بعد تصاعد حدة التصادمات فى القدسالمحتلة بين الفلسطينيين وقوات الإحتلال الإسرائيلى، وتزايد نزيف الدم بين السكان المقدسيين، وتكرار حوادث الطعن والدهس فى صفوف الإسرائيليين يوما بعد يوم، تؤكد المدينة المقدسة أنها بؤرة الصراع ومركز القضية الفلسطينية ورمانة ميزانها، والشرارة التى انطلقت من القدس فى الانتفاضة الثانية بعد اقتحام إرئيل شارون للمسجد الأقصى فى سبتمبر عام 2000 هى ذاتها التى مازالت تشتعل فى أحياء وأزقة وضواحى المدينة المقدسة. وفى الوقت الذى تحاول فيه إسرائيل نزع كل ما هو عربي، وتقوم بتهويد البشر والشجر والحجر، تواصل المدينة تأكيد عروبتها والتمسك بكل معالم هويتها الأصلية وتقف على ساقيها الداميتين تأبى أن تتحول إلى مجرد مسرح صامت للجرائم الإسرائيلية اليومية، وتعلن رفضها المطلق للضرائب الباهضة التى تهدف فقط إلى تعجيز السكان وبالتالى رحيلهم عن المدينة، وسياسات التضيق والاعتقال والمصادرة وهدم المنازل ومداهمات المستوطنين ورجال الشاباك، ومحاربة الهوية العربية من المدرسة إلى الشارع والاعتداءات المتكررة بحق المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية. وقد استطاعت القدس أن تقود دفة الصراع الى حلول الزامية لم يعتادها اليمين الإسرائيلى، فيعلن المجلس الوزارى المصغر أن الأماكن المقدسة فى القدس كما هى، وحديث التقسيم فى المسجد الأقصى غير حقيقى، وتسريبات فى الصحافة الإسرائيلية عن مشروع منح الفلسطينيين السلطة الإدارية والأمنية على منطقة جبل المكبر جنوب شرق القدس، وبالطبع مثل هذة المنحة التى تقدمها إسرائيل وتعتبرها عطية ثمينة هى قرية صغيرة على أطراف القدس لا تمثل 5% من الحق الفلسطينى فى كامل القدسالشرقية، واخيرا التأجيل المؤقت لقانون القومية الذى يدعو وفق المشاريع التى قدمت للحكومة، إلى تعديل القانون الأساسى، بحيث ينص على أن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى واعتبار إسرائيل الوطن القومى لليهود، وأن الحق القومى فى تقرير المصير فى دولة إسرائيل هو حق حصرى للشعب اليهودي. واعتبرت قوى المعارضة الإسرائيلية القانون بأنه مشروع لسكب الزيت على النار، بالتزامن بينه وبين ما يجرى فى شوارع وأزقة القدس ويمنح المجتمع الخارجى الذرائع لزيادة عزلة إسرائيل وخصوصا على المستوى الأوروبى، ويكشف عن فشل نيتانياهو فى مواجهة الخطوة المرتقبة للرئيس محمود عباس بالتوجه لمجلس الأمن لتحديد جدول زمنى لإنهاء الإحتلال الإسرائيلى، وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدسالشرقية. وحسب تحليلات فى الصحافة الإسرائيلية، فإن القانون يخالف وثيقة الاستقلال التى تأسست عليها دولة إسرائيل، والتى حددت فى البند الثالث عشر ما يلى : "تكون دولة إسرائيل مفتوحة الأبواب للهجرة اليهودية ولجمع الشتات وتعمل على ترقية البلاد لصالح سكانها جميعًا، وتكون مرتكزة على الحرية والعدل والسلام، مستهدية بنبؤات أنبياء إسرائيل، تقيم المساواة التامة فى الحقوق اجتماعيًا وسياسيًا بين جميع رعاياها، دون تمييز فى الدين والعنصر والجنس، وتؤمن حرية الأديان والضمير والكلام والتعليم والثقافة، وتحافظ على الأماكن المقدسة لدى كل الديانات وتكون أمينة لميثاق الأممالمتحدة"، ولكن تلك هى وثائق إسرائيل وعهودها. وفى بيان أصدرته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وصفت هذا القانون بأنه يهدف إلى القضاء على حل الدولتين عن طريق فرض مشروع إسرائيل الكبرى ويهودية الدولة على أرض فلسطين التاريخية، ويعتبر إلغاء إسرائيليا أحادى الجانب لوثيقة الاعتراف المتبادل لعام 1993 فى أوسلو، كما يشكل استباحة للأماكن الدينية والمقدسة للأديان الأخرى باعتبار أن اليهودية هى الإطار التعريفى لهوية هذه الدولة، وأن ما يسمى "الوطن التاريخى القومى للشعب اليهودي" هو تسمية عنصرية أيديولوجية إقصائية، ومحاولة لتشويه وتزوير الرواية الفلسطينية التاريخية وإلغاء الوجود الفلسطينى وإخراجه من سياق التاريخ والحقوق المشروعة والاستمرارية على أرض فلسطين التاريخية، وهو يشرع لانتزاع حقوق الشعب العربى الفلسطينى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويبرر التمييز ضدهم، ويمهد لترحيلهم واقتلاعهم بذريعة القانون وباعتبارهم لا ينتمون "للقومية اليهودية"، كما أن مشروع القانون يستكمل ويكرس "قانون العودة" الذى يمنح الحق لكل يهودى فى العالم بالعودة إلى فلسطين، ويحجب هذا الحق عن غيرهم من اللاجئين الفلسطينيين، الذين خرجوا الى الشتات فى عام 1948 ولم يحصلوا على تقرير مصيرهم .