أسبوع أو أكثر قليلا مر على بداية الأزمة الجديدة بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة ومازال التوتر قائما، بعد أن توسعت المواجهة بين الطرفين وتعددت فصولها. فالازمة التى بدأت على خلفية اتهام واشنطنلبيونج يانج بالوقوف وراء الهجوم الالكترونى والقرصنة التى تعرضت لها شركة سونى بهدف وقف عرض فيلم كوميدى يتعلق باغتيال الزعيم الكورى الشمالى "كيم جونج أون"، وانتهت بتعرض كوريا الشمالية منتصف الاسبوع الماضى لانقطاع تام لخدمة الانترنت لمدة 9 ساعات ونصف الساعة تقريبا انعزلت خلالها عن العالم الخارجى تماما، تخللتها حرب كلامية وملاسنات وتهديدات متبادلة من الطرفين. فالجانب الكورى الشمالى الذى رفض جملة وتفصيلا اتهامات واشنطن وطالب بإجراء تحقيق مشترك بين الجانبين لمعرفة الفاعل الحقيقى، لم يتوان عن اصدار بيانات ناريه يهدد فيها البيت الابيض والبنتاجون، ويؤكد أن الجيش والشعب على أتم الاستعداد لمواجهة الولاياتالمتحدة على كل الاصعدة بما فيها الحرب الالكترونية، واصفا الولاياتالمتحدة بأنها مستنقع الارهاب، وذلك فى رد سريع ليس فقط على رفض واشنطن عرض بيونج يانج اجراء هذا التحقيق المشترك، ولكن ايضا على تهديد اوباما بأن ادارته تفكر جديا فى اعادة كوريا الشمالية الى قائمتها الخاصة بالدول الراعية للارهاب، وبان بلاده تحتفظ بحق الرد المناسب على هذا الهجوم الالكترونى فى الوقت الملائم وبالطريقة التى تراها. ورغم أن الموقف الامريكى المتشدد من كوريا الشمالية ليس جديدا أو مستغربا بالنظر الى تاريخ الخلافات الطويل بينهما، الا أن الجديد هذه المرة ما رصده المراقبون من انكار كل طرف لمسئوليته عما يحدث للطرف الاخر، فكما سبق ونفت بيونج يانج مسئوليتها عن القرصنة التى تعرضت لها شركة سونى وتسببت فى تسريب خمسة أفلام من انتاج الشركة قبل عرضها، فضلا على تسريب البيانات الشخصية للعاملين ورسائل المديرين التنفيذيين بالشركة، امتنعت الادارة الامريكية بدورها عن التعليق على توقف خدمة الانترنت فى كوريا الشمالية، مكتفية على لسان المتحدثة باسم الخارجية الامريكية بالقول أنها لا يمكنها تأكيد ما اذا كانت كوريا الشمالية قد فقدت الاتصال بالانترنت بسبب هجوم الكترونى أم بسبب عطل فنى. ولكن هذا الجدل الدائر فتح بدوره مجالا للنقاش، خاصة أن هناك من يرفض الاتهامات المسبقة التى يوجهها كل طرف للاخر، بل ويطرح تساؤلات عن قوة الادلة التى توصل اليها مكتب التحقيقات الفيدرالى وهل تسرع فى توجيه الاتهام لكوريا الشمالية أم لا؟ وفى هذا الصدد يشير هؤلاء الى أن الأدلة التى قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالى تحتوى الكثير من الثغرات، بل أن بعض المحللين المتخصصين فى شئون الشبكة العنكبوتية يرون أنه باستطاعة أى "هاكر" القيام بهذا الاختراق، وأن طبيعة التسريبات التى استهدفت ملفات العاملين ومراسلاتهم الالكترونية تشير الى أنه مجرد عمل عدائى من شخص ربما تكون لديه مشكلة ما مع هذه الشركة وأن الدافع ليس سياسيا، وتساءل بعض الخبراء الامنيين عما اذا كان هذا الفيلم بالفعل هو السبب الحقيقي لهذه الازمة، خاصة أن هذا الربط لم يحدث الا بعد أن قام الاعلام بالترويج له، عندئذ بدأ الحديث عن الارتباط بين الحدثين وظهرت الجماعة التى أطلقت على نفسها "حراس السلام" متوعدة ومهددة من عواقب عرض الفيلم لتأخد الازمة أبعادها الحالية، وليظهر لاحقا من يتحدث عن أوجه تشابه بين ما قامت به هذه الجماعة وهجمات الكترونية نسبت لكوريا الشمالية ضد بنوك وشركات فى جارتها الجنوبية. وهو ما اعتبره هؤلاء يصب ليس فقط فى مصلحة عدم توجيه أى اتهام لشركة سونى بالتقصير فى اجراءات