قال الشاعر محمود درويش «وتسأل عن معنى كلمة وطن: سيقولون: هو البيت، وشجرة التوت، وقن الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز والسماء الأولى، وتساءل: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات، وتضيق بنا».. وقال الشاعر العظيم صلاح عبدالصبور فى قصيدته: «الظل والصليب»: هذا زمان السأم.. نفخ الأراكيل سأم.. دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل سأم.. لا عمق للألم لأنه كالزيت فوق صفحة السأم.. لا طعم للندم لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة.. ويهبط السأم يغسلهم من رأسهم إلى القدم. عندما نتحدث عن الوطن نبحث عن محمود درويش، وعندما نسأل عن الألم وعمقه، وعن بلدان تأكل أبناءها نفتش عن ذلك كله بين قصائد صلاح عبدالصبور.. وعندما نبحث عمن حمل الوطن بأوجاعه وآلامه وشاعريته نجد الكاتب السينمائي بشير الديك، الذى نقل هذه الحمول إلى السينما، وبنفس القدر من الألم والشاعرية تناول حيوات البسطاء. الحوار مع كاتب بحجم بشير الديك يحتاج إلى الغوص في عمق المشهد، خصوصًا وأنه واحد من الكتاب القلائل، المهمومين بهذا الوطن.. استطاع بسينماه مع المبدع عاطف الطيب أن يرصد ويحلل وطنًا يأكل أبناءه الحالمين، وطبقة تدفع الثمن غالبًا.. بشير ليس من هؤلاء المبدعون الذين يقدمون فنًا عابرًا، أو يتاجرون بقضايا البسطاء، بل إنه دائمًا ما يضرب في العمق، ويقدم فنًا يحمل صراخات مكتومة، مهما علت أصوات مردديها، فلا أحد يستطيع أن ينسى المشهد العظيم في «ضد الحكومة» الذي قدمه أحمد زكي المحامى «الألعبان» وهو يصرخ بصوت متهدج «كلنا فاسدون»، أو حسن بطل فيلمه المميز «سواق الأتوبيس» - جسده النجم نور الشريف - وهو يصرخ قائلًا «يا ولاد الكلب»، أو مشهد النجم محمود الجندي وهو يثمل ويتساءل «هي الجيوش العربية مش هتيجى» ويرصد التواطؤ بين رأس المال والسلطة في «ضربة معلم»، والاتجار بقضايا البسطاء واستغلالهم في «الهروب»، منتصر المواطن البسيط الذي تستغل كافة أجهزة الدولة قصته البسيطة والإنسانية ورغبته في الانتقام لشرفه، في الهروب من فشلها وتحول قضيته إلى قضية رأي عام، يذهب ضحيتها منتصر وسالم الضابط ابن قريته والذي يتحول هو الآخر لضحية لفساد النظام. الوطن حاضر بقوة في سينما بشير الديك، وملح الأرض من البسطاء يرسمون تفاصيل سينماه، لذلك فالحوار مع كاتب بحجمه هو حوار حول الوطن والمشهد الحالي، وحال الوطن العربي، والسينما التى تأخذنا وتحلق لنسأل. رغم قيام ثورتين إلا أن بعض المصريين مازالوا يرددون مقولة الشاعر محمود درويش «لم نعد قادرين على اليأس أكثر مما يئسنا».. كيف يفسّر الكاتب السينمائي بشير الديك تزايد معّدل التشاؤم ووجود حالة ضبابية في المشهد السياسي؟
أعتقد أن تزايد معدل التشاؤم جاء بسبب رغبتنا في تحقيق كل أهداف الثورة دفعة واحدة، وما يدور حاليًا على الساحة أسميه «جدل الثورة»، لأن الحركة التي اشتعلت يوم 25 يناير والتي بشّر بها وقادها الشباب، ثم احتضنها الشعب وجعلها ثورة، لم يكن مخطط لها، وليس لها قائد محدد مما جعلها في صراع دائم، ولذلك حدث ما يسمى «جدل الثورة» وتجلى ذلك في المطالبات العديدة التي أعقبت الثورة بتغيير الدستور بدون خطة أو رؤية واضحة، عندما تقدم الدكتور علي السلمي بوثيقة المبادئ الأساسية للدستور التي أثارت غضباً عارماً لاحتوائها على بنود تعطي القوات المسلحة وضعاً مميزاً، إضافة لاحتوائها على مواصفات لاختيار الجمعية التأسيسية التي من المفترض أن يختارها أعضاء مجلس الشعب، وأعقب كل ذلك واقعة شارع محمد محمود التي راح ضحيتها الكثيرون، وبدأ الإخوان بعد ذلك تحويل الأمر لحسابهم و»ركبوا على الثورة» رغم أن الجميع يعلم أنهم لم يدخلوا فيها إلا بعدما علموا أنها ثورة شعبية حقيقية، واستخدموا مصطلحاتهم مثل «نحن أبناء الثورة» وغيرها، ودخل المجتمع في حالة صراع، لكن الثورة تحاول أن تحقق أهدافها، والشيء الجميل الذى ظهر أن الشعب المصري لم يصادر على رأى أحد، وترك لكل شخص مطلق الحرية، فهذا يناصر مرسى وذاك يحب مبارك، وأثبت أن لديه تنوع كبير ونضج، بدليل الكوادر العلمية التي ظهرت في الفترة الماضية تقدم اقتراحاتها للنهوض والبناء في مختلف مجالات الدولة، ولابد أن يحدث نضج في المنهج السياسي كما حدث نضج على المستوى المجتمعي، وأود أن أشير إلى أن كل الثورات في العالم يكون ورائها حزب منظم ومحدد الملامح مثلما حدث مع «الثورة البلشفية» التي قام بها الحزب البلشفي في روسيا، ويفترض أن يكون لدى هذا الحزب أجنداته وأهدافه وكوادره واستراتيجياته الخاصة التي يحاول تحقيقها من خلال الثورة، ولكن في حالة الثورة المصرية خرجت الطبقة المتوسطة تهتف «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية»، ثم احتضن الجيش الثورة، وأصبحت ثورة شاملة بعد انتهاء ال18 يوما الأولى وسقط النظام وتحقق بذلك أول مطالب الثورة، وقام الشعب الثائر بعد ذلك بتنظيف الشوارع وطلاء الأرصفة في مظهر حضاري نادرًا ما يحدث. هل تعتقد أن المجلس العسكري في ذلك الوقت كان وراء تصدر الإخوان المشهد السياسي؟ هناك من يقول إنه المجلس العسكري، وآخرون يقولون الأمريكان هم من أرادوا وجود الإخوان في صدارة المشهد، ورغم أنى لا أميل لتصديق هذا الكلام، إلا أنه من الجائز أن تكون هذه حقيقة، أو جزءًا من الحقيقة كأن يضعوا الإخوان في مواجهة الجماعات الدينية المتشددة مثل السلفيين، وهناك العديد من الشواهد على أنه كان للأمريكان يد في تحريك الأحداث على الساحة المصرية، ولكن الإخوان لم يحسنوا استغلال الفرصة بعدما «ركبوا الموجة» ولأنهم طوال ال80 سنة الماضية، يتآمرون على السلطة، لم يستطيعوا التخلي عن منهجهم وحلمهم بوجود الخلافة الإسلامية بسهولة، وأخذ الموقف يتصاعد بينهم وبين الدولة من جهة، والرأي العام في الشارع من جهة أخرى، مما دفع الشعب المصري للانقلاب عليهم في ثورة 30 يونيو وبعدها في 3 يوليو، عندما خرجت الملايين من الطبقة المتوسطة أيضا مرددين شعار «يسقط يسقط حكم المرشد» وليس «حكم مرسى»، وهنا تجلى فهم وإدراك الشعب المصري لكل ما يحدث حوله على الساحة السياسية، وأعلن رفضه لحكم الجماعة وسيطرة مكتب الإرشاد على الحكم، وليس فردًا منها. بصفتك من أهم كتّاب السيناريو.. كيف تتخيل المشهد إذ لم يتدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا التوقيت؟ لولا تدخل الرئيس السيسي والقوات المسلحة، لكان من الصعب التخلص من حكم الإخوان، لأن خططهم تهدف لإحكام التمكين لكافة مفاصل الدولة، إضافة إلى قدرتهم على السيطرة على مجلس الشعب، كما سيطروا على الرئاسة، ووقتها كانوا سيشرعون قوانين كثيرة تخدم مصالحهم الخاصة، وكنا سنقضى سنوات كثيرة نحاول التخلص منها، وللعلم مازال بعض عناصر جماعة الإخوان الذين يعملون في بعض المؤسسات حتى الآن، لديهم رغبة في تحقيق حلمهم بإسقاط الدولة. ولكن البعض يرى أن أخطاء كثيرة ارتكبت فى الفترة الأخيرة ؟ نحن في حالة حرب، وكان بالضرورة أن يتبع تلك الحالة سلسلة من الإجراءات ليصبح المجتمع بأكمله يتعامل بهذا المنطق، واعتقد أن الفجوة جاءت من هنا. ما الاختلاف بين جماعة الإخوان في تونس ومصر؟ الإخوان في تونس استفادوا كثيرا من تجربة الإخوان في مصر، لأن تاريخ الإخوان في تونس ليس بعمق تاريخهم في مصر، فصراعهم مع المصريين ممتد منذ 80 عامًا، وهو ما أكسبهم خبرة نتيجة تعليمات حسن البنا، والتي لم تكن قائمة على أي إنجاز عقلي بل هي بعض النصائح حول كيفية «التآمر على السلطة»، وفى فترة ميلاد تنظيم الإخوان كان هناك الكثير من التنظيمات السياسية السرية ومنها الماسونية، ومن يتأمل شعار الإخوان يجد أنه عبارة عن «سيفان متقاطعان وبينهم كتاب الله تعالى»، ومن نفذ هذا الشعار رسخ فكرة التآمر، والحمد لله أنه أكرمنا بالسيسي لأن لولاه ما كنت أستبعد مصيرا يشبه دولة سوريا، وفى حكم الإخوان كنا مقبلين على كارثة حقيقة تهدد أركان الدولة الأساسية وصل فيها الخراب لحدود خيالية، أما الثورة السورية فكانت مخططًا أمريكيًا كبيرًا لإسقاط المنطقة بأسرها حتى لا يصبح هناك قوى تنافس إسرائيل، وأذكر أنه في عام 93 عندما دخل الأمريكانالعراق وسقطت، وبكيت وقت أن رأيت جندي عراقي يعتذر لنظيره الأمريكي و«أوشك على تقبيل قدميه» ورغم أن النظام العراقي كان به عيوب إلا أنه كان من المفترض أن نعدله، من الداخل وعندما حكم الأمريكان سرحوا كل الجيش العراقي وكان تعداده أكثر من مليون جندي، ولم نفهم وقتها سبب هذا القرار ولكن هذه كانت الخطة لأنهم على يقين من أن الجيش العراقي على معرفة تامة بمخازن السلاح وبعدما أصبحوا بلا عمل، ولا نقود، كونت كل مجموعة من الجيش مليشيات مسلحة طبقا للطائفة التي تنتمى لها، مستعينين بالمخزون العراقي ونشبت حرب الشوارع وتفتت العراق بالكامل من هذا المخطط الأمريكي، والمشكلة الحقيقية هي وجود إسرائيل التي تم تأسيسها من البداية لهدف اقتصادي وهو السيطرة على البترول في المنطقة، كما أن أمريكا سعت لصعود الجماعات ذات التوجهات الإسلامية المتطرفة التي تسعى لوجود خلافة إسلامية مما يعنى قيام دولة إسرائيل على أساس ديني هو حق مشروع لها، وكانت نتيجة المخطط تقسيم المنطقة لمجموعة دويلات لتصبح أقوى دولة هي إسرائيل، كما لم تنس أمريكا أن تقيم أكبر قاعدة عسكرية لها في قلب الخليج بدولة قطر ووضعت بها قاعدة أمريكية جبارة لكى تكون جاهزة في أي وقت وتحكم بها أمريكا السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط. بعد حالة اللغط التي دارت حول محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. ما رؤيتك في مطالبة البعض للرئيس بالتدخل لإعادة المحاكمة؟ بالطبع الحكم صادم جدًا، لكنى كنت أتوقعه، وكان من المفترض أن يحاكم مبارك محاكمة ثورية بعد الثورة مباشرة، وقضيته أرعبت الإخوان الخائفين من مواجهة نفس ما واجهه، والذين يطالبون بإعادة المحاكمة يريدون من السيسي أن يصبح ديكتاتورًا يتدخل في أحكام القضاء التي يتوجب على الجميع احترامها إذا أردنا لهذا البلد أن يكمل في طريقه الصحيح، ومن المؤكد أن لكل ثورة ضحايا وإذا أحدثنا استثناءات الآن فبذلك سنرسخ لقدرة شخص ما على أن يتحدى القانون، لكن من الممكن أن نعدل الثغرات الموجودة في القانون والتي أدت لضياع الحقوق، ولا أفهم مطالبات البعض للرئيس بالتدخل في أحكام القضاء بما يتناسب مع أهوائهم فقط. كيف ترى المطالبة بالإفراج عن علاء عبدالفتاح وأحمد دومة من السجن؟ مشكلة هؤلاء «النشتاء» بالتاء وليس بالطاء، في أننى لا أفهم «بيعملوا إيه»، أنهم وقفوا ضد القانون جهارا بل وتحدوه، وفكرة «أنى خارج عشان أكسر القانون» ليست فكرة صائبة، واعتراف دومة بأنه حرق المجمع العلمي لم يكن لصالحه، نحن نريد إقامة دولة وهم يطالبون السيسي أن يتدخل ويخرجهم من السجن، هذا أمر غير مقبول، هناك أخطاء طول الوقت وعلينا أن نعدلها والدولة حاليا في حالة حرب ما يحدث من قتل ممنهج يعنى أننا في حالة حرب، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، والخطأ الذى ارتكبه السيسي أنه لم يفعّل قوانين حالة طوارئ بما أننا في حالة حرب. هل الإعلام المصري يرتكب حماقات في الوقت الحالي؟ غالبا، لأن الإعلام الحكومي يعبر عن توجهات السلطة ويتم السيطرة عليه لصالحها، وأما الإعلام الخاص فهو أيضا تمت السيطرة عليه لصالح رجال الأعمال، والإعلام حاليا داخل على مرحلة صعبة وهى سيطرة الإعلان على الإعلام، وأصبح لا يستضيف إلا الوجه الذى يجلب إعلانات ويبيع، ولكنى أرى أن الخراب الذى عانينا منه كان بسببنا جميعا «فكلنا فاسدون». ما رأيك فيما يقال إن الأستاذ هيكل عراب لكل العصور .. وأن السلطة كلما شعرت بارتباك الموقف استدعته ليطل علينا بتحليلاته وآرائه .. في حين أن البعض يرى أنه آن الأوان لأن يخلى الساحة لمن بعده ويستريح؟ أرى أن هيكل هو المنجد والمسعف لنا، وهو وحده من يستطيع أن يضع الأمور السياسية فى نصابها الصحيح عندما تتعقد وتظلم الرؤية، لأن ذهنه حاضر، وذاكرته شاهدة على الكثير من اللحظات الحاسمة في تاريخنا، والأستاذ هيكل رد على مرددي هذا الكلام عندما قرر أن يتوقف عن الكتابة عندما وصل لسن ال 85 ولكن نظرا للاحتياج الشديد له، وافق أن يتعاون عن طريق الحوار معه، لأنه رجل يعلم جيدا متى وكيف وأين يتوقف، وهيكل يمثل حالة خاصة لأنه لم يتبع خطى أغلب الصحفيين في عهد السادات الذين قرروا أن يتخلوا عن البلد بسبب خلافاتهم مع السلطة ولكنه وبرغم اختلافه الحاد لم يخرج، ولا يوجد أي دافع يجبر أي كاتب لمهاجمة هيكل سوى البحث عن الشهرة، وأعرف شخصا يعمل في مجال الكتابة لا أود ذكر أسمه، قام بتأليف كتاب مبنى على انتقادات موجهة لهيكل، وفى رأيي هذا المؤلف لا يريد شيء سوى أن يقبل الناس على قراءة كتابه لمجرد أنه يحمل اسم هيكل، وهناك أناس مرضى يهاجمون كل المشاهير والمؤثرين في المجتمع. أين ترى الشباب على خريطة المشهد السياسي؟ ما يقال عن تنحية الشباب ليس صحيحا، لأن كل المؤسسات والوزارات فيها شباب كما أنه لا يوجد تعريف محدد لفئة الشباب، ولا يجوز تقسيم المجتمع لشباب وكهول لأنه لابد أن يكون هناك انسجام وتمثيل كل الأعمار. قلت من قبل إن عصر مبارك يذكرك بدولة المماليك القبيحة.. بماذا يذكرك عصر محمد مرسي؟ الإخوان رسخوا لفكرة أن معارضيهم خرجوا عن الدين وأصبحوا كفارًا، وفكرة الإسلام السياسي قاتلة للدين وللسياسة على حد سواء، وأبرز مثال على ذلك تنظيم «داعش» الذي يرتكب المجازر باسم الإسلام، والجماعة طوال الوقت كانت تضع الثورة الإيرانية نصب أعينها، ولكن الإيرانيين نجحوا في إنشاء دولتهم التي لديها ذراع عسكرية، لكن الإخوان لم يستطيعوا إنشاء دولتهم الإخوانية التي تجعل القواعد الحاكمة للمجتمع مستمدة من السلطة الدينية وليست السياسية. ما تعقيبك على تصريح الكاتب وحيد حامد والذى قال فيه «إذا كانت التركة ثقيلة على السيسي فليتركها»؟ ما قاله وحيد حامد لم ينتبه إليه الكثيرون، وموقفه كان انفعاليا أكثر منه علميا، لأن الحقيقة تقول «إننا في حالة حرب ويجب إعمال قوانين الحرب»، ولكن لأننا لا يوجد لدينا مجلس شعب فالرئيس عبد الفتاح السيسي لا يريد أن يأخذ قرارا منفردا وهو قدم انجازات عظيمة حتى الآن، وإن كانت تظهر للناس على أنها مجهود فردي، ولكن هذا غير حقيقي لأن هناك خطة مخصصة للنهوض بالبنية التحتية ولكنها غير معلنة. من وجهة نظرك هل 25 يناير ثورة؟ بالطبع، وما حدث في 25 يناير هو خروج شعبي عارم وكان الهتاف المستخدم «يا أهلينا ضموا علينا» واعتبرها أهم ثورة بعد ثورة 1919، وعندما نقول هناك خلل ما في ثورة يناير هذا لا يعنى أننا ضد الثورة، ولكن يجب أن تتوافر ثقافة قبول ومناقشة السلبيات، وأشدد على أن 25 يناير حدث جلل وأزالت الغشاء عن عيون المصريين، لكنى ضد فكرة تحصين الثورات بقوانين. هل فكرت في رصد فترة حكم مبارك ومرسي في عمل درامي؟ لم يخطر ببالي عمل مسلسل عن هذه الفترة، لكنى فكرت في تنفيذ شيء له علاقة بالشعب الذى أدهشني لأنه ولا يزال فهو شعب «ملوش ملكة» ولا يستطيع أي فرد أن يتوقع رد فعله بشكل كامل. كيف ترى ظاهرة تزايد النشطاء؟ أصبحت مهنة مربحة، وأرى أن ادعائهم بالدفاع عن حقوق الناس تنطبق عليه الآية الكريمة التي تقول (فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض) والنشطاء مثل الزبد والناس أعجبها شكل النشطاء ولكن القيمة الحقيقية هو مدى أهميتهم للمجتمع. ما هو العائق أمام عقد مصالحة مجتمعية مع جميع الأطراف في مصر الآن؟ عندما تكون هناك مصارحة بدون موائمات اجتماعية، ويكون هناك نضج حقيقي في المجتمع فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وربما من مميزات وجود «داعش» هو وصول المنحنى لأسوأ درجاته في استغلال الدين، كل شخص يصلى ويتعبد كيفما شاء، وما يحكم في النهاية هو القانون لأننا وضعناه ليفصل بيننا وليس بالدين. ما تعليقك على ما تسمى ب»التسريبات» والتي تظهر من حين لآخر تارة ضد الدولة وأخرى ضد النخب والنشطاء؟ هذا نوع من أنواع الحروب، والتطور الإعلامي الرهيب وقدرته على الانتشار والتأثير الكبير في الناس، وكل شيء أصبح متاحًا، والتطور شيء إيجابي لأنه جزء من تطور المعدات والتطور البشرى، ويجب على الأجهزة أن تتعامل معه وتواكبه حتى تستطيع التعامل مع الواقع الجديد. كيف ترى المفارقة في حديث السلطة عن ضرورة استغلال مفهوم القوى الناعمة لمصر فى حين أن هناك تعسفا رقابيا ضد الأعمال الفنية؟ نحن نعيش حاليا مرحلة «جدل الثورة» كما سبق وقلت وهي المرحلة التي تبحث على سكك للوصول، وإلى الآن التجربة لم تنته حتى نستطيع الحكم عليها وهناك أهداف مطروحة تبشر بأنها ستضعنا على طريق الاستقلال الاقتصادي واستعادة مصر لهيبتها وريادتها، والفن جوهره الحقيقي التفاؤل ولابد أن يكون هناك ضوء في آخر النفق. رغم إيمانك الشديد بثورتي 25 يناير و30 يونيو إلا أنهما لم يفرزا مواهب حقيقية على غرار ثورة 52 ؟ لأن ثورة 52 اكتملت، أما ثورة يناير لم تكتمل، ولكن هناك جيل مبشر من المبدعين الجدد منهم مروان حامد وكاملة أبو ذكرى، وأسماء أخرى والمجتمع في عام 52 كان خارجا من حالة فقر مذهلة، وكان في القرى 99% من المصريين حفاة، والثورة رددت أرفع رأسك، وشهد المجتمع حالة نهوض قومي وكان بيحلم وعنده قدرة على الحلم وثورة يناير ما تزال في حالة صراع وبعدما ينتهى سنشعر بالنهوض الحقيقي. فى فيلمك «ضد الحكومة» كتبت الجملة الشهيرة «كلنا فاسدون» على لسان أحمد زكى.. وفى «سواق الأتوبيس» قلت على لسان نور الشريف «يا ولاد الكلب».. لمن تقولهما الآن؟ لمن يسمون أنفسهم ب»النخبة»، أقول لهم «كلنا فاسدون»، وأقول «يا ولاد الكلب»، لكل الحرامية الذين يحاولون أن يعودوا الآن بشكل أنيق. رحلتك السينمائية طويلة قدمت خلالها الفيلم الاجتماعي والسياسي.. من أفضل مخرج تعاونت معه؟ الراحل عاطف الطيب، واعتبره توأم روحي، وهو لم يكن أكثر الناس ثقافة، لكن عنده قدرة غريبة في التقاط الروح المصرية ببساطة، وهذا شيء خاص، والجميل في ذلك انه كان يبهرنا بأعماله وكان المعاصر الحقيقي للروح المصرية بدون افتعال، وأفضل أعمالي قدمتها معه، وعندما أرى أعماله بدوني أشعر أنه ينقصها شيء ما، وكذلك الحال معي، وكان يتيح لي أن نخوض تجارب روحية في كل فيلم، مثلا في «ليلة ساخنة» كان يقرأ لي كل حاجة وكان كاتبه رفيق الصبان وأبلغني رغبته في مشاركتي للعمل معه، وأثناء ذهابنا أنا وعاطف لحفل إفطار عند ليلى علوى قلت له :»انت عارف يا عاطف بطل الفيلم لازم يكون سواق تاكسي»، وكأنه امتداد لحسن في سواق الأتوبيس وبالفعل كان كذلك، ورحل قبل أن نكمل فيلمنا «نزوة» بعد انهائنا الاستعدادات الكاملة. كيف تلقيت خبر وفاته؟ يقول الكاتب باكياً «كنت في رحلة لأوروبا وأثناء عودتي تفاجأت بخبر وفاته منشورًا في الصفحة الأولى في «الأهرام» وأنا في الطائرة، ولم أصدق واستعنت بجرائد أخرى فوجدت الخبر، ولم أتمالك نفسى من شدة البكاء لدرجة أن الشخص الذى يجلس بجواري فى الطائرة سألني عن سبب الدموع فقلت له «صاحبي مات»، وكان موقفا شديد القسوة، لأنى اتفقت معه على إجراء عملية في القلب لشفائه عند عودتي وجمعنا «الفلوس» لكن لم يحدث نصيب. متى تجاوزت أزمة رحيل عاطف الطيب؟ لم أتجاوز الأزمة حتى الآن، وجميع الموضوعات التي كتبتها من بعد رحيله تمنيت أن يخرجها، الله يرحمه، وأذكر انه كان بيننا اتفاق، وهو من يموت منا الأول عليه أن يتصل بالثاني، بمعنى الاتصال الروحي، ولكن عاطف لم يتصل حتى الآن. لماذا يفتقد الجيل الحالي من السينمائيين روح العمل والحب التي كانت لدى جيلكم من المبدعين؟ نحن كنا مجموعة مع بعض، هدفنا التعبير عن واقع، وكلنا أبناء ثورة واحدة 52 وأحلامنا وتكوينا واحد، وعملنا تيار سينمائي مختلف، لذلك أطلق عليها «سينما الواقعية الجديدة»، لكنى أسميها «الميتا واقعية». ما الفرق بين سينما عاطف الطيب وسينما محمد خان؟ خان فنان دؤوب يهتم بالشكل السينمائي ليس لدرجة الإغراق، وعاطف يهتم بالروح ولا أجد تعبيرا لعاطف لأنه كان يصر أن يصل لأشياء يحبها في أفلامه مثل «البريء» و»الهروب» و»ليلة ساخنة» و»سواق الأتوبيس». من أكثر شخصية تحبها في أفلامك؟ شخصية «حسن» نور الشريف فى «سواق الأتوبيس، وعادل إمام فى «الحريف»، وأحمد زكى فى «ضد الحكومة». ماذا تقول في عادل إمام ووحيد حامد ونور الشريف وأحمد زكى ومحمود عبد العزيز ويحيى الفخراني؟ عادل إمام «معلم»، ووحيد حامد فلاح مصري منخرط فى عمله ويحبه جدا وشاطر فيه، ونور الشريف مثقف مصري ورجل صناعة وله الفضل على كل مخرجي هذا الجيل، وأحمد زكى كان شديد الموهبة، ونموذج لا يتكرر هو وسعاد نفس الحالة، تشاهدها في الحياة العادية تشعر أنهم بشر عاديون، ولكن بمجرد إن تدور الكاميرا يكون هناك وهج، واحتراق لا مثيل له، وصعب تكراره، ولذلك أعطي أحمد طابعا مميزا لجميع أعماله واعتبره حالة خاصة لن تتكرر هو والسندريلا سعاد حسنى، ومحمود عبد العزيز ممثل جيد، والفخراني إنسان «كويس» وفنان جيد جدا، وأهم نجم في شاشة التلفزيون حاليا. على ذكرك السندريلا.. ما طبيعة العلاقة التي جمعت بينكما؟ أتذكر أول لقاء جمعني بالسندريلا عندما كانت تصور فيلمها «المتوحشة» في أستوديو نحاس، ووقتها لاحظت أنها بشخصيتين مختلفتين تماما الأولى أمام الكاميرا في حالة التوهج ، والأخرى في الحياة العادية، فالسندريلا امرأة جميلة وبسيطة وبها عمق الشخصية المصرية، وموهوبة جدا ولكنها لم تكن مثقفة أو لم تنمو ثقافيا بما يتماشى مع حجم وجودها، وموهبتها وكانت فى الحياة العامة طيبة و»بتتكسف لما بتدخل وسط ناس متعرفهمش» وذات مرة طلبت منى أن أذهب معها عند تسليمها جائزة من جمعية الفيلم بسبب «كسوفها»، وحزنت عندما رأيت سعاد حسنى تمثل في فيلم «الراعي والنساء» لأنه لم يكن محببا أن تظهر بهذا الشكل في هذه الفترة، وعرفت أننى فقدتها، قبل وفاتها بفترة، وقبل مغادرتها، مصر، حيث إننى في تلك الفترة، كنت أجلس في أحد فنادق الزمالك لأكتب وقبل بداية جلسات العمل، كنت أمشى في شارع 26 يوليو لشراء الجرائد، وأثناء سيرى، صادفت مرأة تأتى في مقابلي، ونظرت في عينيها أنها سعاد ونظرت هي باتجاهي، ورغم صداقتنا، إلا أنها أدارت وجهها إلى الناحية الأخرى، وكأنها لا تعرفني، وذلك لان شكلها قد تغير يومها وعرفت أننى فقدتها. ما قصة تسميتك لمسلسل «الرقصة الأخيرة» الذى يسرد قصة فريد شوقي وهدى سلطان بهذا الاسم؟ السبب يعود لأنه كانت هناك رقصة أخيرة بين فريد شوقي وهدى سلطان بالمقابر، عندما ذهبت إليه لوداعه وهى تتوكأ على عصا، وفريد وهدى لديهما تاريخ فنى شديد الثراء والجمال، واعتبر هدى سلطان إيزيس الفن المصري وجسدت شخصية المرأة كما يجب أن تكون، وهذا سبب إقبالي على كتابة المسلسل، ورغم أنى لا أحب عمل مسلسلات «السيرة الذاتية»، الا أنى تحمست لهذه القصة التي تحمل الكثير من المعاني والعبر، والمسلسل يكشف طبيعة الوسط الفني في تلك الفترة، ويحتاج للكثير من التحضيرات والتجهيزات.