على مدى عقود طويلة ظلت الثقافة المصرية بمختلف وسائلها (مسرح، سينما، إذاعة، صحافة، أدب .... إلخ) مسيطرة على وجدان ووعى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، حتى أطلق عليها الخبراء مصطلح القوة الناعمة. وظهر هذا المصطلح لأنها قوة غير مسلحة تؤثر سلميا على المشاعر والاهتمامات والوجدان والقيم والأفكار والمعتقدات والمبادئ والأهداف، فى سياق معين لتؤدى إلى ثقافة مجتمعية معينة. وإذا كنا نسعى الآن لإعادة بناء الدولة المصرية واستعادة دورها التاريخى داخليا وخارجيا، فإن العمل على تعظيم قدرات القوة الناعمة المصرية واستعادة حيويتها وتأثيرها، لا يقل أهمية عن تعزيز القوات المسلحة ودعم الاقتصاد وإنشاء المشروعات، فكلها مصادر قوة أساسية لا غنى عنها للدولة القوية التى نسعى إلى تثبيت دعائمها. فى هذا السياق تكتسب اجتماعات الرئيس عبد الفتاح السيسى مع كبار الكتاب والأدباء، وتواصله المستمر مع رموز الثقافة المصرية، وكذلك إعادة افتتاح المسرح القومى بعد تطويره أهمية كبري، لأنها مؤشرات على اهتمام الدولة بالقوة الناعمة، والسعى لاستعادة الريادة فى هذا المجال مرة أخري. لكن الثقافة ليست فقط مبانى وشخوصا، ولكن محتوى يعبر عن الواقع ويرسم صورة المستقبل، من خلال الأدب والدراما والإعلام، وعلى المبدعين التكاتف من أجل صناعة سينما تخاطب العقل لا الغرائز، وتقدم صورة حقيقية عن المجتمع بكل المتغيرات التى مر بها، وأن تضئ أنوار المسارح بعد أن اظلمت معظمها طوال السنوات الأخيرة، وتستعيد رسالتها التنويرية التى كانت تقدمها منذ أكثر من قرن. عودة القوة الناعمة لن تتم إلا باستعادة الثقافة المصرية لزخمها التاريخي، وظهور أجيال جديدة من المبدعين الذين يستطيعون التعبير عن الواقع، والتأثير فى وجدان الجماهير لزرع قيم ايجابية كثيرة نحتاجها لبناء مصر الجديدة، ولإعادة اللحمة للشعوب العربية، ولنتمتع بربيع عربى حقيقى يمزج بين الأصالة والمعاصرة بعيدا عن قوى الظلام والإرهاب والاستبداد. لمزيد من مقالات رأى الاهرام