رأينا فى مقالات سابقة أن الأدوات المالية المستخدمة فى مصر من قبل الحكومة تسعى فى شق منها الى إعادة توزيع الدخل القومى (فى محاولة لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية). ونضيف هنا اليوم أن تلك الأدوات، قد يؤدى استخدامها الى تغيرات توزيعية «كلية» لا تظل ثابتة بل يختلف أثرها من وقت الى آخر، ومن ظرف اقتصادى الى ظرف اقتصادى آخر (أى حينما يعانى الاقتصاد من تضخم فى الأسعار تارة، أو من انتشار البطالة والركود تارة أخرى). وعليه تؤدى هذه الأدوات بالتالى الى ما يعرف بالتغيرات «الحدية» أو «الجزئية» فى التوزيع النهائي للدخول. وأمام هذا الوضع يمكن أن نواجه إذن نوعين من قياس إعادة توزيع الدخل القومى فى مصر، حتى نتأكد أن كانت تلك الأدوات التى تستخدمها الحكومة فعالة فى تحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة منها, أم لا. أولهما: قياس الآثار التوزيعية الكلية للأدوات المالية، ونقصد هنا ما يؤدى إليه تطبيق هذه الأدوات من التوزيع الأولى للدخل القومى وفى صالح من (الفقراء أم الأغنياء). وثانيهما: قياس الآثار التوزيعية الحدية للأدوات المالية، ونقصد هنا، ما انتهت اليه هذه الأدوات فى تطبيقها من اعادة توزيع الدخل القومى وفى صالح من (الفقراء أم الأغنياء مرة أخري). ولذلك وجب علينا أن نسجل بعض الملاحظات على هذين النوعين من القياس وهى ؛ أن قياس الآثار التوزيعية «الكلية» نتيجة تطبيق أى أدوات مالية يستلزم مقارنة التوزيع النهائى «بالوضع المالى المحايد» أى بالوضع المالى الذى لا تمارس فيه الأدوات المالية دورا فى إعادة التوزيع على الاطلاق، وهو المعنى الذى ينصرف الى تساوى منافع النفقات العامة التى يحصل عليها الفرد مع ما يدفعه من أعباء عامة (ضرائب ورسوم) وهو مالا يؤثر على التوزيع الأوليّ للدخل القومى (حيث يظل الغنى غنيا والفقير فقيراً). بينما ينصرف قياس الآثار التوزيعية «الحدية» أو «الجزئية» لاستخدام الأدوات المالية ذاتها الى مقارنة الوضع المالى الجديد (أى بعد التوزيع النهائي). وهو مقارنة الوضع المالى بعد تطبيق الأدوات المالية، بالوضع المالى السابق على التطبيق، وهو الوضع المالى الذى تمارس فيه الأدوات المالية هو الآخر أثرها الواضح فى إعادة التوزيع. ومعنى ذلك أن قياس الأثار التوزيعية الحدية ينصرف الى المقارنة بين وضعين ماليين تمارس فيهما الأدوات المالية تأثيرها فى توزيع و اعادة توزيع الدخل القومي، أى ينتهى الى مقارنة اعادة التوزيع بعد حدوث التغيرات فى الأدوات المالية بمدة معينة , بإعادة التوزيع بفترة ماقبل حدوث هذا التغيير. ومن هنا يتضح لنا أن المقصود بالتوزيع الأوليّ يختلف تبعاً لمّا إذا كنا بصدد قياس الاثار التوزيعية الكلية أم بصدد قياس الآثار التوزيعية الحدية. إلا أن هذين النوعين من القياس يواجهان موضوعين مختلفين ولكنهما مكملان، بحيث لا يمكن لأحدهما أن يغنى عن الآخر، وذلك لأن أولهما يواجه، وعلى ما قدمنا، قياس الآثار التوزيعية الكلية، أى قياس إعادة التوزيع فى مجموعهما، وأنه يعطى بذلك صورة حقيقية للوضع المالى لكل فرد (أو لكل فئة اجتماعية)، وأن ثانيهما يواجه قياس الآثار التوزيعية الحدية، أى قياس الأثار المترتبة على تغير معين فى النظام المالى ذاته، ويقاس بعد فترة زمنية معينة من تطبيق الأدوات المالية فى ظل نظام السياسة المالية الجديدة (وهى سنة على الاقل فى الحسابات المالية). وعليه يمكن أن ننتهى الى أن قياس أى أثر توزيعى لاستخدام أدوات مالية كسياسة جديدة فى مصر، لحل مشكلة عجز الموازنة، أو دفع عجلة التنمية، أو محاربة البطالة، أو تقلص معدلات التضخم، أو حتى تصحيح منظومة الدعم وإعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات الاكثر احتياجا، بهدف تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، أمر لا تظهر آثاره أو سياسة تؤتى ثماره على الفور، بل تحتاج الى زمن معين لكى يتضح لنا ما إذا كانت مجدية أم سوف تفضى الى لا شيء. لذلك أنصح الحكومة بتوخى الحذر فى إعلان أى نتائج لسياساتها المالية أو حتى النقدية، الا بعد عام على الأقل من تطبيقها حتى يتسنى لنا قياس الآثار التوزيعية «الكلية» و«الجزئية» لها بدقة وعلى أسس فنية سليمة. وانصح المحللين المتخصصين والاعلام عدم التسرع فى الحكم على اداء الحكومة واستباق النتائج لأن الامر أكثر تعقيدا من أن نصدر حكمنا علية فى فترة وجيزة. والا بذلك نكون لنظلم اى حكومة حالية او مستقبلية، ليس فى مصر وحدها بل فى العالم اجمع, فالحكومة مازالت مدتها لم تتجاوز السبعة أشهر ومن الصعب من الناحية العلمية والعملية تقييم ادائها على الجانب الكلى أو الجزئي، بأى حال من الاحوال الا فى حدود ضيقة جدا لبعض المؤشرات العامة التى أظهرت تحسنا فى بعض القطاعات وترديا فى الأداء فى بعض القطاعات الاخرى الواضحة للعامة ولسنا بحاجة للاشارة اليها الآن، فمازال أمام الحكومة وقت لتحسين الاداء، والفيصل هو حكم الشعب، ان تحسنت اوضاعة الاجتماعية والاقتصادية فيما تبقى من وقت، فلنقل وقتها للحكومة احسنتم او لننتقدها بموضوعية موثقة بالارقام والمؤشرات الكلية والجزئية معا. فالنقد والتقييم يجب ان يكون على أسس علمية ونتائج تقاس بتحسن مستوى الاداء الاقتصادى الكلى والجزئي، والذى ينعكس فى رفع درجة الرفاهة الاقتصادية الفرد و المجتمع (أى المنتج والمستهلك معا وليس فى صالح احدهم على حساب الآخر)، ولاينحصر فى مؤشرات عامة مفرحة، ولاتترجم الى منافع ملموسة فى رقى مستوى حياتنا المعيشية اليومية. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب