أكد الدكتور شوقى علام ، مفتى الجمهورية أن الدعوة الى حمل المصاحف فتنة كبرى تهدف إلى شق صف الوطن، وأن شعب مصر الأبي، بما لديه من رفاهة حسٍّ ديني، وتوقير وإجلال ومحبة لكتاب الله تعالي، لن تنطلى عليه تلك الخدعة. ودعا وسائل الإعلام الى الانحياز لصالح الوطن والشعب المصرى العظيم، وأن تلتزم بالمهنية فى العرض وميثاق الشرف المهنى من أجل أن تستقر سفينة الوطن على بر الأمان.وقال المفتى فى حوار خاص ل « الأهرام« إن الفتاوى التى تحرض على الاعتداء وقتل قوات الأمن من رجال الجيش والشرطة هى فتاوى منكرة ولا يجب أن تصدر عمن يطلقون على أنفسهم علماء دين . وحذر من اتباع تلك الدعوات الغادرة التى تحض على قتل الأبرياء والاعتداء على رجال الجيش والشرطة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم حذرنا أشد التحذير من التحريض على القتل. وأوضح فضيلته أن الجماعات التكفيرية جعلت فتاواها الخاطئة مدخلا شرعيا للقتل وتخريب المجتمعات واستباحة الدماء والأعراض والإفساد فى الأرض. وإلى نص الحوار ...
ما تعليقك على الدعوات التى تحرض الناس على الخروج والتظاهر بالمصاحف ؟
هذه فتنة كبرى تهدف إلى شق صف الوطن، وشعب مصر الأبي، بما لديه من رفاهة حسٍّ ديني، وتوقير وإجلال ومحبة لكتاب الله تعالي، وبما خاض من تجارب وتراكم لديه من خبرات، لن يكترث لمثل هذه الدعوات ولن يتأثر بها أبدًا بعدما رأى أن بلاده تسير قُدمًا فى طريق النمو والاستقرار. والإسلام دين الوحدة والتوحيد، دعا إلى الالتفاف ونبذ الفرقة والاختلاف وحافظ على الوحدة والائتلاف، وقد بيَّن التاريخُ ما أحدثته الفرقة بين صفوف المسلمين، ولا شك أن الأوطان والبلدان هى الأخرى بحاجة إلى وحدة أبنائها على كلمة واحدة. وعليه فإن التحديات العظيمة التى تمر بها مصر تحتاج من أبنائها إلى الاجتماع والمحبة والألفة، وأن تبتعد عن الفتن والخلافات وما يعكر صفو وحدتها واستقرارها، وبقدر حرصنا على ألا تمس مقدساتنا وقرآننا بسوء وألا ينالها أذى بالزج فيها فى أمور هى أقدس وأرفع من أن نقحمها فيها، بقدر حرصنا على إبعاد الناس والوطن عن مواطن الضرر والفتن، بل علينا العمل على لمِّ الشمل وتوحيد الصف. ولا شك أن الدعاة إلى هذه التظاهرات- فى هذا الظرف الدقيق من تاريخ الوطن وما يحيط به من تحديات كبيرة من الداخل والخارج- يعلمون بغلبة الظن أن التظاهرات عمومًا مظنة اشتباكات وصدامات وكرٍّ وفرٍّ، مما يجعل فرضية وقوع المصاحف وانتهاك حرمته أمرًا محققًا لا ريب فيه، فلماذا إذن الدعوة إلى رفع المصاحف بل الإصرار على رفعها؟ وإذا افترضنا جدلاً حسن النية عند مروجى هذه الدعوة، وافترضنا أيضًا أنهم لا يقصدون شيئًا فوق الدعوة إلى تحكيم القرآن والعمل به كما يزعمون، وبغض النظر عما تنضوى عليه هذه الدعوة من افتراض كفر أفراد المجتمع حكامًا ومحكومين بإعراضهم عن الحكم بالقرآن، فإن ما يستوقفنى حقًّا هنا سؤال واحد وهو: ما هو المكسب الكبير الذى يتساوى فى نظر هؤلاء مع إهانة ورقة واحدة بل حرف واحد من المصحف الشريف؟!
هل هناك مسئولية تقع على الإعلام فى الفترة الحالية من تاريخ مصر؟ وما هو المطلوب منه بالضبط؟
الإعلام تقع عليه مسئولية كبيرة نظرًا لدوره المهم ومدى تأثيره فى جموع الشعب وبالتالى يتوجب عليه تجنب إثارة القضايا السطحية أو التى تؤدى إلى حدوث بلبلة والتى لا طائل من ورائها، والبعد عن الأخبار المغلوطة والمكذوبة والشائعات والتى تساهم فى زعزعة أمن الوطن، والإعلام حاليًا يمثل ذاكرة الوطن وتقع عليه مهمة بث روح الوحدة والتعاون والبناء والتنمية والبعد عن الشقاق والتناحر الذى يصب فى مصلحة من لا يريدون لهذا الوطن أى تقدم أو بناء، علاوة على أن الإعلام مطالب بطرح قضايا جوهرية ومهمة للوطن وعرضها للنقاش من أجل أن تؤتى ثمارها وتساهم فى رقى هذا الوطن العظيم، وأخيرًا أدعو الإعلام إلى أن يلتزم الحياد وينحاز لمصلحة الوطن ولمصلحة الشعب المصرى العظيم، وأن يلتزم المهنية فى العرض وأيضًا ميثاق الشرف المهنى من أجل أن تستقر سفينة الوطن على بر الأمان.
ما سر انتشار الفكر التكفيرى مؤخرًا؟
تزايدت حدة هذه الفتاوى مع صعود التيارات الدينية عقب ثورة يناير حيث ظهرت الفتاوى الدينية مصاحبة لأى بيان أو تصريح سياسى بالتأييد أو المعارضة بما يكشف يقينًا توجيه هذه الفتاوى لخدمة أهداف سياسية حزبية معينة، وتوظيف الدين لاستقطاب الأتباع، واستغلال شغف الناس بالدين من أجل سحب البساط من تحت أقدام منافسيهم بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين اعتبرهم أصحاب تلك الفتاوى التكفيرية »طاغوتاً«، وكان نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة شهداء وضحايا عمليات إرهابية جاءت استجابة لتلك الفتاوى الضالة والمضللة، كما أنه بمراجعة شرعية تلك الفتاوى التكفيرية من الجانب الفقهى ثبت أن من يطلقونها غير مؤهلين علميًّا ولا عقليًّا، لافتقادهم أدنى المعايير العلمية المعتمدة فى إصدار الفتاوى الشرعية ولعدم إدراكهم خطورة ما يطلقونه من أحكام تؤدى إلى خراب المجتمعات وإحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً على جعلهم التكفير مدخلاً شرعيًّا للقتل واستباحة الدماء والأعراض، بما يمثل إفسادًا فى الأرض يهدم مقاصد الشريعة الإسلامية من أساسها.
ما ردكم على الفتاوى التى تحرض على الاعتداء وقتل قوات الأمن من رجال الجيش والشرطة؟
الفتاوى التى تحرض على الاعتداء وقتل قوات الأمن من رجال الجيش والشرطة هى فتاوى منكرة ولا يجب أن تصدر عمن يطلقون على أنفسهم علماء دين، فحرى برجل الدين أن يبين للناس الطريق المستقيم الذى ينتهى بهم إلى رضوان الله تعالى لا إلى القتل وسفك الدماء والإفساد فى الأرض؛ لأن من يعتدى على النفس البشرية أيًّا كانت فجزاؤه جزاء المفسد فى الأرض، فالشرع الشريف أكد على حرمة الدماء، ورهب ترهيبًا شديدًا من إراقتها، بل جعل الله سبحانه وتعالى قتل النفس سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة بغير حق قتلاً للناس جميعاً، ونحن نحذر من اتباع تلك الدعوات الغادرة التى تحض على قتل الأبرياء والاعتداء على رجال الجيش والشرطة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم حذرنا أشد التحذير من التحريض على القتل.
على من تقع مسئولية عودة الإحساس بالأمن والأمان؟
الأمن بالنسبة لنا جميعًا مكون أساسى من مكونات الحياة وفقده بمثابة فقد الماء، والإسلام نهى عن ترويع الآخرين والاعتداء على حقوقهم وممتلكاتهم ومن يقدم على هذا الأمر هو فاقد للإنسانية، ومن أجل أن يتحقق الأمن ويعود للمواطن أمنه وأمانه تقع مسئولية عودته إلى كافة مؤسسات الدولة وكذلك المواطن أيضًا وذلك من خلال تكاتف الجميع مع بعضهم البعض والوقوف صفًّا واحدًا ضد من يحاول عرقلة تقدمهم وإجهاض عملهم، ولا ننسى أن تحقيق الأمن مرتبط بتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع الظلم عن المظلومين، وحصول كل على حقوقه ومعرفة ما عليه من واجبات.
فى ظل ما نشهده اليوم من تطرف وتشدد، كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية فى المجتمع؟ وما هو دور علماء الدين والأئمة فى ذلك؟
القضاء على التطرف والتشدد يتحقق من خلال استماع الجميع إلى المنهج الوسطى والمعتدل الذى يتصف به الإسلام، فالمغالاة والتطرف والتشدد ليسوا من طباع المسلم الحقيقى المتسامح المنشرح الصدر المتأسى بالنبى عليه الصلاة والسلام، ولا من خواص الأمة المحمدية أمة الإسلام بحال من الأحوال، فمنهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف فى التوجيه والتعبير والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير، ومن أجل أن نبتعد عن الخلافات والشقاق لا بد من جلوس كل التيارات والقوى للحوار وبحث وتدارس القضايا التى تنهض بالأمة؛ حتى نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق مصلحة البلاد والعباد. وعلى الدعاة البعد عن القضايا الثانوية وإثارة القضايا حول الأمور التى حسمت من قبل وأن يضطلعوا بمهامهم الأساسية وهى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإرشاد الناس إلى ما فيه صلاح أمرهم فى الدنيا والآخرة، ولقد مدح الله تعالى الداعية القائم بأمور الدعوة إلى الله بقوله سبحانه وتعالي: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، فالأمور الخلافية تأخذ الداعية عن مهامه الأساسية فى الدعوة والتوجيه؛ ووجود الدعاة وتمسكهم بأدوارهم وأدائهم هو الخير، وهو ضمانٌ لمسيرة الخير فى المجتمع، وصمام أمانٍ للمجتمع بأسْره، قال تعالي: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».