طالعتنا الصحف المصرية خلال الثلث الأخير من شهر نوفمبر بإعلانات عن عروض الشراء الإجبارى لكامل أسهم شركة بسكو مصر بحد أدنى 51% من تلك الأسهم. وتناقلت الأخبار المنشورة أنباء السباق والمنافسة الحامية بين شركتين دوليتى النشاط، إحداهما خليجية المنشأ والثانية أمريكية، للفوز بالصفقة، ولا عجب فالشركة المعروضة للبيع هى أكبر شركة لانتاج حلوى المخبوزات المعبأة فى مصر. البيانات الرسمية للشركة تقول إنها تملك ثلاثة مصانع و36 منفذا بيعيا فى مصر، وإنها تصدر إنتاجها لكل الدول العربية ونحو 15 دولة افريقية، فضلا عن أمريكا الشمالية واستراليا وأوروبا. القوائم المالية للشركة تؤكد أن معدل العائد السنوى على حقوق المساهمين تجاوز 33% فى عام 2013 ونحو 24% خلال الشهور التسعة الاولى من عام 2014. مانشهده الآن هو فصل جديد من تداعيات خصخصة الشركة المصرية للأغذية المعروفة باسم بسكو مصر. تلك الخصخصة التى بدأت فى التسعينيات ثم توالت خلال الفترة 2001 2005، سواء من خلال الشركة القابضة أو اتحاد العاملين المساهمين الذى كان يملك 18% من الأسهم، لينتهى الأمر بانخفاض حصة المال العام فى تلك الشركة إلى نحو 23% فقط مقابل 77% للقطاع الخاص المحلى والأجنبي. القضية الأهم والأخطر فيما آل إليه نمط ملكية الشركة هو أنها أصبحت مملوكة بصفة أساسية لمجموعة من المؤسسات المالية تتمثل فى صناديق استثمار وبنوك وشركات تأمين. المؤسسات المالية تملك أسهم شركة بسكو مصر باعتبارها محفظة استثمارات مالية تدر عائدا مجزيا وقابلة للبيع والتداول فى البورصة فى أى وقت حينما تسنح الفرصة لتحقيق مكاسب رأسمالية كبيرة. وبذلك فإن العمليات المتوالية لخصخصة بسكو مصر قد أسفرت عن أن الشركة لم يعد لها مالك بالمعنى الحقيقى فى عالم الإنتاج.. مالك مهموم بالصناعة والعمال وخطوط الانتاج. الشركة صارت مجرد «بيزنس». دخول ملاك الشركة إلى عالم البيزنس بدأ منذ سنوات. اجتماع الجمعية العمومية غير العادية لمساهمى الشركة فى مارس 2010 أضاف إلى نشاط الشركة شراء وبيع وتأجير واستغلال الأراضى والاستثمار العقارى فى المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة والمبانى السكنية والسياحية. طبعا من حقنا أن نندهش ونتساءل ماهى العلاقة بين إنتاج حلوى المخبوزات وبين بناء المجمعات السكنية والمنتجعات السياحية، إلا أن الواضح أن المساهمين كانوا يضعون نصب أعينهم 80 ألف متر أراض تمتلكها الشركة بمنطقة السيوف فى الإسكندرية. والواضح أيضا أن الشركتين المتنافستين على الشراء تنظران إلى تلك الأراضى بعين الاعتبار. متوسط سعر سهم بسكو مصر فى البورصة خلال الأشهر الستة الماضية كان 62 جنيها. السعر المطروح للشراء يتراوح بين 79 جنيها و80 جنيها للسهم. قواعد البيزنس تقضى بألا تتردد فى البيع. ماذا يهم من سيملك الشركة أو ماذا سيفعل بها؟ ما ذا يعنيك إذا كانت الشركة التى سيتم الاستحواذ عليها هى أكبر شركة تقدم حلوى المخبوزات المعبأة للطفل المصرى والأسرة المصرية بأسعار فى متناول القاعدة العريضة من الشعب؟ ما ذا يعنيك لو اختفى كل ذلك؟ إعلانات عروض الشراء الإجبارى المنشورة فى الصحف تقول إن هناك 56% من ملاك أسهم بسكو مصر قد تعهدوا للشركتين المتنافستين بالاستجابة للعرض المطروح من كل منهما على أساس اختيار أعلى سعر. إذن 56% من ملاك شركة بسكو مصر مصممون على البيع وما يعنيهم هو الحصول على أعلى سعر. مجموعة الملاك الذين بادروا منذ عام بإعلان استعدادهم لطرح حصتهم للبيع تضم عددا من صناديق الاستثمار المحلية والأجنبية، والبنك التجارى الدولي، وبنك مصر، وشركة مصر للتأمين، وهيئة الأوقاف المصرية. على الجانب الآخر تفصح البنود الرئيسية لعرضى الشراء المتنافسين عن عدد من السمات أو العناصر المشتركة. كلاهما يلتزم بالاحتفاظ بالعمالة لمدة عام واحد فقط، وله الحق بعد ذلك فى الاستغناء عمن يريد، ولكن طبعا مع الالتزام بأحكام قانون العمل والقوانين السارية الأخري! هنا نحن نتحدث عما لا يقل عن 4000 عامل أصبح مصيرهم ومصير أسرهم على كف عفريت. النقابة العامة للعاملين بالصناعات الغذائية أعلنت اعتراضها على البيع لمستثمر أجنبي، وطالبت بضخ استثمارات جديدة من جانب المساهمين. دار الخدمات النقابية أعلنت أن إحدى الشركتين المتنافستين على الشراء لها تاريخ أسود فى غلق المصانع وتسريح العمال والتعسف فى الوفاء بمستحقاتهم، سواء فى موطنها الأصلى أو فى الدول الأخرى . بنود عروض الشراء الإجبارى تشير بالطبع إلى الالتزام بالاحتفاظ بأصول بسكو مصر وعدم بيع أى منها. إلا أن النصوص المكتوبة تفرغ ذلك الالتزام من مضمونه تماما، فمن ناحية هذا التعهد بعدم بيع الأصول يقتصر على مدى زمنى لا يزيد على سنة واحدة. ومن ناحية أخرى فإن صيغة التعهد تتيح إمكان البيع حتى قبل انقضاء السنة، سواء بدعوى إعادة الهيكلة بين الشركات التابعة للمشتري، أو وفقا «لمقتضيات تسيير الأعمال» وهو تعبير مطاط يحتمل ببساطة كل شيء وأى شئ. ووفقا لنفس الصيغ المطاطة تمنح عروض الشراء الإجبارى للمشترى الحق فى تغيير نشاط الشركة أصلا. هل نحن بصدد حلقة جديدة فى مسلسل تفكيك الشركات وتشريد العمال؟ هل يوجد من يملك مطالبة المؤسسات العامة التى تملك 23% من أسهم الشركة بعدم البيع؟ وهل لو امتثلت تلك المؤسسات العامة سيمتنع القطاع الخاص الذى يملك 77% من الأسهم عن إتمام الصفقة؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى