وزارة الأمن الداخلي الأمريكية: هجوم مسلح على دورية شرطة في شيكاغو    «مش عايزين نفسيات ووجع قلب».. رضا عبدالعال يشن هجومًا لاذعًا على ثنائي الزمالك    إعلام فلسطينى: طيران الاحتلال يشن عدة غارات على مناطق مختلفة من مدينة غزة    في اليوم العالمي للصيادلة.. نائب محافظ سوهاج ووكيل وزارة الصحة يكرمان قيادات مديرية الصحة والمتفوقين من أبناء الصيادلة    انهيار جزئي لأحد المنازل القديمة أثناء تنفيذ قرار الإزالة بشارع مولد النبي بالزقازيق .. والمحافظ ينتقل للموقع    أسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأحد 5102025    سعر الدولار أمام الجنيه المصري بمحافظة الشرقية اليوم الأح 5أكتوبر 2025    «تهدد حياة الملايين».. عباس شراقي: سد النهضة «قنبلة نووية» مائية على وشك الانفجار    9 أيام إجازة في شهر أكتوبر 2025 للطلاب والقطاعين العام والخاص.. موعد اَخر عطلة رسمية في العام    حماس: إسرائيل قتلت 70 شخصا رغم زعمها تقليص العمليات العسكرية    ترامب: وقف إطلاق النار في غزة سيتم بالتزامن مع تبادل الأسرى والمحتجزين    بعد 12 عامًا من الهروب.. ما تفاصيل تسليم فضل شاكر نفسه للجيش اللبناني؟    إعلام إسرائيلى يكشف أعضاء فريق التفاوض    ارتفاع كبير في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد محليًا وعالميًا    ألونسو يكشف حالة مبابي وماستانتونو    أحمد شوبير يكشف مفاجات مهمة عن انتخابات الأهلي.. الكيميا بتاعت حسام غالي مظبطتش مع الخطيب    خسارة المغرب تقلص حظوظ مصر في التأهل لثمن نهائي كأس العالم للشباب    وليد صلاح الدين: ملف المدير الفنى الجديد تحت الدراسة.. ولا توجد ترضيات للاعبين    مصر تشارك بفريق ناشئين متميز في بطولة العالم للشطرنج 2025 بألبانيا    اسعار اللحوم اليوم الأحد 5 اكتوبر 2025 بمحلات الجزارة فى المنيا    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «اعتداء ضابط على بائع متجول» بالإسكندرية    تشييع جثامين 4 ضحايا من شباب بهبشين ببنى سويف فى حادث الأوسطي (صور)    لسرقة قرطها الذهبى.. «الداخلية» تكشف حقيقة محاولة اختطاف طفلة بالقليوبية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    نجل فضل شاكر ينشر صورة لوالده بعد الكشف عن تسليم نفسه    تكريمات وذكريات النجوم في مهرجان الإسكندرية السينمائي    اعرف تردد مشاهدة "قيامة عثمان" بجودة HD عبر هذه القناة العربية    بعد 20 عامًا على عرضه.. المخرجة شيرين عادل تحتفل بمسلسل «سارة» ل حنان ترك (صور)    مهرجان روتردام للفيلم العربى يقاطع إسرائيل ثقافيا تضامنا مع فلسطين    الفيلم المصرى ضى يفوز بالجائزة الكبرى فى مهرجان الفيلم المغاربى فى وجدة    عمرو سعد يستعد لتصوير «عباس الريس» في ألمانيا    مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في محافظة الشرقية    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الاحد 5102025    لعلاج نزلات البرد.. حلول طبيعية من مكونات متوفرة في مطبخك    أعراض متحور كورونا «نيمبوس» بعد تحذير وزارة الصحة: انتشاره سريع ويسبب آلامًا في الحلق أشبه ب«موس الحلاقة»    بمكونين بس.. مشروب واحد قبل النوم يزيد حرق الدهون ويحسن جودة النوم    لا مزيد من الروائح الكريهة.. خطوات تنظيف البط من الريش والدهون    بدر عبد العاطي وحديث ودي حول وقف الحرب في غزة وانتخابات اليونسكو    ضربة جديدة لحرية الرأي والبحث العلمي ..دلالات الحكم على الخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق    مصرع طفل وإصابة شخصين في حادث دراجة نارية بالفرافرة    اندلاع حريق في «معرض» بعقار سكني في شبرا الخيمة بالقليوبية    المؤتمر: اتحاد الأحزاب تحت راية واحدة قوة جديدة للجمهورية الجديدة    دراسة حديثة: القهوة درع واق ومُرمم لصحة الكبد    مصرع 3 عناصر إجرامية شديدة الخطورة خلال مداهمة وكرهم ببني سويف    صادر له قرار هدم منذ 53 عامًا.. انهيار جزئي لعقار في جمرك الإسكندرية دون خسائر بشرية    ضحايا فيضان المنوفية: ندفع 10 آلاف جنيه إيجارًا للفدان.. ولسنا مخالفين    أخبار × 24 ساعة.. قافلة إغاثية لمتضرري ارتفاع منسوب نهر النيل في المنوفية    «الهيئة الوطنية» تُعلن موعد انتخابات النواب 2025 (الخريطة كاملة)    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    بداية فصل جديد.. كيف تساعدك البنوك في إدارة حياتك بعد الستين؟    لأول مرة فى تاريخها.. اليابان تختار سيدة رئيسة للحكومة    دوري أبطال أفريقيا.. قائمة بيراميدز في مواجهة الجيش الرواندي    بشير التابعى: مجلس الزمالك ليس صاحب قرار تعيين إدوارد ..و10 لاعبين لا يصلحون للفريق    شريف فتحي يشارك في اجتماع غرفة المنشآت الفندقية بالأقصر    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول الطلاب بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي الجديد    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية الداعية.. ولادة الخباز!
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 12 - 2014

العين لما تفضى تبقى حجر، والعين المقصودة هى عين الماء عندما تزول منها منفعة الماء، وتصبح خرابا، لايبقى فيها إلا الحجر، وربما انتشر المثل المعروف عن العين الحجر، التى لاتخجل ولا تستحي، من تلك العين الفارغة، بعد أن ذهبت منفعتها وبقيت أحجارها، لا تفيد ولاتنفع، ولكن العين الحجر للبشر تضر بقلة الحياء وبالادعاء والتعالى والإيهام أنها ترى ما لا يراه الآخرون!
أعتقد أننا نعيش الآن النتيجة الطبيعية لتفشى العيون الحجرية، فى خطاب الثقافة العربي، على مدار عقود تقلب الناس فيها بين أيديولوجية شيوعية واشتراكية وقومية ودينية ومذهبية، كلها تعتبر نفسها سدنة الحقيقة وأصحاب رسالة مقدسة، يجب نشرها وفق معتقداتهم ورؤيتهم وتفسيراتهم للحياة والمجتمع والبشر، بسبب هذه الحالة أغرت المجتمعات العربية الساسة بالاستبداد،على اعتبار إخلاصهم فى خدمة بلادهم قد أصبح حكرا عليهم، فى بلاد غارقة فى الأيديولوجيات المتصارعة بلا ضمير، وأصبحت هذه الاتجاهات أسلحة سياسية لضرب بعضها بعضا، على حساب تقدم الأمة العربية بالفكر المعرفى العلمى النقدى وشاء الله مع خراب الثورات العربية، أن يفضح أصناما شريرة احترمناها ردحا من الزمن احتراما لا تستحقه فتحطمت مع بزوغ الوعى الجديد.
العقل النقدى لا يعنى التعنيف والتسفيه والتأنيب، بل على النقيض من ذلك هو حماية المجتمع من الوقوع فى فخ دينامية الأيديولوجيات، المؤدية للصراعات الفكرية، فيقف وطنيون ضد وطنيين ومتدينون ضد متدينين، فيضيع الوطن فى متاهات الخصومات الفكرية، التى أودت ببلاد عربية لمصيرها المحتوم، وبعد هذا الثمن الباهظ للوعى بخطر الأفكار النهائية الوثوقية، علينا تغيير عتبة الدار من أساسها نحو لغة العصر، التى لا تعرض أصنام الأيديولوجيا الحقودة.
لم تسقط التيارات الأيديولوجية من السماء، ولكنها نتيجة للمجتمع الذى أفرزها، واستسلم لأصنام الحشد الشعبوى الأيديولوجي، وتكشف الصحراء الثقافية التى أبرزت بنية فكرية لشباب ينساق بسهولة وراء عواطفه وجموح خيالاته، لا يعطى للمعايير العلمية والنقدية أى اعتبار، مستسلما للأفكار الجاهزة، وألقى بتبعة تفسيرها للآخرين، مستخدموا هذه العقول المأدلجة فى السياسة كوقود لأطماع مالية سياسية، لا تمانع أن تكون أدوات للقوى الخارجية، وتتهم الآخرين بذلك، كما تفعل تيارات الإسلام السياسى للمخالفين لها، فتتهمهم بالعمالة لأمريكا والغرب، وترتمى هى فى أحضان ذلك الغرب، تمويلا ومأوى وتحالفا، دون أن يغمض لها جفن فى أعينها الحجرية!
لغة العصر هى العلم والبحث العلمى الذى لا يقبل النهائيات، أو الأوصياء على الآخرين، باسم هذه النهائيات الوثوقية للأيديولوجيات التى ثبت فشلها فى تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وأثبتت التجربة المتمسحة بالدين أنها أكثر نيو ليبرالية، من الأنظمة التى أسقطتها، وأشد استبدادا من جميع الأيديولوجيات، بالقهر الاجتماعى وإطلاق الأحكام التقويمية، والنفاق المفضوح فكانوا خطرا على وحدة المجتمع والدولة والوطن، بالتعسف الأيديولوجى الذى أدخلنا فى معارك دونكيشوتيه عفا عليها الزمن!
أما المجتمع المغلق لا أفق أمامه، مادام يضع سلم التطور بالعرض، فلا حاضر ولا مستقبل أمامه.
الآن نشهد نهاية الداعية الغارق فى أوهامه الأيديولوجية، وأفكاره الجامدة الشكلية العاجزة عن حل مشكلات الحياة، ما لايفهمه أو يطيقه، فأدواته عاجزة عن هذا الفعل الذى يحتاجه الناس، وأدوات المثقف الحقيقى تعتمد على دراسة الواقع وتحليل الأفكار واستشراف المخاطر، وكان المفكر المغربى (عبد الإله بلقزيز) قد بشر فى نهاية التسعينيات بنهاية الداعية، العقائدى المطمئن إلى يقينياته، بوصفها إدراكا صحيحا للعالم، حتى لو لم يعتقد بامتلاكه الحقيقة، ولكنه داعية تبريري، هبط من دور المثقف المنتج للمعرفة إلى الدعاية السياسية، التى جرت إلى لغة الإنكار والإقصاء والعنف فى الحروب الفكرية، ورأى أن المجتمع العربى لم يعد فى حاجة لأدوار ثقافية ينتدب أصحابها أنفسهم لمهمات أكبر من حجمهم، ولا تنتمى إلى حقل المعرفة والثقافة، وتلزم نفسها بما رسمه (ماركس)، من أن مهمة المثقف تغيير العالم، والتى عادت على المجتمع، وأيضا أصحابها، بأقدح العواقب، وطالب المثقفين بالعودة إلى دورهم الحقيقى فى إنتاج المعرفة، وزيادة رأسمالهم منها لتفسير العالم بالالتزام بالنزاهة العلمية والموضوعية فى التحليل والأحكام.
وأعتقد بعد عناء أننا وضعنا لنهاية الداعية بكل أشكاله الأيديولوجية بعد أن دفع العرب ثمن ذلك الوعى من دمهم المسفوح، بسبب الدوران فى تلك الدوامة الأيديولوجية، التى دخلها كل من هب ودب، ومنح نفسه دورا تبشيريا رسوليا غير مؤهل له، وسيقطع دابر هذه الآفة، العمل على ايجاد بيئة اجتماعية منتجة، تستوعب طاقة الشباب فى الوحدات الإنتاجية، تحت رعاية الدولة المنظمة، وهو ما فعلته الصين فى صعودها السلمي، والتى استفادت من فشل التجربة السوفيتية، عندما مدت نفوذها الأيديولوجى خارج نطاق قدراتها، فى مثل تلك الظروف التى نمر بها علينا استدعاء الأفكار الناجحة من الشرق والغرب ومن التاريخ، القادرة على تفسير العالم وفهم فلسفته، خاصة أن الوعى العام لفظ كل الدعاة بمختلف أيديولوجياتهم وآمن بضرورة أن يعطى العيش لخبازه، ومؤهل لولادة الخباز.
لمزيد من مقالات وفاء محمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.