"حياة الفقراء ازدادت فقرا من أجل أن تزداد حياة الأغنياء غني.. لذا حان الوقت لطوى تلك الصفحة المأساوية من تاريخ نيجيريا".. بتلك الكلمات البسيطة حاول الجنرال الأسبق محمد بخارى أن يعلن عن هدفه من ترشحه لخوض الإنتخابات الرئاسية فى نيجيريا، المقرر إجراؤها فى 14 فبراير المقبل حيث خرج وهو يرتدى الزى الوطنى التقليدى الذى يتكون من جلباب أبيض وعمامه ليحيى جموع مؤيديه الذين خرجوا للاحتفال به بعد أن فاز فى الإنتخابات الداخلية لحزب "المؤتمر التقدمي" بحصوله على 3430 صوتا متقدما بكثير على نائب الرئيس السابق عتيق أبو بكر الذى حصل على 954 صوتا فقط ليصبح بذلك مرشح المعارضة. وعلى مدار العام الحالى لم تخل الأخبار من ذكر ما تعانيه نيجيريا من هجمات إرهابية تشنها جماعة "بوكو حرام" الإسلامية المتشددة بشكل شبه يومي، إلى جانب اختطافهم لأكثر من 200 فتاة فى إبريل الماضي، الأمر الذى أثار الاستياء داخل البلاد وخارجها، وجعل الانتخابات الرئاسية القادمة مصدرا للخوف والأمل معا، ومن المتوقع أن تجرى الإنتخابات فى جو يسوده الهلع من شن المزيد من الهجمات الإرهابية ولكن فى الوقت نفسه ينتظر أن تمثل الإنتخابات بوابة أمل تعبر منها نيجيريا لعهد جديد يعيد الأمن والاستقرار لتلك الدولة التى يطلق عليها "عملاق أفريقيا" لكونها واحدة من أكثر دول القارة اكتظاظا بالسكان حيث يتجاوز عددهم ال 174 مليون نسمة إلى جانب كونها ثانى أكبر قوة اقتصادية فى القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا. ولد بخارى عام 1942 فى شمال نيجيريا لأحد أسر قبيلة الهوسا المسلمة, وقد التحق بالجيش مبكرا وهو ما ساعده على التدرج سريعا فى الرتب العسكرية حتى وصل لرتبة الجنرال, وبعد ذلك دخل عالم السياسة حتى تولى حكم نيجيريا فى يناير 1984 بعد أن قاد انقلابا على شيخو شجارى أول رئيس مدنى لنيجيريا ، ولم يستمر فى الرئاسة سوى عشرين شهرا فقط حتى أنقلب عليه قائد الجيش إبراهيم بابانجيدا وأخرجه من السلطة فى 1985 ، ووضعه قيد الإقامة الجبرية لفترة طويلة. وخلال الفترة القصيرة التى حكم فيها نيجيريا, أشتهر بخارى بحكمته وصرامته وقبضته الحديدية, كما عرف عنه النزاهة والاستقامة وطهارة اليد, وبالقسوة فى مواجهة ارتفاع معدلات الفساد والرشوة آنذاك حيث قام بالزج ب 500 من السياسيين والمسئولين ورجال الأعمال المتورطين فى أعمال فساد الأمر الذى جعله مسار جدل بين كونه رجل شريف يحارب الفساد فى السجون أو ديكتاتور من شأن قراراته التعسفية التأثير على سير العملية الاقتصادية وتطور نيجيريا. وبينما حظى بخارى آنذاك بشعبية كبيرة فى شمال البلاد ذى الغالبية المسلمة, فقد كان يثير مخاوف مسيحيى البلاد بسبب صرامته العسكرية وانتمائه الديني, رغم أنه لم يعرف عنه ارتكاب أى ما يسيء لهم. وبعد مرور أكثر من عشرين عاما عاد بخارى ليشارك فى الحياة السياسية مرة أخرى إثر عودة الحكم إلى المدنيين فى عام 1999 ، ورشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى 2003 و2007 و2011 ولكنه منى بالهزيمة والتى ارجع أسبابها إلى حدوث عمليات تزوير وتلاعب فى النتائج وليس لتراجع شعبيته وبعد أن أصبحت الرؤية أكثر وضوحا بإعلان “الحزب الديمقراطى الشعبي", الذى ينتمى إليه الرئيس النيجيرى الحالى جودلاك جوناثان, تصديقه على ترشيح جودلاك لخوض الإنتخابات للحصول على فترة رئاسية جديدة فى حال فوزه على بخاري، فقد أصبح التنبؤ بالفائز أكثر صعوبة حيث يرى عدد من السياسيين أن فرصة الفوز فى الإنتخابات القادمة ستكون أكبر لجودلاك، الذى ربما يوظف امكانات الدولة لدعم حملته الانتخابية , فى حين يرى البعض الأخر أن فرصة بخارى ستكون أكبر خاصة بعد ما شهده عهد جودلاك من فوضى وغياب الأمن واشتداد شوكة جماعة "بوكو حرام" فى البلاد، ووقوفه عاجزا أمام كل ما يرتكبونه من جرائم, وما بين رجل يرتدى جلبابا وأخر يرتدى قبعة .. تقف تلك الدولة الإفريقية على أعتاب مرحلة جديدة قد تعيد لها أمنها واستقرارها أو تدخلها فى دائرة عنف جديدة تكون أكثر شراسة.