تشهد العلاقات المصرية الصينية فى الوقت الراهن نقلة نوعية سيتم تدشينها رسميا خلال زيارة الرئيس السيسى للصين وذلك من خلال إعلان الارتقاء بتلك العلاقات الى مستوى «المشاركة الإستراتيجية الشاملة» ، وهى نقلة نوعية بالمقارنة بإعلان «التعاون الاستراتيجى « بين مصر والصين الصادر سنة 1999. والحق أن الصين تتبع منذ سنة 1993 «دبلوماسية المشاركة الإستراتيجية الشاملة « وكانت البرازيل أول دولة أقامت معها تلك المشاركة سنة 1993 ثم مع روسيا سنة 1996، ثم مع باكستان وكندا سنة 2005 بالإضافة إلى عدد آخر من الدول والمنظمات الدولية مثل الآسيان سنة 2003.ولمصطلح المشاركة الإستراتيجية الشاملة معنى محدد فى الفكر السياسى الصينى سبق أن شرحه وين جيا باو، رئيس مجلس الدولة الصينى السابق سنة 2004 بقوله أن تلك المشاركة هى مشاركة بمعنى أنها تتم على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل والثقة المتبادلة، كما أنها شاملة أى أنها تعنى تعاونا متعدد الأبعاد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والثقافية تقوم به مؤسسات حكومية وغير حكومية، كما أنها أخيرا إستراتيجية بمعنى أنها تنصرف إلى تعاون طويل الأمد ومستقر يتخطى الايديولوجية والأنظمة الاجتماعية وتغير الأفراد. وهذا المصطلح يرقى فى الفكر الصينى عن مصطلح «التعاون الاستراتيجي» الذى يقتصر على بعض تلك الأبعاد ، وهو الأمر الذى تمثل فى اعلان التعاون الاستراتيجى بين مصر والصين سنة 1999 كما يتمثل فى علاقات الصين بالاتحاد الأوروبى عدا ألمانيا . ومن ثم فإن مصطلح المشاركة ليس مجرد مصطلح دعائى خاوى المضمون لدى الصينيين ولكنه مصطلح له معنى محدد و تقصره الصين على الدول التى تنوى أن تبلور معها علاقات شاملة بالمعنى سالف الذكر. وكانت الصين ذاتها أيضا هى التى أطلقت على علاقاتها القادمة مع مصر علاقات مشاركة إستراتيجية حيث أعلن منج جيانتشو، عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى الصيني، فى أثناء زيارته لمصر فى 23 نوفمبر الماضى أن «بكين تنظر إلى القاهرة كشريك استراتيجي.» وهو الأمر الذى سيدشن رسميا أثناء زيارة الرئيس السيسى للصين وفى إطاره سيتم التوقيع على عدة اتفاقيات. والحق أن المشاركة الاستراتيجية المصرية مع الصين ذات أهمية مركزية لمصر فى الوقت الراهن بالنظر الى عدة عوامل أهمها ، الصعود الاستراتيجى الصينى والذى جعل الصين القوة الاقتصادية العالمية الأولى بالقوة الشرائية المتساوية، وجعل الاقتصادى البريطانى مارتن جاك يؤكد أن الصين «ستحكم» العالم خلال السنوات القادمة ليس بمعنى الهيمنة ولكن بمعنى تقديم نموذج جديد للتقدم الانسانى ذى ملامح صينية وقابل للتطبيق فى دول أخري. أما العامل الثانى فهو أن الصين قد أصبحت الشريك التجارى الأول لمصر حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين الدولتين سنة 2014 حوالى 11.5 مليار دولار كما أن للصين احتياطيات دولارية تصل الى 1.9 تريليون دولار، واستثمارات خارجية تصل الى 90 مليار دولار. كما أن الصين هى أكبر مستخدم لقناة السويس ومن ثم فهى شريك محتمل فى مشروع قناة السويس الجديدة. فضلا عن ذلك فان الصين تدافع بقوة عن مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول واستعملت الفيتو فى مجلس الأمن لحماية تكامل الدولة السورية، وهو الأمر الذى يتفق مع سياسات مصر بعد 30 يونيو. بالإضافة الى التحول فى النوعى فى السياسة الصينية إزاء الصراع العربى الاسرائيلى مما أغضب إسرائيل ودعا الصين الى الرد بحزم عليها. ومن ثم، فان القرار المصرى بالدخول فى تلك المشاركة هو قرار استراتيجى