لا ينهض شعب ولا أمة ولا يمكن أن تقام لها دولة قوية تفرض وجودها وإرادتها وترتفع رايتها بين الدول ويحسب حسابها فى العالم الذى تحيا فيه، إلا بفكر ناهض خلاق يتغلغل فى أعماق النفوس، ويتقبله العقل ويحوز القبول، فيجد فيه الإنسان صلاحا فى ذاته، ويقظة لضميرة، ورؤية بناءة للكون حوله، فينطلق بهذا الفكر السديد للنهوض فى كل اتجاه فى الدين وفى الثقافة وفى الاجتماع وفى الاقتصاد والسياسة، مع كل من يعيش بينهم، يتعاون بجهده مع جهود اخوته فى الدين والوطن، وتمتد به جسور الثقة فيما بينهم، ويتوحدون على خير أمتهم، وارتقاء شعبهم فى ظل هوية جامعه تكون عنوانا على العطاء، وسبيلا إلى البناء، والتعمير والتنمية،وهو فكر الاسلام الذى انضوت تحت لوائه أمة مؤمنة موحدة، وشعب متماسك، وولاء للوطن، يسبق الولاءات الشخصية والخصوصيات الفردية، والنعرات الطائفية أو المذهبية، فبهذا الفهم السليم تتقدم الأوطان، وتزدهر الشعوب، وتتأسس الحضارات. على أن الفكر الإسلامى، النابع من الوحى الالهى، يقوم على الايمان الصادق بالله تعالى، الذى يضرب بجذوره فى أعماق الفرد يحيى وجدانه، ويبعث روحه، ويوقظ ضميره نحو صلاح الانسان فى نفسه واصلاح من حوله، يقترن فيه الايمان بالعمل الصالح الذى يشيع الاعمار فى كل جنبات الحياة، وفيه من القيم الحضارية، ما تستقيم به الطبائع الإنسانية، فينصلح به الدين والوطن والأمة فى منظومة تنصهر جميعا لإقامة المجتمع الآمن، والدولة القوية فى غير خصومة ولا تنافر بين الدين والوطن، والأمة، فهوفكر رحب يلتقى على القواسم الايجابية المشتركة والعمل القويم فى كل المجالات للصالح العام، ولما يسعد الانسان فى دنياه وآخرته، فيحيا به بعد الممات و يصحو من سباته العميق: «أو من كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها» وبرغم هذا الوضوح فى الرسالة الإسلامية، وتبنيها لفكر الاحياء والبعث للانسان، وانحيازها لكل ما يؤدى إلى تنمية واعمار الكون، ودعوتها إلى الاتحاد والتماسك كوسيلة للترقى، وهو ما قام عليه مجتمع المسلمين ودولة الاسلام فى عصرها الذهبى، فقد اختطف هذا الفكر جماعة داعش والقاعدة وبوكو حرام والاخوان، وأنصار بيت المقدس وما على شاكلتها من تنظيمات ليس لديها فكر ولا فقه ولا عمل إلا تحريف فهم النصوص، وتقديم أفكار وفتاوى ضد الدين والاجتماع والانسانية، وجعلت من الفكر الإسلامى الايمانى والحضارى، دعوة إلى التكفير والتطرف الجاهل والعنف المسلح واستباحة الدماء المعصومه لبنى دينهم وأوطانهم، واغتيال الكرامة الانسانية واختزال الإسلام وادعاءات وانحرافات صارخة عن الدين باسم الدين بعيدة كل البعد عن حقائقه ومقاصده بما مارسته من افكار جاهلية، وسلوكيات إبادية ضربت فكر الإسلام فى مقتل، حتى ظنوا أنهم عندما يستدعون فكر الطغيان والتكفير لمجموع الأمة والجهاد ضد أوطان المسلمين، والقول بالخلافة والحاكمية التى يخدعون بها بعض الشباب المتحمس وآخرين من بعض المسلمين الذين لا فقه لهم، ولا تبصر لديهم لاندفاعهم نحو فكر هذه الجماعات الضالة المضلة، بزعمهم أنهم يتقربون إلى الله تعالى، ويعلون راية الاسلام، ويستعيدون مجد الأمة، غير واعين أن فى مسالكهم الغوغائية وعدوانهم على البلاد والعباد هو الطريق إلى الشقاء والبؤس والتخلف، وتفتيت الامة، وتفكيك الوطن وتضييع لجوهر فكر الدين فى السلام والأمن والأمان والاعتراف بحق الحياة والكرامة والقبول والسماحة مع المخالفين فى العقيدة والمذهب والجنسية واللون واللغة والاقليم والهيئة الاجتماعية. «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين». بحسبان أن رسالة الإسلام تنشد صلاح وسلام البشرية على اختلاف الأمم والشعوب وهو ماعصفت به ممارسات هذه الجماعات ,. ومما أدى إلى تفاقم الخطب، وعمق المأساة أن هذه الجماعات التى ملأت عالم الإسلام تكفيرا وتمزيقا أنهم استباحوا حرمة الإنسان والأوطان، تحت ستار الإسلام وتعبيرا عن دعوته، كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون إلا كذبا , فإنهم بصنيعهم الفاسد جلبوا على الدين والوطن والأمة أحزانا يعجز عنها الوصف وتشيب من هولها الولدان، وقدموا لأعداء الأمة ما عجزوا عنه من تزييف الإسلام وتدمير الأوطان، لا لشىء إلا لغرض كسب المال والزعامة والنفوذ والسلطة وهيهات لهم أن يحققوا مرادهم فى تزييف الإسلام، وإبادة أهله وتفتيت أوطانه، وإن غدا لناظره قريب. لمزيد من مقالات د.محمد الشحات الجندى