 مليون سائح.. لكن المثير أنها حتى نهاية نوفمبر الماضى وصلت إلى 9.2 مليون.. أى أنها بنهاية العام الحالى ستتخطى 3 ملايين سائح، أى تقريبا ثلث ما جاء لمصر من جميع دول العالم العام الماضى (5.9).. وهو الرقم نفسه المتوقع هذا العام أو أكثر منه قليلا.. وهذا الرقم الروسى هو أكبر رقم تصدره دولة إلى مصر.. وبالتالى تتضح قيمة روسيا فى مصر سياحيا.. لأن هذا الرقم يعنى أنها تساهم بنحو 2 مليار دولار فى دخل السياحة المصرية. نحن أمام أزمة جديدة بالفعل.. لأن هذه السياحة تعيش عليها الغردقة وشرم الشيخ.. فهى التى توفر نسب الأشغال المقبولة التى تنفق منها الفنادق رغم «رخص» أسعار السياحة الروسية. ولا يخفى على أحد أننا نصنف كدولة سياحية رخصية.. فمتوسط انفاق السائح فى مصر العام الماضى كان 46 دولارا يوميا.. وهذا العام من المتوقع أن يرتفع إلى 08 دولارا تقريبا بسبب زيادة أعداد السياحة العربية أو السعودية على وجه الدقة، وهى سياحة عالية الانفاق متوسطها 021 دولارا فى اليوم، بينما متوسط انفاق الروس 55 دولارا فقط.. ومع هذا يظل سائحا مهما نظرا لوصوله إلى 3 ملايين سائح إلى مصر يشكلون عصب الحياة السياحية أو نسب الإشغال فى البحر الأحمر وجنوب سيناء. إن علينا أن نتحرك لمواجهة هذا الموقف.. لأنه لو استمر تراجع الطلب، فإن الأمر قد يتدهور، وتلغى شركات الطيران جداولها إلى مصر، ونجد بعد ذلك صعوبة كبيرة فى استعادة هذا السائح الذى قد تخطفه، تركيا التى تنافسنا عليه، فمعروف أن تركيا تسبقنا فى الحصول على هذا السائح نظرا لقربها من روسيا ولرخص أسعار سياحتها الشاطئية أيضا مثل مصر، وكذلك لسيطرة الأتراك على الشركات الكبرى هناك والطيران لدرجة إنهم يفكرون فى تحويل طائراتهم إلى السياحة الداخلية . وهذا التحرك لابد أن تبدأه وزارة السياحة بالتعاون مع الشركات الكبرى الروسية، فهناك 4 شركات تسيطر على هذه السوق تقريبا وهى شركة «تيز تورز» التى كانت تخطط لجلب نحو 2.1 مليون سائح إلى مصر هذا العام وهذا الرقم للأسف تراجع إلى نصف مليون فقط ، وكذلك شركة «بيجاس»، وشركة «برسكو» وشركة أوديون، والأربعة تقريبا تشكل نحو 57% من السياحة الروسية، ولذلك يشكل التنسيق معهم أهمية كبيرة. وقد سمعت كلاما كثيرا هذا الأسبوع عن أفكار للخروج من هذه الأزمة أو للمساعدة فى استمرار تدفق السياحة الروسية، منها ما هو صعب التنفيذ ويتطلب تدخل البنك المركزى سواء فى مصر أو روسيا، وهو ما يتعلق باقتراح البعض مقايضة أسعار البرامج السياحية بأسعار السلع أو المنتجات التى تستوردها مصر، أو الدفع بالروبل بدلا من الدولار لتشجيع السائح الروسي.. لكن من الصعب قبول ذلك، لأن الفنادق فى حاجة إلى الدولار فضلا عن أن هذا الاتفاق سيتطلب وقتا للتنفيذ . أما ما نطرحه وما يمكن أن نسميه حلولا عملية هى التوجه إلى الطيران مباشرة، فمن الممكن التفاهم مع الشركات الروسية على تطبيق برنامج تحفيز الطائرات الشارتر على الكراسى الفارغة، ومن الممكن تخفيض رسوم الهبوط أو الاقلاع والمغادرة والتأشيرات وذلك لمدة 3 أشهر مثلا لحين تحسن الأحوال بالتعاون مع وزارات الطيران والمالية والخارجية، ومن الممكن أن تقدم البرامج عروضا بأسعار مخفضة للإقامة الطويلة وللعائلات والأطفال مجانا، لأن نسبة 06% من السياحة الروسية عائلات، والتوجه بحملات إعلانية مباشرة للسائح الروسى تقنعه فى شهور البرد القادمة بإمكانية السفر بأسعار رخيصةبل أرخص من أن يجلس فى بيته ، وكل ذلك حتى لا يتراجع الطلب على مصر. إنها أفكار واجتهادات نطرحها للحوار والمناقشة، ومن عنده غيرها فأهلا به.. فقط على وزارة السياحة والغرف السياحية التحرك حتى لا نفقد هذه السوق «الروسية» المهمة، التى تشكل ثلث السياحة الوافدة إلى مصر. لمزيد من مقالات مصطفى النجار