مازال سباق الشركتين دوليتى النشاط للاستحواذ على شركة بسكو مصر ماضيا فى طريقه. كلما رفعت إحدى الشركتين الثمن قدمت الثانية ثمنا أعلي. وعلى الرغم من أن عروض الشراء المقدمة من الشركتين تبيح لهما الاستغناء عن العمالة وبيع أصول بسكو مصر ودمجها وتغيير نشاطها فلم نسمع أى اعتراض من وزارة الصناعة، أو حتى من اتحاد الصناعات. الحكاية أنه منذ ما يقرب من عام قامت مجموعة من الملاك الرئيسيين لشركة بسكو مصر بعرضها للاستحواذ.. أى للبيع. ضمت مجموعة هؤلاء الملاك عددا من صناديق الاستثمار المحلية والأجنبية، والبنك التجارى الدولي، وبنك مصر، وشركة مصر للتأمين، وهيئة الأوقاف المصرية، أخذا فى الاعتبار أن عمليات خصخصة بسكو مصر منذ التسعينيات قد أسفرت عن امتلاك القطاع الخاص لنحو 77% من أسهم الشركة مقابل 23% للقطاع العام. وعلى مدى الشهور الماضية توالت عروض الشراء التى رفضها المساهمون الرئيسيون انتظارا لسعر أعلي، حتى استقرت المنافسة حاليا بين شركتين دوليتى النشاط، إحداهما خليجية المنشأ والثانية أمريكية. وقد تعهد ملاك 56 % من الأسهم بالاستجابة للعرض المطروح من كل من الشركتين المتنافستين على أساس اختيار أعلى سعر. المشترون المحتملون قاموا بإجراء كافة الفحوص المتعارف عليها للشركة ومركزها المالى وحالتها الإنتاجية وأصولها وممتلكاتها ومستوى ربحيتها. الشركة والحق يقال تتمتع باسم رنان كأكبر منتج لحلوى المخبوزات المعبأة فى مصر، لها ثلاثة مصانع و36 منفذا بيعيا و تصدر إنتاجها لكل الدول العربية ونحو 15 دولة إفريقية، فضلا عن أمريكا الشمالية واستراليا وأوروبا. أما معدل العائد السنوى على حقوق المساهمين فقد تجاوز 33% فى عام 2013 ونحو 24% خلال الشهور التسعة الاولى من عام 2014. سألنى البعض، ما الذى يدفع ملاك الشركة لبيعها وهى تحقق تلك المعدلات المرتفعة للربحية؟ أتصور أن الإجابة تكمن فى أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الملاك تتمثل فى مؤسسات مالية، وعلى رأسها صناديق الاستثمار التى تعنى بمعدلات الربح السريع فى سوق رأس المال. معدل العائد على حقوق المساهمين المحقق فى سنة كاملة يمكن الحصول عليه فى خبطة واحدة خلال شهرين فقط. وطالما أن تعظيم الربح هو الهدف الأسمى فلا محل للحديث عن بنية إنتاجية أو صناعة وطنية أو عمال وبيوت مفتوحة. والواقع أن عرضى الشراء المقدمين من الشركتين المتنافستين يثيران عددا كبيرا من التساؤلات. فعلى سبيل المثال يشير العرض المقدم من إحدى الشركتين المتنافستين إلى أن جزءا من تمويل الصفقة سيتم بالاقتراض المصرفي، وأن سداد القرض سيكون من الأرباح السنوية لشركة بسكو مصر، وأنه سيتم تعديل نظامها الأساسى بما يسمح بصرف الأرباح السنوية. بالعربى الفصيح الشركة المشترية ستمول الصفقة من مدخراتنا المودعة فى البنك المصرى المقرض، ثم تسدد الدين من الأرباح الدورية المنتظرة لبسكو مصر.. يعنى »من ذقنه وافتل له«. وتتساءل وأتساءل معك أين إذن تدفقات الاستثمار المباشر التى ستدخل لمصر فى تلك الصفقة؟ الأمر لن يعدو نقلا للملكية والثمن سيدفع من مدخراتنا ومن الأرباح الدورية للشركة المصرية التى سيتم الاستحواذ عليها. والأخطر أن المشترى يعلن أنه سيحتفظ بالشركة لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات فقط لحين يتسنى له إعادة هيكلتها ثم إعادة بيعها. البنك المصرى الذى سيقدم التمويل هو نفسه أحد المساهمين الرئيسيين فى بسكو مصر وأحد الذين تقدموا بعرضها للبيع. المكسب أصبح مزدوجا.. كلما ارتفع ثمن الشركة حقق البنك أرباحا رأسمالية كبيرة كأحد البائعين، واتسع نطاق التمويل الذى يقدمه وبالتالى إيراداته السنوية من الفوائد طوال مدة القرض، ناهيك عن استخدام الصفقة فى الدعاية والإعلان لتأكيد مكانة البنك الراسخة فى تمويل عمليات الاندماج والاستحواذ، رأسا برأس مع البنوك الأجنبية التى كانت تهيمن عادة على مثل تلك العمليات. أما العرض المقدم من الشركة الثانية، ذات التاريخ الأسود فى فصل العمال، فيشير صراحة إلى عقدها العزم على نقل ملكية بسكو مصر لإحدى الشركات التابعة للمشتري، مع إمكانية تغيير نشاط الشركة بالكامل بعد مضى عام واحد على تاريخ الشراء.كما يؤكد أن المشترى سيقوم بعد الاستحواذ على بسكو مصر بالعمل على شطب أسهمها من البورصة المصرية. مسألة تغيير النشاط بما قد يعنيه من احتمالات لتفكيك البنية الانتاجية للشركة لم يثر أى توجس، ولن أقول أى اعتراض، من جانب وزارة الصناعة أو وزارة الاستثمار. كما أن إعلان النية لشطب أسهم الشركة من البورصة لم يثر أيضا أى تحفظات من جانب الهيئة العامة للرقابة المالية. ونذكر هنا بأن منظرى اقتصاد السوق صدعوا رؤوسنا عن دور سوق الأوراق المالية فى تطبيق قواعد الحوكمة وضبط أداء الشركات المقيدة فى البورصة، بحكم أن تلك الشركات مضطرة للالتزام بقواعد الإفصاح عن نشاطها وإدارتها وخططها ومركزها المالى والانتظام فى نشر قوائمها المالية، وهو الأمر الذى يساعد فى النهاية على تحقيق الرقابة المجتمعية على تلك الشركات ليس فقط من جانب مجتمع الأعمال وملاك الأسهم بل أيضا المواطنون والرأى العام. لماذا إذن لايثير إعلان المشترى نيته لشطب أسهم الشركة من البورصة أية تخوفات، رغم ما يعنيه ذلك من حجب أى إفصاح للرأى العام عن نشاطها. أين هيئة الرقابة المالية؟ أين وزارة الصناعة؟ أين وزارة القوى العاملة؟ أين اتحادات صناع وعمال مصر؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى