للسيدة هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مقولة شهيرة، إن «الطعام هو أقدم أشكال الممارسة الدبلوماسية»، وكانت تستعين وقت توليها الوزارة بأشهر الطباخين فى الولاياتالمتحدة للسفر إلى مختلف دول العالم للمشاركة فى البرامج والنشاطات التعليمية، التى تقيمها السفارات الأمريكية لتعريف الشعوب بالمطبخ الأمريكي. وهو ما دعا كابريسيا مارشال رئيسة الطباخين فى الخارجية الأمريكية للقول إن دبلوماسية الطعام جزء من فلسفة الوزيرة كلينتون حول القوة الذكية فى استخدام كل الوسائل الدبلوماسية التى بحوزتنا. ولم يقتصر الأمر على الولاياتالمتحدة، فقد بدأت الدبلوماسية الفرنسية فى التحرك لمواجهة خطر فقدان فن المطبخ الفرنسى بعضا من نفوذه الأسطوري، ومن أجل إثبات حيوية هذا الفن المدرج على قائمة التراث العالمى لليونسكو منذ عام 2010، تطلق الوزارة فى 19 مارس المقبل مع آلان دوكاس أحد أشهر الطهاة الفرنسيين، حملة عالمية تعتمد على قيام الف طاه من جنسيات مختلفة تم انتقاؤهم بعناية فى القارات الخمس، بتقديم «قائمة طعام على الطريقة الفرنسية» فى ذلك اليوم، ليس فقط فى المطاعم الصغيرة والكبيرة المشاركة فى هذه الحملة تحت شعار (مذاق فرنسا الجيد)، بل وأيضا فى مقار السفارات الفرنسية. كل ذلك لأن شهرة المطبخ الفرنسى الأسطورية مهددة مع بروز دول أخرى مثل إسبانيا والبيرو والدول الاسكندنافية، ومحاولة بعض الدول المتأثرة بالثقافة الانجليزية احتلال الصدارة والقول إن المطبخ الفرنسى كان جيدا لكنه لم يعد كذلك، على حد تعبير السفيرفيليب فور رئيس المجلس الفرنسى لترويج السياحة لوكالة الانباء الفرنسية والذى كان سفيرا لبلاده فى المكسيك والمغرب واليابان، قبل توليه رئاسة هذا المجلس الذى شكله وزير الخارجية لوران فابيوس. تذكرت كل هذه المعلومات وأنا أرى السفير خالد زيادة سفير لبنان فى القاهرة وهو يتحدث بمنتهى السعادة على إحدى الفضائيات عن مهرجان التذوق المصرى مشيدا بدوره فى جذب السياح وتوطيد الأواصر بين الشعوب، وهو المهرجان الذى أطلقته مؤسسة «الأهرام» ممثلة فى مجلة «نصف الدنيا» بمشاركة إحدى عشرة دولة هى إيطالياوفرنسا وسويسرا واليابان والصين والمكسيك، والمغرب ولبنان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية ومصر. وقدم شيفات الدول المشاركة مجموعة من الوجبات المميزة لدى دولهم فى أول مهرجان من نوعه فى مصر، والذى استهدف تعميق العلاقات الثقافية الدولية بين مصر ومختلف دول العالم، باعتبار الطهو أحد أهم الوسائل التى تميز الدول وتربط بين الشعوب، والمساهمة فى تنشيط السياحة المصرية، وتعريف الوافدين بالمذاقات العربية والاجنبية. وهو ما أكده الكاتب أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة «الأهرام» فى كلمته خلال حفل الافتتاح من أن ثقافة الطعام جزء لا يتجزأ من ثقافات الشعوب، وأن هذا المهرجان بداية لسلسلة أخرى من الفعاليات والمهرجانات المتنوعة، ومصر آمنة وحرة وقوية وقادرة على التواصل مع الآخر. والحقيقة أن مثل هذه المهرجانات التى قد تبدو بسيطة تمثل أهمية كبرى فى الترويج السياحى والثقافي، خاصة فى ظل الظروف التى نعيشها الآن، ومع بداية أعياد الكريسماس ورأس السنة، فقد كان هذا المهرجان رسالة مهمة لشعوب الدول التى شاركت فيه بأن مصر مازالت بلد الأمن والأمان، وأنها تحتضن دائما كل ثقافات العالم. إننا بحاجة إلى أفكار جديدة للترويج لبلادنا من جميع النواحي، وبحاجة إلى استلهام تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال، وقد كانت الخارجية الأمريكية سباقة فى الاهتمام بالدور الدبلوماسى للمطبخ، ومنذ عامين تقريبا قام خبراء دوليون فى فن الطبخ ينتمون إلى 25 بلدًا مختلفًا بزيارة إلى الولاياتالمتحدة لاستكشاف دور الأطعمة والمأكولات فى التقريب بين الناس من مختلف الخلفيات والمشارب. وأطلقت وزارة الخارجية الأمريكية على هذا المشروع اسم «دبلوماسية فن الطبخ: تعزيز التفاهم الثقافى من خلال الطعام» برعاية البرنامج الدولى للقادة الزوار (IVLP) . نحن بحاجة فى مصر إلى مبادرات مماثلة من أجهزة الدولة والقطاع الخاص والمؤسسات الكبرى والمجتمع المدني، لتحقيق التواصل المنشود مع الرأى العام العربى والعالمي، والتأكيد بشكل عملى على استقرار الأوضاع فى مصر، وأننا قادرون على استيعاب حركة السياحة الخارجية وتوفير كل ماينشده السائح من راحة واستجمام ، مع تقديم اشكال متنوعة من الخدمات تلبى احتياجات مختلف أنواع السياحة الشاطئية والثقافية والأثرية والترفيهية وغيرها. إن بلدان كثيرة لا تملك ما نملكه من آثار وشواطئ ومناخ معتدل معظم أيام السنة، تتفنن فى ابتكار المهرجانات والاحتفالات المختلفة، بمناسبة ودون مناسبة، لجذب الحركة السياحية والتواصل الدائم مع العالم الخارجي، والبقاء تحت الأضواء كمقصد سياحى دائما، ونحن لدينا الكثير الذى يمكن أن نقوم به فى هذا المجال، ولا تنقصنا الأفكار ولا القدرة على التنفيذ، ولكن فقط الإرادة والتصميم. # كلمات: الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به، وآخر يفهمه. جبران خليل جبران لمزيد من مقالات فتحي محمود