تأمين نفسها ضد هذا النوع من القرصنة، ويعفى الكثيرين من المساءلة باعتبار أنه من الصعوبة بمكان الوقوف أمام ارهاب الدول، ، ولكنه يتيح لواشنطن أيضا أن تجد فى هذه القضية وسيلة مناسبة لتعبئة المواطنين ضد عدو مشترك يهدد أمنها القومى، حتى لو تشكك الكثيرون فى مدى تورط بيونج يانج فعليا فى مثل هذا الهجوم أو قدراتها التكنولوجية الحقيقية عاقدين مقارنة بين الحديث عن هذه القدرات وما أثير سابقا عن اسلحة الدمار الشامل التى امتلكها صدام حسين. وعلى الجانب الاخر فإن النفى الامريكى لما شهدته كوريا الشمالية من انقطاع تام لصلتها بالعالم الخارجى يبدو أمرا غير مقنعا للكثيرين، فتوقيت الانقطاع بعد حديث الرئيس الامريكى مباشرة عن الرد المناسب، اعتبرتحذيرا مما يمكن أن تواجهه بيونج يانج فى الفترة القادمة، كما أن قدرة الولاياتالمتحدة الفائقة على القيام بمثل هذا النوع من الاعمال وعلى التجسس على الاصدقاء قبل الاعداء، واشتراكها فى أوقات سابقة فى شن هجمات الكترونية انكرت فى البداية مسئوليتها عنها قبل أن تظهر الحقيقة لاحقا، خير دليل على أنها ربما تكون السبب الاساسى فيما حدث، وان كان ذلك لم يمنع ظهور تحليلات تنفى بدورها تورط الولاياتالمتحدة وتشير الى أن الزعيم الكورى الشمالى ربما يكون هو من أمر بنفسه باغلاق الشبكة ليضع الولاياتالمتحدة موضع اتهام، أو استعدادا لهجوم الكترونى شامل هذه المرة، أو ربما لصرف الانظار عن قضايا لا تفضل بيونج يانج إلقاء الضوء عليها، خاصة انه حدث بشكل متزامن مع توقيت اجتماع مجلس الامن الذى خصص وللمرة الاولى جلسة لمناقشة انتهاكات حقوق الانسان فى كوريا الشمالية. خاصة مع الاصرار الامريكى على أنها لن تقدم على خطوة من شأنها اغضاب الجانب الصينى الذى يزود بيونج يانج بهذه الخدمة عن طريق شركة "تشاينا تيليكوم". ولكن بعيدا عن هذا الجدل الدائر فقد توقف المراقبون عند عدة نقاط فى هذه الازمة اعتبروها جديرة بالملاحظة، اولها أن تهديد الولاياتالمتحدة باعادة كوريا الشمالية لقائمة الدول الراعية للارهاب لن يكون له تأثير كبير ولن يؤثر على وضعها الدولى كونها من أكثر الدول عزلة بالفعل، كما أن انقطاع خدمة الانترنت وما صاحبه من صخب على النطاق الاعلامى لم يشعر به فعليا غالبية المواطنين الكوريين الشماليين المحرومين من استخدام هذه الخدمة التى تخضع لمراقبة شديدة من قبل الدولة. اما النقطة الاهم والتى اعتبرت مفارقة تستحق التوقف والدراسة فقد تعلقت بالتقدم التكنولوجى الكبير فى هذه الدولة رغم عزلتها والتضييق الشديد على استخدام الانترنت، بل أن بعض الزائرين لاحظوا أن الهواتف الذكية انتشرت فى ايدى الكثيرين رغم أنهم لا يستطيعون استخدامها تطبيقاتها كاملة، ورغم التشديدات المفروضة على الجميع بما فيها السفارات الاجنبية التى منعتها الحكومة من استخدام شبكات "الواى فاى" تحسبا من تمكن المواطنين القاطنين بجوارها من الاستفادة من هذه الخدمة. ليس هذا فحسب بل أن هناك من يشير الى أن كوريا الشمالية طورت برامج كمبيوتر وتطبيقات متقدمة للغاية، ليس فقط للاغراض التجارية ولكن وهذا هو الاهم للاغراض العسكرية ولاختراق أنظمة الدول الاخرى المعادية. وفى سبيل ذلك تقوم باختيار الطلاب النابهين لتدريبهم وصقل مواهبهم فى مجال علوم الكمبيوتر، حتى انهم نجحوا العام الماضى فى انتاج أجهزة كمبيوتر لوحية تعمل بنظام الاندرويد. وفى كل الاحوال ورغم صعوبة تأكيد أو نفى مسئولية أى طرف عن شن أى هجوم الكترونى ضد طرف ما، فان الشىء الذى لا خلاف عليه أن الولاياتالمتحدةوبيونج يانج قد بدءنا مواجهة جديدة ستكون ساحتها الفضاء الالكترونى وهى مواجهة مفتوحة وغير معروفة العواقب.