«عندما أشعر بأننى يجب أن أقول شيئا، فسأقوله حتى لو أمسكنى العالم كله من رقبتى وطلب منى أن أسكت»... هكذا وبمنتهى البساطة لخصت الروائية التركية الشابة إليف شافاق الكثير مما يمكن أن يقال عن عالمها الأدبي، وعن صراعها مع نظام الحكم فى بلادها، الذى اعتبرها «خائنة» للقومية التركية. وكان عام 2014 بالنسبة لشافاق هو عام التألق و الصعود بمعنى الكلمة، فقد صدرت فى هذا العام الترجمة العربية لآخر أعمالها.. رواية «شرف» .. التى أحدثت صخبا لا يقل فى صداه عن ذلك الذى أحدثته روايتها الشهيرة «قواعد العشق الأربعون»، والتى صدرت طبعتها الأولى فى 2010. لكن 2014 ادخر لها من الرواج والصيت ما جعلها تحتل المراكز الأولى فى قوائم الأكثر مبيعا فى العالم العربى وأنحاء عدة من العالم، بعد أن ترجمت لأكثر من عشر لغات. إلا أن أحداث العام كلها لم تكن بالنسبة لشافاق مجموعة من الأخبار السارة، مثلما حدث على صعيدها الأدبي، فقد تصاعدت حدة صراعها مع نظام أردوغان، الذى وضعها- هى والروائى الشهير أورهان باموك- على رأس قائمة «أعداء الداخل»، واتهمهما بالانتماء لمنظمة غربية هدفها زعزعة استقرار تركيا. وعندما طلب منها التعليق على هذه الاتهامات، قالت شافاق إن أردوغان على الأرجح مصاب ب «جنون العظمة». وتعود أزمة شافاق مع نظام أردوغان منذ أن سطرت يمناها رواية «لقيطة اسطنبول»، والتى سردت فيها مأساة الأرمن الذين أبادهم الأتراك، فحكم على شافاق، التى تعيش حاليا فى فرنسا، بالسجن لأنها- بسردها وقائع تاريخية لا خلاف عليها - باتت «خطرا» على سياسات بلادها العليا. إلا أن شافاق اختارت الانحياز للتاريخ، ومضت تستلهم منه أحداث رواياتها الواحدة تلو الأخرى. فهى من أربكت الأوساط التركية بروايتيها «لقيطة اسطنبول» و«شرف» اللتين تمسان الأوضاع المهينة للمرأة فى بلادها. بل لم تكترث شافاق لشيء وهى تقترب أكثر وأكثر من المناطق المحرمة، وتحكى لقرائها عن المسكوت عنه فى تاريخ دولة كانت مركزا للسيطرة على بقعة كبيرة من الكرة الأرضية، ولا تنظر سوى للمزيد من السلطان والهيمنة والمناصب، ولو كان ذلك على حساب الحضارة والدين والإنسانية. فكتبت شافاق فى 2006 روايتها «صبى المعماري»، تلك التى تحكى فيها قصة «صبي» ذهب ليتعلم فنون المعمار على يد مهنى كبير ومحترف . فأخذ يتنافس مع الصبية الآخرين فى لفت نظر الأستاذ و المعلم ، وبالفعل بنى الصبى مساجد فى تركيا يشهد التاريخ على براعة معمارها حتى اليوم. لكن الحقيقة هى أنه فعل ذلك من قبيل التنافس مع الصبية الآخرين والحصول على لقب «صبى المعماري»، رغم بلوغه من العمر سنا كبيرة، ورغم أنه بالفعل بنى معمارا مهيبا و جميلا يشهد الجميع ببراعته، فإنه كان بداخله إصرار على «التبعية» . وفى هذا كله رمز وإشارات واضحة لعلاقة الوالى التركى بالسلطان. ومن المتوقع أن تظل المعركة بين شافاق ونظام أردوغان قائمة فى 2015، بل ربما تشهد المزيد من التطورات.. وربما يأتى على شافاق يوم فى العام الجديد تسير فيه على خطى جابرييل جارثيا ماركيز، الذى كتب «خريف البطريرك»، لتكتب هى الأخرى عن خريف رئيس كان يحلم بإعادة دولة الخلافة، ولو على جثث المعارضين وبقصف أقلام المبدعين .