فى حد ذاته. كما أن تلك المشاركة ذات أهمية للصين أيضا حيث أن الصين تعلم أن مصر هى بوابة دحر الارهاب الذى طال قلب بكين، كما أنها بوابة الاستقرار فى الوطن العربى أمام محاولات حلف الأطلنطى تدمير الدولة العربية، فضلا عن الفرص الاقتصادية الجديدة فى مصر والتى تتوافق مع المشروع الصينى لإنشاء طريق الحرير الجديد. كما ان مصر منذ سنة 1956 تطبق سياسة «صين واحدة»، وهى التى قادت العرب الى الاعتراف بالصين الشعبية. فضلا عن دعم مصر للمشروعات الصينية لبناء طريق الحرير الجديد. وعلى المستوى المشترك فان مصر والصين لاينظران الى المشاركة باعتبارها عملية بناء لمحاور دولية جديدة ولكنها مشاركة تهدف الى تنويع البدائل وتوسيع الخيارات دون أن يعنى ذلك الاقلال من التعاون مع قوى دولية أخري. ومن ثم فاننا ازاء مشاركة استراتيجية تنهض على مصالح متبادلة ومتكافئة دون ادعاء من طرف بالتفوق على الآخر، كما كان الحال فى المشاركة الأوروبية المتوسطية. فإذا كانت تلك المشاركة ذات أهمية مركزية ، فانه من الواجب على المصريين أن يولوها أهمية قصوى من حيث تأصيل مفهومها وبلورة هياكلها. وقد أحسن رئيس الوزراء إبراهيم محلب صنعا حينما أنشأ «وحدة الصين» فى 17 سبتمبر الماضى على المستوى الوزارى فى إطار مجلس الوزراء لتتخصص فى بلورة تلك المشاركة. لعل أول مجالات تأصيل تلك المشاركة هو ما أشار اليه الرئيس السيسى فى حديثه الى وكالة أنباء شينخوا فى 18 ديسمبر من أهمية الاستفادة من التجربة الصينية. وهى تجربة لم تحدث من قبل فى التاريخ إذ نجحت الصين فى تحقيق نقلة نوعية إستراتيجية فى خلال ثلاثين عاما. صحيح أن كل تجربة هى وليدة ظروفها المحلية ولكن هناك دروس مستفادة من هذه النقلة أهمها أهمية بناء نموذج محلى للتنمية لا ينقاد الى وصفة صندوق النقد الدولى ، وأولوية البناء الاقتصادى على التحول الديمقراطى بشرط وجود مشروع حقيقى للتقدم تقوده قيادة حازمة، هذا بالإضافة إلى أهمية توزيع ثمار التنمية بشكل عادل وإعطاء أولوية لمقاومة الفساد. ويشمل بلورة تلك المشاركة مصريا الاهتمام بسد «الفجوة المعرفية» لدى المصريين عن الصين. صحيح أن مصر كانت ومازالت رائدة فى مجال الدراسات الصينية، ولكننا فى حاجة الى بلورة حقل متكامل للدراسات الصينية فى مصر. وفى هذا الصدد نقترح انشاء مركز للدراسات الصينية فى مصر يتوفر على الجمع بين المهتمين بالشأن الصينى فى مختلف التخصصات وتوفير قاعدة معلومات عن الصين. بالإضافة إلى ذلك، فان أحد دعائم المشاركة المرتقبة هو مشروعى طريق الحرير البرى والبحري. والمشروع الأول بدأ بالفعل وأمامه فرصة للارتباط بمشروع قطار الشرق السريع الذى كانت مصر قد دشنته فى التسعينيات وتوقف مع تصاعد الإرهاب فى سيناء. كما أن مشروع طريق الحرير البحرى يرتبط مباشرة بمشروع قناة السويس الجديدة. وتؤيد مصر المشروع الصينى وتدعو الصين الى الدخول فى مشروعات تنموية فى اطار المشروع المصري. وستعقد الصين مؤتمرا موسعا فى فوجيان فى فبراير القادم سنشارك فيه لطرح أدوات الربط بين المشروع المصرى ومشروع قناة السويس الجديدة . كذلك فان المشاركة المصرية الصينية ستشمل بالقطع التعاون بين الدولتين فى مجال دحر الإرهاب من كل المصادر وفى كل الدول. هذا بالإضافة الى تعميق التعاون فى مجال التصنيع الحربى المشترك والاستفادة من مشروعات الصندوق الصينى لتنمية إفريقيا (رأسمال 30 مليار دولار). فى بكين سيتم وضع أسس المشاركة،و علينا أن نشرع من الآن فى تعميق وتطوير هذه المشاركة حتى نتحرر من الضغوط الغربية التى تهددنا بالعقوبات كلما اختلفنا معهم، وهو أمر لم تفعله الصين أبدا.